الأربعاء 2016/03/02

إيران إذ تفقد شعبيتها وشرعيتها في العالم العربي

على الرغم من نجاح المنظومة السياسية الإيرانية في كسر طوق الحصار الدولي الذي كان مفروضاً عليها بسبب مشروعها النووي ونشاطاتها الإرهابية والتوسعية في دول المنطقة والجوار، إلا أن كسر الحصار الدولي ورفع العقوبات الدولية الذي تساوق مع تخليها عن برنامجها النووي ومشروعها الذي عقدت عليه الآمال وصرفت عليه ملايين الدولارات، لم يرجع عليها بأي فائدة على مستوى دول الجوار سياسياً ولا شعبياً.

السياسة التي تتبناها إيران في التعامل مع أزمات المنطقة فرضت تداعيات عدة كان أهمها تراجع شعبيتها لدى الرأي العام العربي، حيث لم يستطع الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ينتمي إلى التيار المعتدل، الالتزام بوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية عام 2013، والتي تضمنت تحسين العلاقات مع دول الجوار، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. إذ يبدو أن إيران منحت الأولوية فقط للوصول إلى الاتفاق النووي مع مجموعة «5+1» في 14 تموز/يوليو 2015، فيما استمرت تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الجوار، ودعمها لحلفائها الإقليميين في المنطقة حتى بعد إبرام تلك الصفقة.

فقد كشفت نتائج بعض استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الفترة الماضية وركزت على تحديد اتجاهات الشارع العربي إزاء العلاقات مع إيران، أن الدور الإيراني في المنطقة بات يشكل هاجسًا حتى لدى المواطن العربي، الذي بات يعتبر أن إيران تمثل مصدرًا للخطر في المنطقة. وأوضح المؤشر العربي لعام 2015، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي أجري في 12 دولة عربية على عينة بلغت 20 ألف شخص، أن النظرة السلبية والعدائية لإيران في الدول العربية تتصاعد بشكل ملحوظ، حيث أشارت نتائج المؤشر إلى أن 62% من المستطلعة آراؤهم في الـ 12 دولة التي شملها المؤشر يعتبرون السياسات الإيرانية سلبية، مقابل 28% قالوا إنها إيجابية.

وعند مقارنة هذه النتائج مع نتائج عام 2014، يتضح أن هناك ارتفاعاً بنسبة 10%، حيث سجلت نسبة من ينظرون إلى إيران بشكل سلبي 52%، في حين ظلت نسبة من قيموا السياسات الإيرانية بشكل إيجابي عند نسبة 28% المسجلة في عام 2015.

واللافت في هذا السياق، هو أن نسب التقييم السلبي العالية لإيران سجلت في كل من المملكة العربية السعودية والأردن والجزائر والكويت ولبنان، بما يتراوح بين 89% و60% في حين تراوحت نسب التقييم السلبي لإيران في كل من موريتانيا وتونس والمغرب والأراضي الفلسطينية والسودان، بما يتراوح بين 52% و57%، في الوقت الذي انقسم فيه الرأي العام العراقي بين التقييم السلبي والإيجابي لإيران. كما اعتبر 12% من المستطلعة آراؤهم أن إيران تشكل مصدرًا للتهديد، لتحل بذلك إيران في المرتبة الثالثة كمصدر تهديد للدول العربية بعد كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حسب نتائج المؤشر.

وفي استطلاع آخر أجراه مركز الجزيرة للدراسات، تحت عنوان «إيران في ميزان النخبة العربية»، ونشرت نتائجه على موقع المركز في 18 كانون الثاني/يناير 2016، وشمل 21 دولة عربية، أظهرت النتائج أن النخبة في الدول العربية تقيم الدور الإيراني في المنطقة العربية بشكل سلبي، وتنظر بتشاؤم إلى مستقبل العلاقات العربية- الإيرانية. وكشفت نتائج الاستطلاع أن الغالبية الساحقة من عينة الاستطلاع قد اعتبرت أن نموذج السلطة والحكم في إيران لا يمكن الاحتذاء به وذلك بنسبة 92%، مقابل نسبة 6% اعتبرته كذلك، وأن السياسة التي انتهجتها إيران تجاه دول الثورات العربية قد فرضت تأثيرًا سلبيًا على صورتها لدى النخبة العربية، حيث اعتبر 82% من المستجيبين أن صورة إيران قد أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات العربية، مقابل 6% يعتقدون أن صورتها أصبحت أفضل، و10% أبقوا صورتها كما كانت عليه.

ثمة عوامل عديدة ساهمت ولا تزال في انخفاض شعبية إيران وتزايد اتجاه التقييم السلبي لها ولسياستها في المنطقة. يتمثل أولها، في عزوف إيران عن توجيه رسائل تكشف عن سعيها لتحسين العلاقات مع الدول العربية خلال مرحلة ما بعد الوصول إلى الاتفاق النووي.

ويتعلق ثانيها، بتصاعد حدة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فعلى الرغم من أن النتائج التي أشارت إليها الاستطلاعات السابقة قد أجريت قبل اندلاع الأزمة الأخيرة بين السعودية وإيران، على خلفية ردود الفعل المنفلتة التي أبدتها إيران تجاه تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام بحق نمر باقر النمر، وبخاصة الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، إلا أن النتائج في مجملها أوضحت أن التدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة كان سببا في التقييم السلبي لسياستها.

ففي هذا السياق، أشارت نتائج استطلاع «إيران في ميزان النخبة العربية» إلى أن الغالبية العظمى للمستطلعة آراؤهم يرفضون التدخل الإيراني في سوريا واليمن والعراق، حيث عارض 85% تدخلها في سوريا، و89% تدخلها في اليمن، و86% تدخلها في العراق. بينما عبر 67% من المستجيبين عن تقييمهم السلبي لدور إيران في تهديد المصالح العربية مقابل 30% أشاروا إلى أن دورها يتضمن جوانب سلبية وإيجابية، فيما عبر 2% فقط عن وجود دور ايجابي لإيران في المنطقة، وهو ما يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن السياسات التي تتبناها إيران، والتي تسببت في تصاعد حدة الصراعات الإقليمية في المنطقة، ساهمت في تراجع شعبيتها لدى الرأي العام العربي بشكل كبير.

لا يمكن في هذا السياق إغفال انتهاج إيران سياسة طائفية في تعاملها مع التطورات التي تشهدها المنطقة وذلك بهدف استقطاب مزيد من المؤيدين لها، رغم أنها تحرص في النهاية على حماية مصالحها فقط ولا تتوانى عن تغيير سياستها والتخلي عن دعم حلفائها في سبيل خدمة مصالحها.