الأثنين 2016/12/05

أوروبا بين مخاوف الانقسام وصعود اليمين….. حقيقة أم سجال

كثيراً ما تم الحديث في الأوساط الأوروبية عن تصدع السياسات الليبرالية المتبعة والتي انعكست سلباً على الاتحاد الأوروبي ولا يخفى على أحد موجة اللاجئين التي ضغطت باتجاه تعزيز دور اليمين في الأحزاب السياسية الحاكمة؛ كل هذا شكل رغبة عارمة لدى الأوربيين بضرورة إعادة هيكلة السياسة المتبعة لا سيما بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغيرها من الأسباب التي تشكل دافعًا وأرضية خصبة لسياسات اليمين الصاعد.

اليوم وما إن ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية حتى عاودت نظريات أحجار الدومينو تتصدر المشهد؛ فبعد بريكست والتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبعدها فوز دونالد ترامب فإن وصول ماري لوبان إلى السلطة في فرنسا بات قاب قوسين أو أدنى ولا شك أن حزب البديل من أجل ألمانيا يستعد لتحقيق انتصاراته أيضاً ولكن قراءة نتائج بريكست والانتخابات الأمريكية تخبرنا أشياء أخرى ليس من ضمنها وجود موجة يمينية تغمر العالم الغربي ممثلاً في الولايات المتحدة وأوروبا القديمة.

الجديد اليوم هو أن أوروبا ومع هذا التكتل الحاصل تواجه العديد من الأزمات وفي مقدمتها أزمة اللاجئين والخطر من ظهور تنظيمات متطرفة لذا فإن الأرضية الشعبية بدأت تتجه إلى الأحزاب اليمينية الرافضة للاجئين والمنادية بضرورة وضع حد لسياسات القادة الأوروبيين حيال هذه القضية وهذا بالطبع يتفق مع رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي أظهر عداءه بشكل واضح للاجئين ونادى بضرورة إعادتهم إلى بلدانهم وربما هذا ما يتقاطع مع الرؤى الحقيقية للأحزاب اليمينية الصاعدة في أوروبا وأولها حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يظهر العداء للاجئين.

إلا أنه ولو نظرنا من منظار آخر نجد أن هناك ملمحا مهما لظاهرة دونالد ترامب وهي أنها ظاهرة شعبوية وليست يمينية بالمعنى الأيديولوجي فقد جاء ترامب بلافتات عنصرية وأطلق تصريحات مسيئة للمكسيكيين والسود والنساء والمسلمين لكنه لم يكن يمينياً صلباً وتراجعه عن بعض خطاباته العنصرية دليل على هذا وهذه خطوة لا يقدم عليها اليمين المتطرف عادة بل إن هذه الحالة ترجع إلى طبيعة هذا الرجل الذي خرج منادياً بسياسة براغماتية بعيدة عن أي مسار سياسي فقد اتُّهم ترامب بأنه أعطى دفعة لليمين المتطرف الأمريكي المعروف باليمين البديل وهذا صحيح فقد دعم اليمينيون المتطرفون في أمريكا ترامب وفي مقدمتهم شخصيات محسوبة على اليمين البديل إضافة إلى حركة كوكلوكس كلان العنصرية المتطرفة.

أما في فرنسا فلا تبدو حظوظ الجبهة الوطنية في فرنسا في أفضل أحوالها، وهذه أسباب تحبط طموحات الجبهة الوطنية بالسلطة؛ أهمها التكتلات التي تسببت بإفشال طموح جان ماري لوبان في عام ألفين واثنين والتي ستتسبب ثانية في إحباط طموحات ابنته ماري اليوم.

في بريطانيا لا يبدو اعتبار بريكست انتصاراً يمينياً إلا من زاوية وأن اليمينيين كانوا دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي وإلا فإن هناك أسبابًا أمنية واقتصادية تدفع الناخب إلى التصويت وإن لم يكن يمينياً والنتائج تعيد الملمح الأمريكي نفسه وهذا ما يدفع باتجاه اعتبار أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية قد يعزز فكرة صعود الأحزاب اليمينية في أوروبا ولو نظرنا إلى التقارب بين أفكار حزب البديل من أجل ألمانيا وأفكار دونالد ترامب لوجدنا أنها تصب في خانة واحدة تجعلنا نتوقع الجديد والمفاجئ في السياسة العالمية و لا سيما في عام ألفين وسبعة عشر.