السبت 2019/09/21

إيران.. وأحجار “الدومينو” العربية!

حينما قدّمت السعودية دعمها للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وما أتبعه من الإطاحة بـ"صدام حسين"، لم تكن تعلم أنها تدقّ فعلياً الإسفين الأول باستقرار المملكة النفطية على المدى البعيد.

تخلّصت الرياض بعد سقوط نظام "صدام حسين" من "جارٍ مزعج" غير أنها واجهت في الواقع "عدواً متربصاً" التهم بلاد الرافدين على طبق من ذهب، وامتدت شهيته إلى محيط الجزيرة العربية، وها هو اليوم يضرب عمق المملكة بنفسه أو بأذرعه الطائفية.

استطاعت إيران أن تكون المستفيد رقم1 مما جرى في العراق، مستغلة الجانب العقائدي في "تصدير ثورتها" إلى "بوابة المشرق العربي" لتصبح خلال مدة وجيزة صاحبة الحل والعقد في العراق، ولا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من هناك عام 2011.

ولجت إيران المشرق العربي من بابه ولم تكتفِ بذلك، بل إن سقف طموحها المرتفع أغراها على متابعة الطريق الطويل بمشروع إستراتيجي يحقّق لها "حلم الإمبراطورية الفارسية" البائدة.

الإسفين الثاني.. لبنان:

بعد العراق رسّخت إيران قدمها في لبنان، مستغلة الاضطراب السياسي هناك بعد حادثة مقتل حليف الرياض في بيروت "رفيق الحريري"، الذي لقي حتفه بعملية اغتيال تحمل بصمات الذراع الإيراني في لبنان ..حزب الله، الذي سارع في العام 2008  إلى تنفيذ ما اعتبر "انقلاباً دموياً" في بيروت ضد الائتلاف الحكومي بقيادة تيار المستقبل (حليف السعودية).

منذ ذاك الحين، اكتفت الرياض بإدانة ما يجري في لبنان، والاعتماد على تنديد واشنطن والمجتمع الدولي، بينما كان "حزب الله" يؤسّس في رابعة النهار "دولة داخل دولة"، إلى أن أصبح -ومن ورائه إيران- صاحب الكلمة العليا في لبنان.

الإسفين الثالث.. سوريا:

مع اندلاع الثورة الشعبية ضد بشار الأسد عام 2011، قرأت السعودية المشهد السوري بشكل مختلف قليلاً، فهي غير مهتمّة عملياً بأنها ثورة يسعى فيها الشعب السوري لنيل حقوقه المشروعة في دولة ديمقراطية. نظرت الرياض إلى الأمر على أنه شرارة لكسر ذراع إيران في بلاد الشام عبر الإطاحة بنظام الأسد.

وخلال وقت سريع جداً.. أصبحت سوريا ميداناً لعضّ الأصابع بين طهران والرياض، وفي الوقت الذي كانت فيه إيران تقدّم الدعم الكامل لحليفها في دمشق مالياً وسياسياً وعسكرياً، دخلت السعودية المضمار بجهود مشتّتة قامت على دعم فصائلَ بعينها واستغلال الدعم المقدّم لتعزيز نفوذها فقط.

كان التدخل الروسي المباشر في سوريا عام 2015 إيذاناً بتقلص الدور السعودي وانقلابه بشكل مطّرد، إلى أن وصل أقصى طموحات الرياض إلى معادلة القبول ببقاء الأسد مقابل طرد إيران من الأراضي السورية، وذلك بعد اكتمال مشروع "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلى بيروت.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المملكة أوعزت لحليفتها الإمارات بإعادة التطبيع مع نظام الأسد عبر افتتاح سفارة أبو ظبي في دمشق نهاية العام 2018، ويبدو أن السعودية نفسها كانت ستركب قطار التطبيع مع الأسد، لولا أن "فيتو" أمريكياً أوقف هذا المسار.

الإسفين الرابع.. اليمن:

ربما يكون هذا الإسفين بمثابة حجر الزاوية في قائمة أحجار الدومينو العربية.

انقلبت جماعة الحوثي المدعومة من إيران عام 2014 على حكومة عبد ربه منصور هادي، الذي وصل إلى السلطة وفق "مبادرة خليجية" قادتها الرياض أفضت إلى خروج الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" من السلطة، ثم ما لبث أن انضم إلى انقلاب الحوثيين.

وجدت المملكة أن البساط سُحب من خاصرتها اليمنية عبر ذاك الانقلاب، فأخذت الضوء الأخضر بتدخل عسكري مباشر في اليمن عام 2015 عرف باسم "عاصفة الحزم"، وتوعّدت الرياض حيتها بالقضاء على المليشيات الحوثي خلال فترة وجيزة، غير أن ما حصل كان أكثر سوءاً من التدخل السعودي في سوريا، وذلك بسبب التماسّ الحدودي بين مناطق مليشيات الحوثي والأراضي السعودية، فكانت النتيجة ما اختصره قائد مليشيا "عصائب أهل الحق" في العراق "قيس الخزعلي"، حين قال إن مشروع "الهلال الشيعي" لم يعد هدفاً أمام مشروع "البدر الشيعي" في إشارة إلى ابتلاع النفوذ في اليمن.

وبدلاً من التفرغ لمحاربة "المشروع الإيراني" في اليمن، ارتكبت الرياض وحليفتها أبو ظبي الأخطاء نفسها، عبر دعم جماعات يمنية على حساب أخرى، ما أفضى بالمشهد إلى ما وصل الأمر عليه في آب الماضي، حيث انقلب "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً على حكومة "هادي" المدعومة سعودياً، في الوقت الذي كانت فيه إيران تستفيد كعادتها من أجواء الفوضى، في تثبيت أقدامها لبدء المستوى الثاني من خطتها الجهنمية.

تمثّلت الخطوة الثانية بدخول إيران إلى عمق الأراضي السعودية جنوباً عبر أسراب الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي أقضّت مضاجع السعودية، إلى أن وصل التحرش الإيراني إلى حد الوصول لأضخم منشأة نفطية في العالم شرق المملكة، في هجوم أكدت واشنطن والرياض أنه "إيراني محض" على الرغم من تبنّي الحوثيين.

أمام هذا المشهد لم يكن من السعودية سوى الاعتماد على "حماية الحلفاء"، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي اكتفى إزاء الهجوم الأخير بتهديد إيران، وفرض عقوبات اقتصادية قالت طهران إنها "بائسة"، بالإضافة إلى تكرار "منطق التاجر" عبر المطالبة "بالمليارات مقابل الحماية".

 وفق الوقائع السابقة لا يبدو في المدى المنظور أن المليارات التي دفعتها السعودية -سواء في مجال شراء وتكديس الأسلحة أو لكسب الحماية الأمريكية- ستفلح في تقليم أظافر إيران بالشرق الأوسط، أو في صدّ الاعتداءات الإيرانية المتكررة، فطهران تعاملت مع دول المنطقة بمنطق "أحجار الدومينو" التي تتهاوى تباعاً في ظل انشغال المحور "السعودي الإماراتي المصري" بالقضاء على آثار "الربيع العربي" الذي كان يمكن -لو كتب له النجاح- أن يكون حاجز الصد الحقيقي لإيران، ولا سيما بعد انكشاف متاجرتها بالقضية الفلسطينية على مدى عقود.