الجمعة 2018/04/13

أجواء ما قبل غزو العراق.. لماذا يحشد الغرب أساطيله ضد روسيا والأسد؟

في عددها الصادر صباح اليوم، وضعت مجلة التايمز البريطانية غلافاً لها صورة لحاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان"، والتي يُفترض أن تصل إلى البحر المتوسط خلال بضعة أيام، ووضعت المجلة البريطانية عنواناً لهذا الغلاف يقول : "القوة الأضخم منذ حرب العراق في طريقها إلى سوريا".

هذا الأمر ربما لا يعني شيئاً لطائفة من العوامّ والمحللين الذين يرون أن فرصة قيام الولايات المتحدة بضربة تغيّر ميزان القوى في سوريا ضرباً من الهذيان، لكن ربط إبحار "هاري ترومان" بالأجواء الدولية والإقليمية يعني بالتأكيد أن هذه الأساطيل والمقاتلات الأميركية والبريطانية والفرنسية لم تتحرك وتتأهب لمجرد تغريدات غاضبة أطلقها ترامب على تويتر.

تويتر الذي لا يعني لنا الكثير استطاع ترامب من خلاله الوصول للبيت الأبيض، وعن طريقه أقال مسؤولين كباراً في إدارته، ومنه أعلن موقفه الأوّلي في الأزمة الخليجية، وفي تويتر أيضاً أعلن النصر على تنظيم الدولة، وقرر نقل عاصمة بلاده إلى القدس.. الأمر باختصار أن تويتر لا يعني للرجل موقع تواصل وحسب، فالرئيس الأكثر إشكالية في تاريخ الولايات المتحدة لا يجيد كثيراً خطاب المنابر والمنصات وعدسات الإعلام "التي يُكِنُّ لها كرهاً عظيماً"، ونستطيع أن نقول بارتياح إن ترامب يصنع سياسات بلاده – وفق ما يرى – عن طريق وسائل التواصل الشعبوية.

على أية حال، وبالعودة إلى غلاف مجلة "التايمز" فإن صدى إبحار "هاري ترومان" وصل سريعاً إلى سواحل سوريا، وأمس الخميس أعلن رئيس لجنة الأمن في مجلس الدوما الروسي أن السفن الروسية غادرت بالفعل قاعدة طرطوس "حفاظاً على سلامتها" وفقاً لما نقلته عنه وكالة أنترفاكس الروسية.

الأجواء الآن لا تختلف كثيراً عن الأجواء التي سبقت غزو العراق عام 2003، والمؤكد أن هذه الأساطيل الحربية التي يكلّف نقلها من مكان إلى آخر ملايين الدولارات لم تتحرك عبثاً، والمؤكد أيضاً أن الغاية ليست مجرد ضربة انتقامية أو تأديبية عابرة رداً على الهجوم الكيماوي الأخير الذي نفذه نظام الأسد في دوما وأودى بحياة نحو 70 شخصاً.

هل تحركت واشنطن لإسقاط الأسد ؟

يبدو هذا السؤال ساذجاً بالنسبة للسوريين، الذين فقدوا الثقة تماماً بأي جهد محلي أو دولي يخلصهم من مجرم حرب قتل منهم أكثر من مليون شخص، وقام بتهجير أكثر من عشرة ملايين من ديارهم وأرضهم، هم فعلاً أصيبوا برُهابٍ عجيب زرعته فيهم سنوات من الخيبات والانكسارات والوعود الكاذبة، والخيانات، والهزائم والنكبات، حتى إنهم لو رأوا جثة بشار الأسد أمامهم لكذبوا أعينهم وقالوا "كأنه هو"، لكن بشار الأسد في النهاية ليس سوى طرف في حربٍ بدأها على شعبه، وأدخل فيها دولاً عظمى بدأت تبحث عن مصالحها في الرقعة السورية، وهو في نهاية الأمر ليس أقوى من هتلر الذي سيطر في الحرب العالمية الثانية على نصف العالم، ثم انتهى الأمر به منتحراً في حفرة تحت الأرض وفق بعض الرويات، أو هارباً إلى مكان مجهول حتى وفاته وفق روايات أخرى. بشار الأسد ليس سوى مجرم حرب لا بد أن ينال جزاءه، ولا بد للحرب يوماً أن تضع أوزارها.

بالعودة إلى السؤال أعلاه، رد الفعل الأميركي ليس مجرد لحظة غضب، وتهديدات ترامب "للحيوان الأسد" ليست مجرد وعيد فارغ كما يقول البعض، فبالعودة إلى الوعود التي أطلقها الرجل قبل أن يصل للمكتب البيضاوي، نجد أن ترامب طبق حرفياً ما قاله للناس، من تقييد حركة الهجرة إلى الولايات المتحدة، إلى إلغاء إرث أوباما في مجال الضمان الصحي، إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى المليارات التي وعد "باستحلابها" من دول خليجية...وتطول قائمة البنود التي تحدث عنها ترامب وطبقها حرفياً.

الحرب على الإرهاب انتهت، وشراكة الأسد فيها أصبحت من الماضي بعد القضاء على تنظيم الدولة في مدنه الرئيسية، وروسيا تبدو اليوم صاحبة الأمر والنهي في سوريا، ومعها إيران الطامعة بالوصول إلى المتوسط عبر طريق بري من طهران إلى بيروت، ولعلها عناوين مهمة إذا أخذنا بالحسبان أن صانع قرارات ترامب الآن هو "جون بولتون" المعروف بأنه "مهندس الحرب على العراق"، الحاقد على "إيران النووية"، وهو الصقر الأكثر تشدداً في إدارة ترامب الجديدة ضد روسيا، التي يرى القوة سبيلاً وحيداً للتعامل معها، حتى إنه قال بعد حادثة تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال ، إن الغرب لا بد أن يرد على موسكو بقوة.

المقصود بالنسبة لإدارة ترامب إذن أبعد من مصير بشار الأسد "المحسوم"، المقصود هو أن روسيا البوتينية بدأت تسحب البساط من تحت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتسعى إلى إلغاء مبدأ "القطب الواحد في العالم"، عبر إنشاء التحالفات وتعطيل مجلس الأمن وتطوير قدراتها العسكرية لما يعيد لها هيبة الاتحاد السوفييتي، ولهذا لم يقم ترامب بتهديد الأسد بصواريخه، بل قام بتهديد روسيا بأنها لن تستطيع التصدي لتلك الصواريخ "الذكية والجديدة والجميلة".

الثابت أن الولايات المتحدة تحضر الآن لأمرين لا ثالث لهما:

الأول: إقناع الروس عبر التهديد بالقوة بالضغط على نظام الأسد لتفاوض جدي يؤدي إلى انتقال سياسي عبر مسار جنيف، وفقاً لتصريحات أمس الخميس لوزير الدفاع الأميركي.

ويبدو أن مساراً تفاوضياً يجري الآن وراء الكواليس حول هذا الأمر، فالاتصالات بين موسكو وواشنطن جارية على قدم وساق، تضرب في ذلك الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحد: إتاحة المجال لتجميع حلف عسكري قوي لتنفيذ الهجوم على نظام الأسد، وإعطاء الروس فرصة للاقتناع بالتخلي عن بشار الأسد بلا خسائر أو مواجهات عسكرية باهظة الأثمان.

الثاني: إذا رفض الروس هذا السيناريو، فإن ترامب لن يتراجع عن تنفيذ تهديداته، وقائمة الأهداف جاهزة مسبقاً، ولن يستغرق الأمر سوى أيام لتصل "هاري ترومان" إلى السواحل السورية.

بعد أن رفعت روسيا 12 فيتو في مجلس الأمن، ويئس الأمريكان من التوصل إلى حل عبر الأمم المتحدة، يبدو أن الخيار العسكري هو صاحب الصوت الأعلى الآن.. يذكر أن واشنطن لجأت إلى مجلس الأمن قبل غزو العراق عام 2003، و"فعلت ما عليها" كما يقال، واليوم يعيد التاريخ نفسه، وروسيا لن تغني عن بشار شيئاً كما لم تغن عن صدام حسين أو القذافي، هي بالأصل اتخذته مطية لتحقيق نفوذها في سوريا، ولن تتمسك به قيد أنملة إذا ضمن لها الأمريكان بعض المكاسب مقابل الإطاحة به.