السبت 2016/10/15

أبواق الردح الدموي

بعد القحط والجدب في الحريات والتعتيم الإعلامي الذي فرضه نظام الأسد على السوريين ما قبل الثورة، أصبح كل سوري يشارك في المظاهرات السلمية آنذاك يحاول أن يتقمّص دور الإعلامي والناشط الميداني لنقل الواقع، من خلال رفع مقاطع الجوال إلى اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، وكان يحصل ذلك بظروف معقدة جدا وصعبة، نظراً لعدم توفر الانترنت بشكل سريع، والأهم من ذلك سياسة النظام القمعية والتي كانت تفتك وتلاحق بكل من تشك بأن له دور في نقل الجرائم إلى العالم، وكانت الصورة حينها تُنقلُ طاهرةً ونقية، لكنْ ومع التطورات المتسارعة في سوريا وتحرير رقع جغرافية واسعة من البلاد كان لا بد من ظهور وسائل إعلامية أوسع وأشمل؛ سواء على شاشات التلفاز أو على الأنترنت، حيث أُنشئت العديد من القنوات والشبكات والوكالات؛ منها من بقي واستمر في البث والنشر، ومنها من توقف بسبب قلة الدعم المالي أو انقطاعه، إلا أن سياسات الداعمين قد عكّرتْ نقاء وصفاء ذلك الإعلام الذي انجرّ إلى سياسات خاطئة كان لها دور سلبيّ جدا على الثورة السورية، التي امتلأت خاصرتها بسكاكين أعدائها الذين لا يمكن حصرُهم، وبعض تلك السكاكين كانت من المحسوبين عليها.

إذاً وسائل الإعلام كانت ضخمة جدا، وبأهداف متباينة؛ عنوانها العريض دعم الثورة السورية، إلا أنه وبعد مرور نحو 5 سنوات انكشفت توجهاتُ الكثير من تلك الوسائل؛ فعلى سبيل المثال إذا أخذنا نموذجًا اكتسب تعاطفًا من السوريين ومتابعة متواصلة لما ينقله، ألا وهو ما يعرف "بالمرصد السوري"، فإننا سنلمس مفارقة كبيرة بين ما كان ينقله مديره (أحمد عبد الرحمن) الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، وبين ما يقوم بنشره الآن ، فالمرصد في الأيام الأولى للثورة انتهج خطة شيطانية حمل فيها على عاتقه إظهار العداء للنظام والدعم الكامل للثورة السورية، ولا أحد ينكر بأنه نجح في اجتذاب جمهور كبير له في ذلك الوقت، غير أن توجهات المرصد الخطيرة كُشفت اليوم لدى السوريين، بعد أن أصبح يتحاشى مطلقاً ذكر كلمة "ثوار" عبر استبدالها غالباً "بفصائل إسلامية متشددة" لحشد الغرب وتجييشيه ضد الثوار وشرعنة الضربات الجوية، ناهيك عن ترويجه المستمر للمليشيات الكردية الانفصالية وما يعرف بمشروع روجافا، والمليشيا الكردية كما هو مُعلنٌ "حليفة" لنظام الأسد و شاركته في عدة معارك ولا سيما في إطباق الحصار على مدينة حلب، إضافة إلى أنه وفي العديد من المجازر التي كان يرتكبها التحالف الدولي أو الاحتلال الروسي أو نظام الأسد في القصف على القرى والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، كان يقول إن القصف استهدف مواقع الفصائل الإسلامية، بينما يكون القصف قد نال من المدنيين.

لم يكن المرصد وحده قد انحرف عن مسار الثورة، فهناك الكثير من الملفات الحساسة لم تنجح وسائل إعلام أخرى محسوبة على الثورة في نقلها كما تجري، فعلى سبيل المثال ، (إشكالية جند الأقصى مع أحرار الشام) والتي انحلّت بعد أن تمَّ دمجُ الجند مع جبهة فتح الشام مع توقيع اتفاقية تشمل عدة بنود، فهناك الكثير من وسائل الإعلام وصفحات الفيس بوك فشلت في تغطية ذلك الملف وأثرت سلباً على الثورة، حيث ساهمت في تأجيج الموقف، فبدل من أن تقوم بالتهدئة وإمساك العصا من المنتصف؛ تعمّدتْ التصعيدَ وبثّ الأخبار والإشاعات الكاذبة التي تسهم في خلق توتر يزيد من سفك الدماء بين الطرفين ويعكر صفو الثورة في محافظة إدلب، إضافة إلى خلق حالة معنوية متأزمة لمن يعيش خارج سوريا، حيث تسبب تلك الإشاعات بالقلق والتوتر لدى السوريين ومناصريهم في الخارج، ولو لم يحتو العقلاء ذلك الموقف واستمرت بعض الأبواق بالتحريض لشهدنا سيناريوهات مرعبة لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية.

وللعلم فإن إشكالية جند الأقصى ليست الوحيدة التي فشلت في التعامل معها وسائلُ إعلام محسوبة على الثورة من قنوات إعلامية وشبكات على الانترنت، فعلى سبيل المثال ما جرى في غوطة دمشق الشرقية قبل عدة شهور بين فصيلي (جيش الإسلام وفيلق الرحمن)، من تحريض وبث أخبار كاذبة ساهمت في زيادة الشرخ بين الطرفين وتصعيد الموقف أكثر، وفشلت فشلا ذريعاً في رأب الصدع، وكادت الغوطة تسقط لولا احتواء الموقف آنذاك من قبل حكماء الثورة.
هل غاب عن تلك المنابر (المناصرة للثورة) أن المستفيد من أي اقتتال داخلي هو نظام بشار، فكيف إذا يلجؤون إلى التأجيج وإشعال الفتنة بين أي طرف على حساب آخر، أليس من المفترض أن يقفوا على الأقل في الحياد إن أرادوا تغطية مثل تلك الأحداث، نراهم قد صبوا الزيت على النار بدل أن يسكبوا عليها الماء.

بكل واقعية لقد أثرت بعض وسائل إعلام محسوبة على الثورة سلبا أكثر مما أثر عليها إعلام النظام الذي يتشفّى من مثل تلك الأوضاع ويرغب باستمراريتها، وهذا ما ظهر من خلال حديث أبواقه حيث كان يقول أحدهم أثناء إشكالية "الفيلق وجيش الإسلام" ((جيش الاسلام وفيلق الرحمن إذا لازمكن ذخيرة تكرموا )) ... ، فإن كانت حقا تلك المنابر تناصر الثورة فلمَ إذاً تنجرُّ وراء سياسات تحريرية تخدم النظام وتزيد من الاحتقان بين الفصائل ما يؤدي إلى شلل عمليات التحرير وإضعاف جبهات المناطق المحررة، ولم نر من تلك المنابر دعوة في برامجها أو شبكاتها إلى الصلح أو إيجاد حلول لمثل هذه الإشكالات، نعم وبكلّ وضوح .. لقد أصبحت مثل تلك المنابر تنظر إلى الواقع كما ينظر إليه أسيادها وداعموها..، وإنْ كان على حساب الثورة السورية.