الأثنين 2015/10/26

الأمم المتحدة و”الأمم غير المتحدة”

احتفلت الأمم المتحدة في عطلة نهاية الأسبوع بالذكرى السنوية السبعين لإنشائها رسمياً في ٢٤ تشرين الأول ١٩٤٥. اتشحت معالم كثيرة بالأزرق ابتهاجاً عبر العالم.

غير أن هذا الفرح لم يطغ على أحزان تعصر قلوب كثيرين.

ما أكثر الضعفاء والفقراء والمهمشين والمهددين. يشككون تارة في فاعلية هذه المنظمة الدولية ويتساءلون طوراً حتى عن جدواها. يغالي البعض بتسميتها "الأمم غير المتحدة".

ليس هنا الحديث عن الظروف التي أدت الى انشاء الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم.

ولكن لا يمكن تخيل ما سيكون عليه عالم اليوم إلا بالتأمل في عالم ما قبل هذا التأسيس.

عشرات ملايين القتلى في أوبئة وأمراض ومجاعات ونزاعات بلغت ذروتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

كان الظلم والظلام يعمّان العالم قبل أن تنبثق المثل المشتركة للإنسانية. لكن العالم تغير كثيراً بين ١٩٤٥ و٢٠١٥. كانت العصبة تتألف من ٥١ دولة صارت المنظمة تتشكل الآن من ١٩٣ دولة.

هي الصوت الأعلى لنشيد "نحن الشعوب" التي تخلصت بصورة شبه كلية أيضاً من عصر الاستعمار.

لا تتستر الإخفاقات الراهنة بالأضواء الزرقاء التي زينت المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك والمعالم الكبرى والتاريخية في هذه المدينة الأميركية وسواها من بيروت وموسكو الى نيودلهي وباريس، ومن لندن وأديس أبابا الى القاهرة وبيجينغ، ومن هافانا واستوكهولم الى كانبيرا وأبوجا... لا تبرر فشلها في انهاء مآس كثيرة في بلدان عدة.

صارت سوريا في صدارة لائحة الأزمات الدولية التي تضم أيضاً لبنان وليبيا واليمن والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وأفغانستان وميانمار وجمهورية الكونغو الديموقراطية وأوكرانيا وجورجيا وهايتي.

دعكم من النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي يرافق الأمم المتحدة منذ انشائها تقريباً.

تواجه الأمم المتحدة أيضاً تحديات جديدة وأكثر تعقيداً مما تعاملت معه من أزمات العقود السبعة السابقة.

تعثرت مفاوضات طويلة لنزع الأسلحة. عادت مؤشرات سباق التسلح. ظهرت ملامح جديدة للإرهاب والتطرف العنيف.

برزت بوضوح أخطار تغير المناخ وما ينجم عنه من كوارث طبيعية مدمرة.

بعيداً من الصور الشاعرية لقيمة الأمم المتحدة وقيمها العالمية، لا يمكن تصوّر حال هذه البلدان من دون كل المحاولات التي قامت بها المنظمة الدولية والجهود التي بذلتها لإنهائها، مهما كانت هذه المحاولات والجهود بائسة أو فاشلة.

لا تزال الأمم المتحدة، وفقاً لتعبير أمينها العام بان كي - مون، "منارة للبشرية بأسرها"، لأنها توفر الطعام للجياع والمأوى لكثيرين ممن تشردوا من ديارهم. تقدم الطعوم للأطفال لئلا تدركهم أمراض فتاكة يمكن الوقاية منها.

تدافع عن حقوق الإنسان للجميع، بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية أو الجندر أو التوجه الجنسي. بل هي الأداة الأكثر حياداً لوقف النزاعات والأزمات والحروب، أو الحدّ منها، أو حتى الوقاية منها.

ثمة اجماع على أنها تحتاج الى إصلاحات عميقة.

لذلك لا،

العالم ليس مكاناً أفضل من دون الأمم المتحدة.