الأحد 2017/03/05

أخطاء وعثرات مسرحية مفاوضات جنيف الرابعة

على كرهٍ من المعارضة السورية ورغبة من نظام الأسد لاعتلاء خشبة جديدة يستعرض من خلالها عنترياته السياسية، جاء الوفدان يوم 23 من شباط 2017 إلى جنيف السويسرية، مدينة الاتفاقيات العالمية ومعقِل المنظمات الدولية، وذات النزعة المنفتحة على العالم، وعاصمة السلام، في محاولة منهم لرسم لوحة سلام في سوريا، بعد أن أكلت سنون الحرب في البلاد اليابس قبل الأخضر.

منظِّمو المفاوضات أرادوا لها بقصد أو بمحض الصدفة أن يفتتح المبعوث الأممي إلى سوريا وقائد أوركسترا المفاوضات ستيفان دي ميستورا الاجتماع داخل قاعة تسمى "قصر الأمم" وهي عادة ما تستضيف حفلات موسيقية ومنتديات أممية، إذ وزعت طاولات وكراسي، وفدي المعارضة السورية وجوقة النظام على شكل قوس قبالة المقاعد المخصصة لدى ميستورا وفريقه.

الأمر الذي وضع دي ميستورا بورطة  في اليوم الأول من انطلاق الجولة، حينما أنهى كلمته الافتتاحية بالمجتمعين، توجهه على الفور نحو وفد المعارضة السورية لمصافحته، ليلتفت بعدها لمصافحة وفد نظام الأسد الذي انسحب من القاعة ممتعضاً على ما يبدو لعدم مبادرة دي ميستورا لهم بالسلام أولاً، ما أدخل الأخير في ورطة جعلته ينتظر في اليوم الثاني سيارة رئيس وفد الأسد بشار الجعفري ، قبل دقيقتين  من وصولها ليصافحه مصافحة يحفظ بها ماء دبلوماسيته.  
قاعة اجتماعات جنيف يعود تصميمها إلى عام 1936
صممها ورتّب أثاثها المصمم الفرنسي الشهير "رينيه برو"، كقاعة لأعضاء "عصبة الأمم" قبل أن تنحل آنذاك ويتشكل جسم جديد  محلها يعرف اليوم بالأمم المتحدة، تختلف عن غيرها من قاعات "قصر الأمم" الأخرى بجنيف، إذ قام في عامي 1935 و1936  الرسام الكتالوني الشهير "جوزيه ماريا سيرت" الذي كان صديقاً للرسام الإسباني الشهير "سلفادور دالي"، بتزيين السقف والجدار بسلسلة جداريات, تظهر "تقدم البشرية بفضل الصحة والتكنولوجيا والحرية والسلام".

حجر العثرة في مفاوضات جنيف الرابعة كان موضوعاً على طاولة دي ميستورا م المتمثل بجدول الأعمال الذي أبى وفد الأسد مناقشة بنوده وكأن جداريات القاعة الخلاقة لم تفلح في دفعه لإزالة جداريات الموت والتهجير والاعتقال والبراميل المتفجرة والأطفال المولودين من رحم أنقاض بيوتهم كرَّةً أخرى، على أيادي أبطال القبعات البيضاء، في وطن عرف الحضارة والعلم والأوابد والتراث والجداريات وحتى أقدم نوتة موسيقية في العالم لربما عُزِفت في قاعة "قصر الأمم" في إحدى الحفلات.

جدول أعمال مفاوضات جنيف الرابعة استطاعت روسيا قلبه رأساً على عقب بواسطة حبكة درامية كان نظام الأسد المهرج الوحيد فيها، عبر دعوة مساعد وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إلى إدراج بند مكافحة الإرهاب إلى بنوده، ما يعني نسف بند مناقشة عملية الانتقال السياسي التي جعلتها المعارضة السورية المفتاح الأول للحل السياسي في سوريا، والذي يسبق من الناحية المنطقية موضوع الإرهاب، والتي تسعى موسكو من خلاله لمنح نظام الأسد رمقاً جديداً ومناورات سياسية جديدة وإرهاباً إضافياً لم يعرفه الشعب السوري إلا من نظام الابن وأبيه وأركان حكمهما.

وما تهرب الجعفري من سؤال أحد الصحفيين في جنيف إلا دليل واضح على المشهد الهزلي والتمثيلي الذي لعبه النظام في جنيف الرابعة، حينما سأله خلال مؤتمر صحفي، سمعنا أن دي ميستورا حدد خارطة الطريق لجدول أعمال جنيف الرابعة بالاعتماد على قرار مجلس الأمن حول سوريا 2254 ماهو تفسيركم?  أجاب الجعفري "هذا سؤال فرنسي بحت، ولكن باللغة الانكليزية".

فمسرحية جنيف بعرضها الرابع انتهت بالفشل التام الذي رميت به قبل انعقادها من قبل سياسيين غربيين وعرب، و أيضاً على لسان عرابها دي ميستورا في مؤتمره الأخير الذي أعلن فيه انتهاء الجولة الرابعة، بقوله إنه توقع منذ انطلاق هذه الجولة عدم تحقيق اختراق في المفاوضات، مشيراً إلى صعوبة إقناع الطرفين بالتفاوض المباشر.

إذاً تستمر المسرحية بجولة خامسة ستعقد نهاية شهر آذار الحالي في مدينة جنيف، بعد التوصل لجدول أعمال يتضمن أربع قضايا رئيسية هي الحكم والدستور والانتخابات وبند مكافحة الإرهاب، في مشهد يوحي بمماطلة دولية يدفع ثمنها الشعب السوري الدم بكل زمره في سبيل حريته وكرامته وخلاصه من الطاغوت الذي يجثم على صدورهم من نحو خمسة عقود.