الثلاثاء 2017/05/30

الديرية “أخوة بطة وهناء”

مقاربة بسيطة بين الماضي والحاضر .. بين أيام حكم الفرنسيين وأيامنا هذه التي رأينا فيها شتى صنوف الطامعين والغازين، ولم يقتصر قتالنا لعدو واحد، بل أصبح الأعداء كثرا.

هناء عبدالكريم يعقوب الصكر رحمها الله، امها فوازة عكاب الصكر.

يتساءل من يقرأ هذا الاسم عن وجوده على صفحات معظم الناشطين من أبناء دير الزور ولماذا هذه المرأة بالتحديد؟ !!

هناء .. نازحة من دير الزور إلى قرية جزرة البوشمس التي سيطرت عليها الميليشيات الكردية الانفصالية قبل أشهر، بعد أن كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة، خرجت هناء وعائلتها من ديرالزور هربا من قصف نظام الأسد وشبيحته على مدينة ديرالزور، ومن بطش تنظيم الدولة على أبناء هذه المدينة وقتلهم لمن يرفض الاعتراف بهم ومبايعتهم، فقد قتل التنظيم محمود عبد الكريم الصبار لأنه كان أحد عناصر الجيش الحر قبل سيطرتهم على المدينة ورفض مبايعة التنظيم، ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا معه ابنه وابن أخيه، فما كان من هناء إلا أن غادرت مدينتها مكرهة لتعيش كمعظم أبناء دير الزور حياة ا لنزوح المليئة بالذل وشظف العيش.

 يوم السبت في العشرين من أيار عام 2017 كانت عاصفة غبارية تعصف بالمنطقة الشرقية بشكل عام، وعادة مايستغل تنظيم الدولة مثل هذه الأجواء ليشن هجمات على مواقع أعدائه انطلاقا من مناطق سيطرته، وكانت وجهة العناصر هذه المرة "جزرة البوشمس" وكان الهدف من الهجوم، القتل ... والقتل فقط.

"محمد" طفل يبلغ من العمر 14 عاما، لم تشفع له طفولته وتمت مطاردته من عناصر تنظيم الدولة أثناء هجومهم على جزرة البوشمس، فما كان منه إلا أن يلوذ بأمه "هناء الصكر" التي لم تصعق كباقي النساء بمنظر مسلحين يقتحمون بيتها، بل حملت مسدسا كانت تحتفظ به لتذود به عن نفسها وعائلتها، فما كان من عناصر التنظيم إلا أن قتلوا ولدها أمام عينها، فلم تكن دموعها إلا رصاصا يصوب نحو صدور قاتلي ولدها، أمام عينيها، فأردت اثنين من عناصر التنظيم، لكن الرصاص لم يساعد على صمودها فألحقها التنظيم بولدها ، لتكتمل قصة موت لأم رأت ابنها يذبح أمام عينيها، ولتسدل الستار على مذبحة بحق نحو ثلاثين مدنيا من أبناء قرية جزرة البوشمس معظمهم أطفال ونساء، لم تكن جريمتهم سوى أنهم سكنوا قرية خرجت عن سيطرة هذا الفصيل أو ذاك.

أعادت قصة بطولة هناء الصكر ذاكرة أبناء محافظة دير الزور إلى عام 1937 أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا، وربطوا بين قصة هناء وقصة "بطة الحج قدور" التي استجارت بجمهور دير الزور في أول مباره لكرة القدم بين نادي الفرات وإحدى الفرق الفرنسية إبان الاحتلال الفرسي لسوريا وكان هذا اللقاء مشهورا، وتم حشد كل الامكانيات لإنجاحه وفي يوم المباراة زينت شوارع المدينة وكأنها في عرس حقيقي وقبل ساعتين من الموعد كانت تتجمع الحشود على الطريق من النادي الواقع في حي الحويقة وحتى المعلب البلدي الواقع أمام ثانوية الفرات حاليا موقع المتحف.

هذا اللقاء انتهى بفوز نادي الفرات على الفرنسيين بنتيجة 11/02 فجن جنونهم وأخذوا يضربون الجماهير الديرية بلا هوادة.

 هنا انبرت "بطة الحج قدور" التي جاوزت الخمسين من عمرها وقد تحزمت وهي تحمل العصا بيدها وأخذت تهزج تلك القصيدة المشهورة والتي أصبحت مثل للفراتين عامة قالت:

لا كنا احبلنا ولاجبنا وأطلقت صيحتها المعروفة (عليهم أخوت بطة)

 سمع الشباب نداء "بطة" التي شقت الصفوف فاندفعوا بقوة يضربون الجنود الفرنسيين بالعصي والحجارة في الوقت الذي كان فيه الجنود يضربونهم بأعقاب البنادق بلا رحمة صاح ابراهيم الأهزوجة المعروفة:

الله أكبر يادعوانا ............. ديرية ومابينا خيانة

ندحم على الطوب .............. وعالدانة

ولو هلهلتي ياالديرية ....... واحد منه يقابل مية

ولو هلهلتي يا بطة ......... الواحد منا يقتل مية

ولو هلهلتي هلهلنالج ....... طقينا البارود قبالج

 وفي نفس الوقت والأهزوجة والجماهير ملتهبة رفع أحد المواطنين من أبناء الدير العلم السوري وهو يلوح به تارة نحو اليمين وتارة نحو الشمال منشدا بأعلى صوته(بيرق الحرب رفرف على روس النشامى).

 فأطلق الجنود الفرنسيون النار في الهواء لتفريق المتفرجين ولكنهم حين شاهدوا العلم السوري في سماء الملعب أخذوا يطلقون النار بشكل عشوائي فأصابوا عددا من المواطنين حينها سارع شخص اسمه بهلول لإسعاف المصابين.

وهو أحد رجال الفرقة الأجنبية الذين جندتهم فرنسا من المغاربة والجزائريين والسنغال رغما عنهم وانضم إلى صفوف الوطنيين وهو ينادي بلهجته الجزائرية:

 ما تخافوش يا ولد بلادي .... ما تخافوش يا ولد بلادي ... موتوا واقفين .... عاشت سورية حرة مستقلة .. .... عاشت الجزائر حرة مستقلة.

 فأطلق الفرنسيون عليه النار فأصيب بجروح بليغة وعولج من قبل أهل الدير وشفي من جراحه أصر بعدها أن يبقى في دير الزور.

بين "بطة" و "هناء" نحو قرن من الزمن، لم تمنع التواريخ المتباعدة أبناء مدينة دير الزور من المقاربة بين فعل "بطة" وفعل "هناء" وكلهم أمل أن تنجلي حشود الغدر التي أحاطت اليوم وتكالبت لإطفاء شعلة ثورة الحرية والكرامة، لأهداف لن يوقف مدها إلا وقوف الثوار السوريين صفا واحدا تجمعهم رابطة الدم الذي سال في معظم المحافظات السورية، وهدف واحد وهو إسقاط نظام البطش والغدر نظام بشار الأسد، وضمان عيش حر كريم لأبناء سوريا الحرة.