الجمعة 2020/08/07

“التضامن مع لبنان آخرها”.. لماذا ينقسم السوريون دائماً مع الأحداث الخارجية وما الجدوى؟

وسائل التواصل الاجتماعي تحولت مؤخراً من وسائل تعارف افتراضي وتبادل أفكار وخبرات إلى ساحة لتبادل الاتهامات بين السوريين، فـ بعد انقسامهم عقب وفاة الكاتب والباحث السوري "محمد شحرور" يوم 21 كانون الأول 2019 بين من أبدى فرحه بموته وتخليص الأمة من شروره وبين مترحم عليه ومشيد بفكره.

الانقسامات تجددت بين السوريين خلال الأيام السابقة عقب تحويل تركيا متحف آيا صوفيا إلى مسجد بين مؤيد للقرار السيادي التي اتخذته أنقرة ومشروعها الإسلامي، وبين معارض للقرار وجدوى تحويله إلى مسجد في ظل الانتشار الكثير للمساجد في إسطنبول التركية وتبعية هذا القرار على الشعب التركي وعلى المنطقة.

وخلال الأيام الماضية اشتعلت خلافات حادة مجدداً على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين وانقسامات بين متعاطفٍ وشامتٍ على خلفية انفجار بيروت يوم الثلاثاء 4 آب/أغسطس الجاري، والذي أدى حتى الآن إلى مقتل 157 شخصاً وإصابة أكثر من 5000 آخرين في حصيلة غير نهائية بسبب وجود أعداد كبيرة من المفقودين.

كثير من السوريين تضامنوا مع ضحايا لبنان عبر منشورات على صفحاتهم الشخصية على موقع فيسبوك، ليلقى ذلك التضامن ردة فعل غاضبة وواسعة من شريحة أخرى اعتبرته "نفاقاً سياسيا وإنسانياً وإعلامياً".

بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي أكدوا أن تضامنهم مع الشعب اللبناني كضحايا ومن منطلقٍ إنساني بحت بعيداً عن السياسة، وأن تضامنهم ليس مع مليشيا حزب الله اللبناني التي قتلت وشردت مئات الآلاف من السوريين ولا مع ساسة وقادة لبنان المناصرين لـ بشار الأسد ونظامه الإجرامي ولا مع العنصريين الذي أذاقوا اللاجئين السوريين مرارة العيش من تضييق وضرب وشتائم واغتصاب وقتل وكافة الانتهاكات المقيتة.

في حين برر رواد آخرون غضبهم من هذا التضامن بأن أغلب المدن السورية تدمرت بشكل ممنهج أمام مرأى ومسمع العالم وقُتل فيها أكثر من نصف مليون جلهم أطفال ونساء إضافة لتشرد ونزوح أكثر من 7 ملايين آخرين لم يسمعوا أو يروا مثل هذا التضامن، وتساءلوا أليس نحن بشرٌ مثلهم؟ لماذا لم يتضامن معنا هذا الكون في مأساتنا اليومية منذ تسع سنوات رغم أنها ليست حادثاً عرضياً جرى وانتهى؟، يضاف لذلك أن أغلب ساسة لبنان بمن فيهم الرئيس عون ينتظرون اليوم الذي يتم ترحيل آخر سوري إلى بلده، فـ العنصرية التي واجهها السوريون في لبنان لم يواجهوها في أي مكان بالعالم.

في واقع الحال فإن اختلاف الرأي سنة كونية وطبيعة بشرية موجودة بين أفراد المجتمع الواحد، أما أن يتحول اختلاف الرأي إلى فرض رؤية معينة على حساب الآخرين فهذا تحول من حالة صحيحة إلى مرض يصيب المجتمع ويجب معالجته.

في الحالة السورية مجرد أن تختلف مع أحد في الرأي تجد أن الخلاف ابتعد عن الموضوعية وتحول إلى الشخصنة، فلم يعد هناك مجال للموافقة بين رأي ورأي آخر، بل أصبح خلافاً بين شخصين، حيث تبدأ ظاهرة التخوين والتشفي والنقد اللاذع والتهجم وقد تتعدى ذلك إلى التشهير عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ نعتقد أننا يجب أن نسحق جميع الآراء حتى لا يبقى غير صوتنا الوحيد.

الكثير لا يعرف أن الصفحة الشخصية في فيسبوك هي منبر يعبر صاحبها عما يدور في مخيلته من مشاعر وأحاسيس وخواطر وغيرها هي ملك له وحده يحق أن يكتب ما يشاء في الوقت والزمن الذي يشاء بشرط عدم تعديه على حرية الآخرين، وللمتابع حرية التعليق أو تجاهل ما ينشر صاحبها بشرط عدم مصادرة رأي الآخر، وإذا لم يكن لدينا اتساع في الصدر لتقبل جميع الآراء فلماذا كانت "الحرية" من أهم مطالب الثورة السورية، ألم نسمها ثورة الحرية والكرامة ؟ ! .

إلى الآن سياسة التعميم وإصدار أحكام عشوائية تطغى على عقول ومشاعر البعض من السوريين، وهي بالمجمل سياسة خاطئة بالمطلق، وهذا ما تجده شائعاً على صفحات الفيسبوك التي تحولت من وسائل تواصل اجتماعي إلى ساحات معارك وقذف وشتائم لتعود الانقسامات مجدداً بسبب حرية رأي كتبه شخص على صفحته عبر فيه عما يدور في خاطره.

ويتساءل متابعون على وسائل التواصل الاجتماعي حول الجدوى من انقسام السوريين وتبادلهم للاتهامات بمجرد تعبير أحدهم عن رأيه كما يريد، لماذا دائما تشتعل معارك فيسبوكية بين السوريين من شأنها زيادة الصدع الحاصل بينهم ؟