الثلاثاء 2017/09/12

أطفال المناديل

على رصيف القهر في دولة لم تتقن لغتها بعد، يتكوَّر جسد "آية" ذات السنوات السبع، حافية القدمين، لكنها لم تكن "سندريلا" في تلك القصة التي انتهت بزواجها من أمير، رثّة الثياب، شعرها كشعر الدمية "باربي"، بلون الذهب، نظرتها ثاقبة، وتدخل قلب من يراها دون استئذان، يميزها كيس أسود تحمل فيه الكثير من "المناديل"، تبيعها للرائح والغادي.

تستيقظ في صباحات ألفتها ببردها وحرّها، لتذهب إلى محل بيع الجملة وتشتري "دزينة مناديل" من ذلك العجوز الذي لم يعد يراعي شبيهات وأشباه "آية" بالسعر، وذلك لكثرتهم، في مدينة تعداد سكانها يقارب تعداد سكان سوريا، التي فقدت فيها والدها، حيث قتله نظام الأسد في بداية مظاهرات الثورة السورية عام ألفين وأحد عشر، وهُجّرت منها قسراً بعد قصف مدينتها من طائرات كان الجميع يظن أنها مُعَدة للحرب مع الأعداء، وليست لتدمير كل شبر صاح فيه ثائر مطالباً بالحرية.

حفظت أحجار الرصيف آثار أقدامها، وكأنما نشأت بينها وبين آية علاقة حميمية، لأنها عاشت مأساتها أكثر من سنة،  وهي التي لا تهدأ عن ملاحقة المارة كي يشتروا منها، دون أن تحدد سعراً لعلبة المناديل الصغيرة، فتصدم برفض هذا، وشراء تلك، وازدراء أولئك لها عند إلحاحها عليهم لشراء قطعة من بضاعتها.

تلقت "آية" دروسا منذ طفولتها، مفادها أن الكرامة في العمل، فوق كل شيء، فلا تقبل من أي زبون أن يتصدق عليها، بل تصرّ على من يعطيها نقوداً أن يأخذ علبة، وإلا فإنها سوف تلقيها في الأرض وتمضي باحثة عن زبون جديد، وهكذا إلى أن ينقضي النهار، وتبدأ بحساب غلّتها، التي قد تنقص أو تزيد بحسَب المزاج العام للزبائن، لكنها لا تكترث كثيراً وتمضي عائدة، وحجارة الرصيف تقبل قدميها على أمل أن تلتقيها صباحاً.

تصل البيت لتعطي الغلة لأمها التي ابيضت عيناها بعد فقد زوجها، تقبلها، تتحدث معها عن يومها، عن تفاصيل ملامح ذلك الزبون الذي أعطاها "خمس ليرات" وابتسم في وجهها.. حتى تنام.

يراودها حلم .. أن تشتري حذاء كي تعود به إلى الوطن.، لكن فواتير الكهرباء والماء وآجار المنزل وثمن الطعلم يعيق تحقيق حلم أطفال المحارم كلهم وليس "آية" لوحدها.