الأربعاء 2016/02/17

الأكراد على مذبح الخديعة الدولية

جلاوزة البعث الشوفيني البغيض، الذي نكل بالأكراد، و قتل الحياة في بلادهم وصادر أحلامهم، وجعل لغتهم محظورة، وكان الاحتفال بعيد النوروز مقدمة لاحتفال بالدم . 

اختصار كثيف لرأي مثقفي الكرد اليساريين بصيغ لغوية مختلفة بنظام الأسد، حتى ظن المراقبون أن هؤلاء ينتظرون منازلة كبرى مع النظام حتى يثأروا لكل المظالم التي حاقت بهم، وبشعبهم خلال خمسين سنة بعثية، ويظل الضابط البعثي محمد طلب هلال رمز قمع الأكراد منذ ستينيات القرن الماضي، الضابط الذي رسم سياسات البعث في المناطق ذات الأغلبية الكردية .

انتفاضة 2004 مُلْهِمٌ حديثٌ، يدركُه كلُّ الأكرادِ عياناً بعد حملة وحشية قام بها النظام ضدهم، ليصير ركام الثأر مضاعفا،لكن واقع الأمر جاء خلاف ذلك، فما إن بدأت الثورة السورية حتى كشَّر اليسار الكردي عن أنياب تتوجه لفريسة غير متوقعة بدأت بالناشطين الأكراد، الذين ساروا في ركب الثورة السورية، فقام بالتنكيل بهم، وقتل العديد منهم، كان أشهرهم المعارض السياسي مشعل تمو الذي نادى بحقوق الأكراد تحت المظلة الوطنية السورية، ثم بدأ حملات ممنهجة لمطاردة الناشطين وتصفيتهم حتى فر الكثير منهم خارج البلاد. 

جمعة آزادي 20 -5-2011التي أعلنها الناشطون في بداية الثورة، كانت مؤشرا على الكيمياء المتجانسة بين الثوار السوريين، الذين خرجوا ضد الأسد على مساحة التراب السوري، فكانت أعلام الثورة ترفع في المناطق ذات الأغلبية الكردية، ولكن هذه الحال لم تدم طويلا، فقد طرأ شيء جديد مع تصدر الأحزاب اليسارية المشهد مدعومة من النظام وقوى دولية أهما أمريكا وروسيا. 
وجه مختلف كشف عنه حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم بعد سعيه الحثيث لترسيخ الانفصال عن سوريا عقب إعلان الإدارة الذاتية، معتمدا في ذلك على السلاح الأمريكي الذي يصل بشكل ممنهج، أضف إلى ذلك إرسال خبراء لتدريب المقاتلين، ويظل الأهم من ذلك كله الغطاء الجوي، الذي توفره الطائرات لهذه المليشيات لتتقدم، وتقضم مساحات جديدة من الأراضي، وتهجِّر السكان العرب والتركمان؛ لتغيير البنية الديمغرافية استعدادا لإعلان دولة روج آفا كما يسميها الأكراد الانفصاليون. 

و يسجل المرء -في تقصيه- لهذا الموضوع التدخل الأمريكي لصالح هذا المشروع بعيدا عن أعين رقباء الثورة، حتى تم تجهيز هذه المليشيات بعتاد نوعي، ليلتفت الروس متأخرين لحساسية هذا المشهد، فاندفعوا لدعم زعيم هذا الحزب صالح مسلم ، وبدأوا بتسويقه سياسيا، وفرْضِهِ كأحد القوى الرئيسية في البلاد، أضف إلى ذلك مساهمة الطيران الروسي في تغطية هذه القوات ومساعدتها في التقدم لاحتلال الأراضي التي حررها الثوار من نظام الأسد خلال السنوات الأربع الأخيرة، حتى سيطرت هذه المليشيات على أغلب الشريط الحدودي مع تركيا. 

المشروع المعلن إقامة دولة كردية على قطعة من الشمال السوري، مدعومة بسلاح أمريكي وروسي، وتتناقض مع الأمن القومي التركي، الذي لن يسمح بإقامة كيان يحكمه حزب تضعه تركيا على قائمة الإرهاب، ويخوض الجيش التركي ضده حربا دامية، ومتورط في تفجيرات داخل تركيا كان هدفها المدنيين ، .. طموح يتناسى تاريخيا أن أحلام الأكراد بالانفصال كانت تنتهي بخذلان الذين يشجعونهم على ذلك كما حدث في جمهورية ماهباد الكردية في إيران بعد الحرب العالمية الثانية التي دعمها الاتحاد السوفيتي سنة 1946،واستمرت الجمهورية أحد عشر شهرا كان رئيسها قاضي محمد، لكن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية لم يكن في أجنداتهم إنشاء دولة كردية، فضغطت بريطانيا على الاتحاد السوفيتي الذي تراجع عن دعم هذه الجمهورية الناشئة، وتقدمت قوات الشاه بهلوي، ودخلت ماهباد، واعتقلت رئيس الجمهورية قاضي محمد مع أخويه وعدد من أعضاء حزبه، وعلقتهم على أعواد المشانق، وذهبت وعود الاتحاد السوفييتي أدراج الرياح. 

لتنتقل مسألة إقامة الدولة الكردية إلى الجانب العراقي، وليكون قائد القوات الكردية مصطفى البرزاني الذي كان قائد أركان الجيش في جمهورية مهاباد، وبعد دخول الجيش الإيراني لجأ مع 500 مقاتل إلى أراضي الاتحاد السوفييتي، ثم عاد إلى العراق بعد الانقلاب ضد الملكية، فقرَّبه عبد الكريم قاسم، ولكن العسل السياسي لم يدم طويلا؛ فسرعان ما بدأ تتسع الهوة بين الرجلين، حتى كان فراق لا لقاء بعده. 
دخل الملا مصطفى البرزاني الحرب ضد الحكومة المركزية في بغداد بين عامي 1974 و1975، وقد دعمت إيران في عهد الشاه مصطفى البرزاني بالعتاد العسكري، ونشرت بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، كان لها أثر كبير على العمليات العسكرية، حيث أسقطت الكثير من الطائرات العراقية، أضف إلى ذلك مساهمة كتائب عسكرية إيرانية في القتال إلى جانب البرزاني، والأهم في هذا السياق الدعم الإسرائيلي للبرزاني حيث كان المستشارون الإسرائيلون حاضرين بشكل دائم في غرف عملياته. 

عقد العراق صفقة سياسية مع شاه إيران عرفت باتفاق الجزائر حيث تنازل العراق عن جزء من شط العب لصالح إيران مقابل إيقاف إيران دعمها لقوات مصطفى البرزاني، وهذا الذي كان، ثم سافر البرزاني إلى طهران ،وعقد اجتماعا مع الشاه ليعود بشكل مفاجئ، ويعلن يوم 19 آذار 1975 إنهاء المقاومة الكردية، ثم سافر إلى طهران ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ترك الأكراد ليواجهوا جيوش هذه الدول التي أنهت حلمهم، بينما انسحبت الدول الغربية؛ التي كانت تشجعهم لتظهر في مناسبات تاريخية أخرى تدعوهم لنفس الصنيع المستحيل .

نشوة التوسع والاقتراب من تحقيق الحلم ترافقُ الأكراد في كل محاولاتهم التي تستهدف كل مرة منطقة واحدة فقط من مناطق كردستان الكبرى كما يذكرون في أدبياتهم السياسية، والغريب أن الأكراد يطبقون في كل مرة الخطة نفسها ولا يحيدون عن المنهج منذ حركة الشيخ سعيد بيران في جنوب تركيا 1925 والتي انتهت مثل كل المحاولات الكردية المسلحة على أساس قومي . 

فصل جديد عنوانه العريض غرب كردستان روج آفا يقوم به الأكراد في سوريا ويقودهم حزب الاتحاد الديمقراطي اليساري التوجه، وهو فرع عن حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في تركيا، ويتزعمه عبد الله أوجلان المعتقل في السجون التركية بتهمة الإرهاب وقتال الدولة، وتدعم نشاطه أمريكا وروسيا، والمفارقة الغريبة في هذا السياق هو دعم النظام السوري، الذي كانت الأحزاب الكردية السارية تئن من مظلومية البعث الشوفييني. 

لم تعد الكيمياء متجانسة في المشهد السوري؛ فالثورة التي خرجت لتحقق الحرية والعدالة للجميع تلقت طعنات تترى من الجميع كان أهمها الأكراد اليساريون، الذين يعتمدون على طائرات الحلفاء ليقضموا أكبر مساحة من الأراضي، متخذين سلوك عصابات الهاغانا في احتلال في فلسطين، تروج لهم منصة إعلامية ساذجة تصفهم مرة بجيش سوريا الديمقراطية، ومرة بجيش الثوار محاولة إخفاء حقيقتهم السوداء كميلشيات قطاع طرق تعمل لصالح نظام الأسد، وتوهم الشارع الكردي أنها تسعى لإقامة الدولة الكردية ،دون قراءة دروس التاريخ، ودون مراجعة عميقة للتجارب؛ التي قاموا بها خلال المئة عام المنصرمة، والتي كانت نهايتها الفشل، حيث يقوم الأقوياء باستخدام الأكراد لمآرب سياسية، وبعد انتهاء المشروع المزمع إقامته يُتْرَك الأكراد وحدهم لمواجهة مصيرهم أمام جيوش نظامية دون تحقيق مشروع الدولة الكردية الذي صار يشبه بيضة الديك .