الثلاثاء 2016/10/04

أهل أنيس (ـة ) وأهل بدر

لن أنسى ما حييت برنامج (افتح يا سمسم)؛ بكل شخوصه وأغانيه التعليمية؛ التي تربى عليها جيلنا ، وما زال يرن في أذني صوت (الأبلة) ليلى بكل ما فيه من حنان وأمومة، حيث كانت مثالاً للمعلمة الأنموذج، التي افتقدناها في ثمانينيات القرن الماضي، فقد كانت المعلمات لا تقل شراسة عن جلادي البعث في فروع الأمن ، ولا أنسى ما حييت أنواع العقاب ،التي نزلت على وجهي ورأسي ويديَّ، في وقت كنت أحوج ما أكون فيه للرعاية حتى أنمو، وليس للجلد حتى أتقـزَّم .. ومن المفارقات التي لا تغادر ذاكرتي هي أن الجلد والعقاب كان يطال الجميع حتى المجتهدين من الطلاب على هفوات بسيطة؛ كثير منها كان يجب أن يصوَّر، ويرسل إلى برنامج الفيديو المنـزلي؛ لأنها تحمل طرافة من أطفال في عمر البنفسج.

ولكن صورة أي نظام سياسي تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة ، وفي الفترة التي كنت فيها أدرس المرحلة الابتدائية كان حافظ الأسد قد فتك بحماة و إدلب وحلب ، وأنهى حزب الإخوان المسلمين في البلاد، وفي الوقت نفسه انقض دون رحمة على اليساريين، وجعلهم فلولا بين مشرد ومعتقل ومفقود، وانفرد هو بالسلطة .

في هذه الفترة كانت المعلمات يمارسن على الطلاب أسلوب عناصر المخابرات؛ فالعقوبة تحيق بالجميع حتى ولو كانوا شطارا، وهذه طريقة حافظ الأسد في الحكم ؛فالأهم هو الولاء له ، ويسقط كل شيء دونه ، لذلك كنت ألجأ في المساء إلى (الأبلة ليلى) وألقي نفسي على وسادة صوتها الأمومي العذب ، وهي تعلم الأطفال، ولطالما أخذتني أحلام اليقظة، ودخلت مع الأطفال في افتح يا سمسم ..إيه إيه إيه .. الحديث يجر الحديث.

في هذا المسلسل الجميل كان أيضا أنيس الفتى المتشيطن، الذي يستغل سذاجة بدر صديقه ، ويوقعه في مآزق كثيرة ،ويسلب منه الحلوى والجوائز وهو راض ، ولا يشعر أنه وقع في شرك خديعة أنيس إلا بعد أن يكون قد خسر كل شيء، ولا مجال للتراجع ،وفي الحلقة التالية يقع بدر في الشرك نفسه ..

وفي الفترة نفسها كانت (أنيسة مخلوف) وكان أهلها، ولكننا لم نكن نستشعر وجودهم ،ولكنهم كانوا يتمثلون طريقة أنيس في في افتح يا سمسم ، حيث كانوا يتمترسون خلف كل شيء حتى تسنح لهم سانحة مناسبة للانقاض على البلاد، وليس سرا أن آل أنيسة مخلوف كانوا منذ تشكيل الحزب القومي الاجتماعي السوري ( وهو أحد الأحزاب النازية العربية المتطرفة ) أقول كانوا من أوائل الممجدين له المروجين له في الساحل السوري ، ولم تنقطع صلتهم به ألبتة حتى مع صعود البعثيين إلى السلطة ، وحتى بعد أن لف حافظ الأسد أنشوطة البعث حول عنق سوريا ظل ( أهل أنيسة مخلوف ) يدعمون هذا الحزب، وكانت حتى هذه اللحظات شركات رامي مخلوف هي الداعم لكل نشاطات هذه الحزب الذي كان يدا تشبيحية ضاربة أثناء الثورة السورية.

لقد كانت أنيس (ـة) فاعلا في الوضع السوري منذ انقلاب حافظ الأسد ، ويروي باترك سيل مؤرخ حافظ الأسد لقطة مهمة في كتابه عن حافظ الأسد: أنه أثناء الصراع بين حافظ الأسد و صلاح جديد، وحينما بلغت الروح الحلقوم .

رأت أنيس ( ـة) في المنام أن حافظ الأسد سينتصر على أعدائه، وقد أبلغته بهذا المنام، وشجعته على الخطوة الأخيرة، وهي إلقاء القبض على صلاح جديد وأعضاء القيادة القطرية، وبعدها بدأ أهل أنيس(ـة) يتناسلون في السلطة؛ فبدأ يسطع نجم أخوها محمد مخلوف، الذي خلف لنا رامي مخلوف وحافظ مخلوف هذا الأخير الذي يقود أخطر أجهزة أمن الدولة التي روعت الناس قبل الثورة وبعدها .

وكان عندنا وما يزال وسيظل ( أهل بدر ).. تلك الموقعة التي كان فيها الرسول صلى الله عيه وسلم وصحبه ضعافا يحيط بهم المنافقون والمخذِّلون والأعداء من كل جانب، ولكن هذه الكوكبة التي عدَّتُها 313 رجلاً ثبتت في معركة غير متكافئة ؛ معركة غيرت معادلة السلطة في الجزيرة العربية؛ مؤذنة بميلاد واقع سياسي وفكري جديد... هؤلاء البادؤون هم البدريون .. وكل من يبدأ عملا جليلا ،غير معتمد على أحد هو بدري أيضا لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم ،وقال ): إن الملائكة الذين شهدوا بدرا لفضلاء على من تخلف منهم( .

وشهدنا أيضا البدريين الذين بدأوا الثورة السورية، وأول من صرخ في وجه طاغية الشام، وكأننا لا نراهم الآن . وفي هذا المقام يلح على ذهني سؤالان: أين البدريون الذين ابتدأوا الثورة وشقوا عصا الطاعة؛ أنس الشغري فتى بانياس الجميل؟؟..أين منتهى الأطرش التي دخلت لتعزي أهل دوما منذ أيام الثورة الأولى؟؟؟ أين أحمد الخطيب الذي نقل صورة المجازر في بداية الثورة ؟؟؟ أين نشطاء درعا الذين أبدعوا في إدارة الحراك السلمي؟؟؟ وأين وأين ؟؟.. والسؤال الثاني من هؤلاء الذين يتصدرون المشهد السياسي للمعارضة؟؟ من هؤلاء الذين لم يشهدوا بدرا أو الخندق ،وجاؤوا فقط ليشهدوا رهان داحس والغبراء.