الأثنين 2017/08/14

أبو جهل يعتذر من الحجاج القطريين !

يُعرف عن الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة أنه الفريضة الوحيدة الموجودة قبل الإسلام، ولو أن ديننا الحنيف بدل المناسك الجاهلية فيها إلا أن ثمة العديد من العادات التي ترافق الحج لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، منها المهام التي تقع على عاتق سكان الديار المقدسة في تيسير أمور الضيوف وتوفير الخدمة اللازمة لهم من طعام وشراب ومسكن إلى ذلك..

يقال إنه في عهد الجاهلية كانت قريش وهي حينذاك تتزعم قبائل مكة، تجعل من عملية توفير الماء للحجاج وظيفة هامة، بل جعلتها أهم الوظائف في مكة ووكلتها إلى أعظم البيوت القرشية،  وتولى قصي بن كلاب المهمة بنفسه، كما عملت بطون قريش على الإكثار من حفر الآبار في مكة، لتواجه الزيادة في عدد الحجيج الوافدين إلى الكعبة، فالسقاية في ذلك الحين من الوظائف الفخرية إلى جانب عمارة البيت الحرام والقيام على تنظيفه وإعداده للزائرين، واستمرت تلك العادات حتى بعد انتشار الإسلام ونزلت آية في القرآن الكريم ترفع شأن من يقوم بهذه الأعمال، في سورة التوبة قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.

يبدو لنا فيما سبق أن خدمة الحجيج لم تكن فقط ذات دوافع دينية وإنما هي إحدى الصفات التي يحملها العرب منذ الجاهلية مثل بقية الصفات الفطرية، "إكرام الضيف والذود عن الأعراض وغيرها"، فأبو جهل وبقية المشركين كما تقول السير كانوا يعتبرون مكة منطقة حراماً، لا يجوز فيها قتل الإنسان سواء بثأر أو بقصاص، كما يحرمُ أيضاً قتل الحيوان ولو بغرض الصيد، فضلاً عن أن موسم الحج يعد فرصة لفتح صفحة جديدة وعقد الصلح بين قبائل جزيرة العرب المتنازعة مهما بلغت حدة الخلاف.

بالنظر إلى ما وصلت إليه فريضة الحج في وقتنا الحالي من تسييس واستغلال وسوء تعامل يتعرض له الحجاج يبدو أن علينا أن نتحسر على أيام أبي جهل ورفاقه المشركين قياساً بمن يحمل راية خدمة الحرمين اليوم، ولا سيما الوجوه الجديدة في حكام السعودية، فعلى الصعيد السياسي لم يعد خافيا ممارسات السلطات ضد فئات معينة من الحجاج، واستغلال الفريضة لتحقيق مآرب سياسية وليّ أذرع الخصوم الإقليميين.

عندما تمنع السعودية القطريين من أداء فريضة الحج إلا وفق شروط اعتبرتها منظمات حقوقية دولية أقرب إلى المستحيل، في وقت يتوافد فيه الحجاج من جميع الأعراق والأجناس بما في ذلك الإيرانيون، نجد أمامنا احتمالين اثنين لنفسر إجراءات السعودية، وهي إما أن الرأس الحاكم (وهنا أخص محمد بن سلمان) يحاول معاقبة الشعب القطري لوقوفه بصف واحد، ضد المكيدة التي تعرضت لها بلادهم من قبل دول 3+1 التي من بينها السعودية، أو أن يكون ابن سلمان لا يعي ما معنى خدمة الحرم، ويظن أن الكعبة المشرفة هي ملك آل سعود ولا يسمح بالدخول لها إلا لمن يشاء.

يزداد الوضع سوءاً لو خرجنا من الحالة القطرية فيما يخص الحج، وتحدثنا بشكل أوسع عن قضايا أخرى، ففي حين يشهد العالم العربي حالة من الغليان بسبب الاضطرابات في معظم البلدان، وتعاني شريحة واسعة من المواطنين العرب من تهجير وشتات بسبب عداوتها لأنظمة بلادها ولا سيما في العقد الأخير، كالحالة السورية والمصرية والليبية وغيرها، لا تجد السلطات السعودية رادعاً دينياً أو أخلاقياً أو حتى إنسانياً في أن تعتقل مواطناً عربياً قَدِم إليها من أجل أداء الحج أو العمرة، وتسلّمه لمخابرات بلاده، رغم يقينها أنه سيتعرض في لمخاطر كبيرة تصل حد الإعدام، أو التغييب بالسجون إلى ما غير المعلوم، وحصل هذا قبل أيام عندما أكد مواطن ليبي فقد الاتصال بشقيقه عقب ذهابه للعمرة، ليتبين لاحقاً أن السعودية اعتقلته من مطار جدة وسلمته لحكومة حفتر المقرّبة من السعودية، هذا فضلاً عن عشرات القصص لأشخاص سوريين سلمتهم السعودية أيضاً في ظروف مشابهة لمخابرات الأسد قبل توتر العلاقات بين الجانبين باندلاع الثورة السورية، ومن غير المستبعد أن تسلم آلاف المطلوبين السوريين لديها إلى الأسد مجددا حال أي تسوية تعيد تلك العلاقات.

حالة الانسلاخ عن الهوية الدينية والعربية التي تتفاقم بشكل خطير لدى قيادات السعودية المتواترة وخاصة في العقدين الأخيرين، تدفع الشعوب العربية والإسلامية ثمنها بأشكال جديدة، فالتداعيات السلبية لحماقة "الحكام" وسياسة "الشلح" والارتهان للشرق والغرب من أجل الحفاظ على السلطة ونيل لقب الاعتدال، لم تنزع عن هؤلاء الزعماء صفة الولاء لأوطانهم فقط، وإنما عرّتهم من القيم والمبادئ التي تنشأ لدى العربي بالفطرة، وما يجري اليوم من حرمان القطريين وغيرهم من دخول مكة، وفرض عداء مجاني، يضرب آخر خيوط الأخوة العربية والإسلامية، كلها أفعال يستحي منها مشركو قريش، وأكاد أجزم أن أبا جهل لو عاد إلى زماننا لصَعِق من ممارسات الأحفاد، وقدم اعتذاراً رسمياً لحجاج بيت الله عن حماقة خُدّام الحرمين.