السبت 2017/07/01

الخفايا السبع لاستراتيجيات “دي ميستورا” في المفاوضات السورية

في ظل ميل ميزان القوة لمصلحة نظام الأسد الذي يسيطر اليوم على مساحات واسعة على الأرض، مقابل الضعف والخلافات التي تصل إلى حد الاقتتال بين الفصائل المسلحة، وفي ظل عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعدم وضوح الموقف الأمريكي، وانحسار دور الاتحاد الأوربي، وانقسام الموقف العربي حيال ما يجري في سوريا، مقابل ازدياد النفوذ الروسي والإيراني، فإن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا عمل منذ جولة جنيف 4 على تغيير استراتيجيته في إدارة المفاوضات لتقترب أكثر من الإذعان لسياسات النظام والروس والإيرانيين.

أطراف في المعارضة السورية شاركت في المفاوضات منذ حلقاتها الأولى، وتابعت عن كثب ما يجري في كواليس المؤتمرات، أفادت لقناة الجسر أن دي ميستورا حرص منذ تسلمه منصب المبعوث الأممي على اتباع استراتيجية جديدة في إدارة التفاوض، تقوم على النقاط التالية:

أولاً: بعد فشل جنيف 2 واستقالة الابراهيمي، ثم انهيار جنيف 3 بتعليق وفد المعارضة لمشاركته، حرص دي ميستورا على رسم عملية تفاوضية مستمرة، تضمن عدم الوصول لحالة انسداد فيها يؤدي لتوقفها، أو يسبب تباعد جولاتها، وهو أعلن قبل أيام قليلة عن إمكانية عقد جنيف 10 قبيل نهاية السنة الحالية !

ثانياً: عدم تقديم مبادرة رسمية للحل النهائي، والاكتفاء بعرض أفكار منقوصة يسميها " لا ورقة" ويصفها "وثائق حيّة" بمعنى أنها قابلة للتبدل بين جولة وأخرى، قال في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن" وأنا أنظر، في الواقع، مشاطرة بعض من أفكاري الخاصة بشأن مسائل معينة وذلك بغية حفز المناقشات بين الأطراف"

ثالثاً: إنشاء التشاوريات التي تجمع الخبراء التقنيين بمعزل عن السياسيين بما يوحي أن الحل سيكون عبر الإصلاح الدستوري والإداري والانتخابي، وكأن هذه القضايا على أهميتها هي أصل الأزمة، وليس الاستبداد السياسي الذي مارسه النظام لعقود خلت، والذي تجاوز فيه كل القوانين معتمداً على أدواته القمعية العسكرية والأمنية التي تتجنب المفاوضات إلى يومنا هذا بدء الحديث عن مستقبلها.

رابعاً: فتح مسارات غير رسمية بإشراك الاستشارية النسائية، وعدد لا متناهٍ من منظمات المجتمع المدني تمثل المؤيدين والمعارضين وهو يعلم استحالة اتفاقها على شيء ما، ما يساهم في تعقيد العملية التفاوضية، وإطالة أمدها.

خامساً: الطلب في كل جولة من وفود المعارضة تقديم مبادرات لإثبات حسن نواياهم، وانخراطهم الإيجابي في المفاوضات، كورقة المبادئ في جنيف 2، ورؤية الهيئة العليا المقدمة في لندن، ثم البناء عليها وطلب مبادرات جديدة بحجة الواقعية السياسية التي تنسجم مع التغيرات العسكرية والسياسية المحلية والدولية، لتوريط المعارضة في تقديم تنازلات أكثر لصالح النظام الذي لم يقدم ولا مبادرة واحدة، بل لم يُطلب منه ذلك.

سادساً: يكرر "المبعوث الأممي" دائماً أن خبرته تقول: إن التصعيد العسكري يكون في أعلى مستوياته قبيل المفاوضات وخلال انعقادها، ليضمن عدم انسحاب المعارضة بسبب استمرار القصف وانهمار البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، بما يكسر إرادة المعارضة المفاوِضة، ويدفعها باتجاه الحصول على أي مكسب بسيط مثل دخول قافلة مساعدات إنسانية، أو الإفراج عن عدد محدود من المعتقلين، أو تخفيف التصعيد في مناطق ضيقة المساحة، وتصويره كأنه مكسب كبير يحفّزها على العودة مرات ومرات إلى طاولة المفاوضات.

سابعاً: إضعاف المعارضة السياسية وتجريدها من ورقة الضغط الوحيدة التي تتكئ عليها، المتمثلة بالفصائل المسلحة، باعترافه بمسار أستانا ومشاركته فيه بشكل مباشر ومتكرر، وجعله مسارا موازيا لجنيف واعتماد نتائجه في التسوية السياسية، في الوقت الذي يستمر فيه النظام باستثمار كل أدوات الضغط العسكرية والاقتصادية التي يملكها، إضافة لقوات حلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية التي تعيث في طول البلاد وعرضها.

نهاية القول .. إن استراتيجية دي ميستورا تهدف إلى المضي في مفاوضات عبثية بينما يغيّر النظام وحلفاؤه الحقائق على الأرض، وبينما تتغير أيضاً المواقف الدولية والإقليمية من الثورة السورية، وتتبدل الأولويات وتتمركز حول ملفي اللاجئين ومكافحة الإرهاب، مع تجريد المعارضة من أوراق قوتها وزرع الخلافات بينها، بحيث لن تجد بعد عدة جولات قادمة ما تفاوض عليه، وستكون محكومة بسقف النظام وحلفائه في الحل النهائي.