الجمعة 2016/09/16

أوكرانيا مقابل سوريا وغيوم التشاؤم تكبد التسوية السياسة

بعد أن غاب طويلاً مصطلح المقايضة عن الساحة السياسية في العلاقات الدولية تعود الملفات السياسية الساخنة بين موسكو وواشنطن لطرحه من جديد ولاسيما بعد التعثر في الملف السوري حيث توحي مجريات الحوارات الأمريكية الروسية الأخيرة أن الحل السوري لم ينضج بعد على أقل تقدير؛ فبوادر الأمل التي قد تلوح في الأفق لا يمكن للسوريين التعويل عليها في ظل غيوم التشاؤم التي سادت كل المحادثات المتعلقة بالملف السوري.

تشاؤم من شأنه أن يعيد طرح مصطلح المصالح الذي بات يشكل عصب العلاقات الدولية؛ فمن يقلب أحداث المجريات الدائرة في سوريا على الصعيد السياسي يجد أن الهدف الكامن من وراء أي عقبات هو هدف واحد فاللقاء الذي استمر ساعة ونصف بين الرئيسيين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين على هامش مجموعة قمة العشرين التي انعقدت في الصين انتهى من دون أي نتيجة ملموسة على الرغم من التمهيد الإيجابي له من الطرفين اللذين صاغا نص الاتفاق الذي كان سيلغى في ختام اللقاء وهو هدنة تبدأ في حلب وتعمم لاحقاً على مستوى سوريا لتشكل مدخلاً إلى وقف إطلاق نار شامل في مختلف الأراضي السورية.

واقعٌ سياسي متقلب بدأت تشهده الساحة السورية فالروس وبعد معركة فك الحصار عن حلب ودخول تركيا في الشمال السوري بدأوا يحاولون إيجاد أي مخرج ينقذ النظام أو يحفظ ماء وجههم في سوريا ولو تمعنا في نص الاتفاق الأمريكي الروسي الذي سُرب قبل يوم من انعقاد الاجتماع على هامش قمة العشرين نجد أن المطلب الأهم هو عدم تقدم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى المناطق التي ستنسحب منها قوات النظام حسب نص الاتفاق وهذا ما رفضته الفصائل الثورية بالإضافة إلى وجود عقبتين في طريق الاتفاق بحاجة إلى تذليل تتعلق الأولى بالضمانة الرئيسية للرد على انتهاكات النظام الرسمي للهدنة بينما تتركز الثانية على مسألة ضبط جبهة فتح الشام.

من جديد وبعد ساعات من الشد والجذب على الصعيد الدبلوماسي والتسخين الميداني الذي انتهى لصالح الروس في حلب متمثلاً باستعادة النظام وحلفائه الإيرانيين فرض الحصار على حلب وهو ما عكس جانباً من أساليب المناورة الروسية داخل الملعب السوري التي تنطلق من حسابات خاصة قائمة على منطق المصلحة الروسية أولاً وهو ما انعكس في حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد ختام اجتماعه مع أوباما لتبدأ هنا ثغرة المصالح ولاسيما أن الرجل كان صريحاً حين أفصح أن جانباً من الاجتماع تناول العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب النزاع في أوكرانيا.

إذاً هي بوابة جديدة رأى فيها خبراء تابعوا الاجتماع ليؤكدوا أن بوتين ربط بين الملف السوري والملف الأوكراني ليتضح أن رمي ورقة العقوبات على الطاولة كان من قبيل تقديمها مفتاحاًللحل في سوريا وهو ما رأى فيه خبراء أنه لا يعني أن رفع العقوبات سيدفع الروس إلى التنازل في سوريا وإنما سيمهد للتعاون من أجل البدء في مفاوضات الحل في سوريا وهذه مسألة أخرى سيكون البحث فيها على أسس مختلفة.

تساؤلات عديدة يطرحها المشهد الآن ولاسيما الحديث عن الاتفاق الذي توصل إليه كل من كيري ولافروف فبرغم من أن الاتفاق لايزال مبهماً وغير واضح لجميع الأطراف خاصة ما يدعو إليه من تغييب شبه تام لدور الفصائل الثورية وتجاهله للميلشيات الطائفية والأجنبية التي تقاتل إلى جانب النظام ومع توالي الردود الدولية المرحبة بالاتفاق إلا أن موازين القوى على الأرض تبقى هي الحكم فبوتين طرح مقايضة الهدنة برفع العقوبات عن بلاده وهو ما ستفصح عنه الفترة المقبلة التي ستكون أكثر وضوحاً وألا ستبقى المساومة في الكواليس وكل هذا سيكون مرهوناً بمدى نجاح الاتفاق الثنائي الذي ولد مؤخراً.

عروض كثيرة ومطالب تقبع وراء كواليس السياسة تجعل أي مباحثات تخرج إلى العلن هي مباحثات عقيمة مصيرها الإفراغ من محتواها أو وضع عراقيل تعيق تنفيذها والمتحكم الأكبر في ذلك هم الروس الذين يتصرفون من موقع بأن أوراقهم في سوريا أقوى من الأوراق الامريكية بل من الأطراف كافة بما في ذلك النظام وإيران وأن بمقدورهم أن يفرضوا وقفاً لإطلاق النار على الأطراف كافة كما بمقدورهم تصعيد الأوضاع أكثر وهذا ما كشف أن الثمن الذي يطلبونه من أجل المساعدة على حل بناء في سوريا كبير جداً وقد تجاوز كل العروض التي قدمتها الأطراف الإقليمية لموسكو في حين أن الروس لا يخفون أن هدفهم الأسمى أن يرفع الغرب يده عن أوكرانيا ويغلق هذا الملف فهم ليسوا في عجلة من أمرهم فالورقة السورية في يدهم يزداد ثمنها كل يوم هذا من جهة ومن جهة أخرى فهم يأخذون بعين الاعتبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي باتت على الأبواب لذا هم يفضلون التريث كي يتفاوضوا مع الإدارة الأمريكية المقبلة التي لن تكون كإدارة أوباما ولحين ذلك الوقت يصبح الثمن باهظاً لينتزعوا ما يريدون وبأقل خسائر فهل الاتفاق الجديد سيغير من بوصلة السياسة الروسية أم أنهم سيمضون في تعنتهم إلى حين قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض.