الأثنين 2019/02/18

أسطورة العقيدة الدفاعية لإيران

تقول الأسطورة إنه إذا ما نظرنا إلى تاريخ إيران الحديث، فإننا لن نجد أي عمل عسكري عدائي من قبلها تجاه أي من جيرانها في الإقليم. ووفقا لما يذهب إليه أصحاب هذا الادعاء، فإن الأمر لا يقتصر على فترة ما بعد الثورة الإيرانية فقط وإنما يمتد الى أكثر من نحو 200 عام إلى الوراء. لا يرتبط الترويج لهذه الأسطورة بالمسؤولين الإيرانيين فقط، وإنما يمتد ليطال عددا كبيرا من الباحثين المحسوبين على النظام الايراني في عدد لا بأس به من المنصات الفكرية والبحثية لا سيما في الغرب.

وعلى الرغم من أن هذا الادعاء ينطوي على مغالطات فادحة، فإنه يكتسب نوعا من المصداقية بسبب ترويج شريحة غير قليلة من غير الإيرانيين له على أنه وقائع أو حقائق. لا يتم الاكتفاء بهذا الأمر، بل يجري البناء على ما تقدم للوصول الى استنتاج مفاده أن كل ما تفعله إيران اليوم في الإقليم إنما هو نابع من موقف دفاعي ويستند الى عقيدة عسكرية دفاعية في الأساس وإن تمظهر حتى بشكل هجومي في كثير من الأحيان!

ووفقا لهذا المنطق الذي يتم التعامل معه كحقيقة، فإن إيران تحاول حماية نفسها على اعتبار أنها محاصرة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وتخشى من أن يقوم الآخرون بإطاحة نظامها السياسي. وعن تبرير التناقض الكامن بين هذا الكلام وبين حقيقة أن طهران حاضرة بشكل مباشر وغير مباشر في عدد من البلدان العربية، يقول أصحاب هذا التوجه إن تواجد طهران في معظم بلدان المنطقة هدفه منع أي هجوم عليها، وأن اعتمادها على الأذرع الإقليمية وعلى برنامج صاروخي لا يعبر عن أي نوايا هجومية أو عدوانية وإنما يأتي في سياق الاستراتيجية الدفاعية لردع الآخرين ومنعهم من التعدي عليها.

منذ حكم الشاه

لكن الادعاءات السابقة لا تستقيم مع الحقائق على الأرض، فالإيرانيون يعرفون أنفسهم تقليديا من خلال تاريخهم. وعلى الرغم من أنهم يرفعون شعار الدولة الإسلامية، فإنهم يعتبرون أن إيران الحالية هي امتداد لآلاف السنين من تاريخ الإمبراطورية الفارسية. وليس هناك من يجادل من الايرانيين بعكس هذا الكلام، وإذا ما قبلنا بهذا المنطق، فلا يمكننا الفصل حينها بين إيران من جهة وتاريخها التوسعي في المنطقة من جهة أخرى، ولسنا بحاجة إلى العودة إلى الوراء آلاف أو مئات السنين لإثبات أن الطموح التوسعي الإيراني لا يزال قائما .

في عهد الشاه، قامت إيران باحتلال جزر عربية في الخليج، وطالب الشاه بضم أراض عربية باعتبارها جزءا من الأراضي الإيرانية، وضغط على العراق ليضم بعض المناطق الحدودية لا سيما في شط العرب. لم يقف نفوذ إيران الشاهنشاهية عند حدود الخليج العربي آنذاك، بل امتد حتى بيروت مرورا بالعراق. وقد يتفاجأ بعضهم بمعرفة أنه وكما إيران اليوم، فقد كان الشاه يستخدم هو الآخر الورقة الشيعية إضافة الى الورقة الكردية لتعزيز نفوذه الإقليمي وتقويض سلطة الآخرين، علما أن إيران حينها كانت الحليف الأول لأميركا في المنطقة وأقوى دولة في الخليج، ولا تخشى أن يطيح أي أحد نظامها ، وهذا ما ينقض الكلام الذي يقول إن العدوانية الإيرانية حاليا هي سلوك دفاعي نابع من الضعف ومن الخشية من إمكان الإطاحة بنظامها.

نهج تصدير الثورة

عندما اندلعت الثورة الإيرانية في عام 1979، لم يكن الخميني يهدف إلى إطاحة النظام الملكي في إيران فقط، بل كان يحلم بتغيير المنطقة انطلاقا من إيران. هذا الطموح جعل الثورة الإيرانية تختط مسارا منفصلا يحمل شعار «لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية»، وسرعان ما تم اعتماد نهج تصدير الثورة إلى الدول المجاورة. لقد نادت إيران الثورة بالإطاحة بالأنظمة القائمة في المنطقة وعلى رأسها العراق والخليج، كما استمرت الإشكالية التي رافقت تسمية الخليج.

لم يقتصر الاعتداء الإيراني على الآخرين بالدعوة إلى إسقاط حكمهم وضم بعض الأراضي، وإنما قامت عمليا بإنشاء وتمويل مليشيات في العديد من الدول العربية تحت مسمى «حزب الله» بذريعة دعم المستضعفين. وقد جرى تقنين موضوع تصدير الثورة ودعم المستضعفين في الدستور الايراني، ولا يزال حتى يومنا هذا. إيران اليوم حاضرة عمليا عبر قواتها المسلحة وعبر الحرس الثوري وعبر أذرعها في عدد من الدول العربية، وهي تفسر ذلك على أنه لأغراض دفاعية في الوقت الذي تتهم فيه الآخرين بمهاجمتها من دون أن يكون لأي منهم جنود أو قوات داخل إيران!

فإذا كانت طهران ترسل جنودا وأموالا وميليشيات إلى الخارج وتستخدم قدراتها الصاروخية بشكل هجومي لقصف مواقع داخل العراق وسوريا، وتصف كل ذلك بأنه دفاع عن النفس، فالأولى أن يتم القول إن الآخرين يدافعون عن أنفسهم. وإذا كانت إيران تصف سياستها الهجومية بأنها دفاعية انطلاقا من خشيتها على نظامها السياسي، فمن قال إن الآخرين لا يخشون على أنظمتهم أيضا؟ حتى إن سلمنا جدلا بأن إيران تعتمد الهجوم الاستباقي لمخاوف لديها، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال اعتبار ذلك عقيدة دفاعية، وإلا فاننا سنكون مجبرين على القول بأن هجوم الآخرين على إيران لاحقا بداعي مخاوف لديهم منها سيكون مبررا أيضا.


المصدر: القبس