الأثنين 2020/08/10

ابتلعت حصتها في السوق الأوروبي.. هل أصبحت شاومي هواوي الجديدة؟

يدخل حظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشركة هواوي الصينية عامه الثاني، وكان يهدف من ذلك إلى تقليص الصادرات التقنية الصينية التي تمثل مخاطر عالية للصناعة الأمريكية في ذات المجال. وكانت تستهدف العقوبات الأمريكية أجهزة ومعدات شبكات الجيل الخامس من هواوي، ولكن صناعة الهواتف الذكية بشكل عام كانت الأكثر تضرراً؛ فخسارة الشركة لخدمات جوجل أدّى إلى انهيار مبيعاتها خارج الصين.

قبل الحظر، كانت إيرادات صادرات هواوي على وشك تجاوز سوقها المحلي الضخم. ولكن كل ذلك تغير الآن، وصارت تعتمد الشركة على مبيعات الهواتف الذكية محلياً لتعويض العجز في الميزانية، وتمويل استثمارات البحث والتطوير التي تجريها كل عام. ولذلك نمت حصة شركة هواوي في سوق الهواتف الذكية الصيني، أكبر أسواق العالم، بعد الحظر، وأصبحت الشركة تهيمن على السوق المحلي.

تعلم هواوي أنها لكي تستعيد حصتها في المبيعات العالمية تحتاج إما إلى استعادة خدمات جوجل أو الوفاء بوعدها في تقديم بديل محلي على نفس المستوى. ولا يبدو أن الحكومة الأمريكية قد تسمح بالخيار الأول، والخيار الثاني قد يستغرق سنوات كما اعترفت الشركة بذلك صراحةً. كان السؤال إذا ما كانت الشركات الرائدة في السوق، مثل سامسونغ وأبل، قادرة على الاستفادة من أزمة هواوي والحصول على حصة سوقية أكبر بعد خروج العملاق الصيني.

والآن، تغيّر السؤال؛ تحوّل التهديد الذي كانت تمثله هواوي إلى عملاق هواتف صيني آخر، غير مُثقل بالعقوبات الأمريكية ولا يزال قادراً على شحن الهواتف المزوّدة بخدمات جوجل إلى الخارج، ويمكنه تكرار نموذج هواوي في تقديم هواتف بجودة مميزة وأسعار منخفضة في السوق العالمي. حققت هواوي نجاحاً سريعاً في الأسواق العالمية حتى أصبحت ثاني أكبر شركة تصنيع هواتف ذكية في العالم. حتى الآن لم تشغل أي شركة صينية المرتبة الأولى في تصدير الهواتف الذكية، ولكن لن يدوم ذلك لفترة طويلة على ما يبدو.

وصفت هواوي أداءها في عام 2019 بكلمة "قوي"، إذ شحنت 240 مليون هاتف وحافظت على مكانتها في المركز الثاني. ولكن الشركة أرادت أن تقترب أكثر من علامة 300 مليون مستخدم، حتى تزيد من حصتها السوقية، وتضيّق الخناق على سامسونغ في الصدارة. ولكنها بدلاً من ذلك حذّرت من أن عام 2020 سيكون صعباً، وتوقعت انخفاض مبيعات الهواتف الذكية.

وفي نفس اليوم الذي أعلنت فيه هواوي نتائجها لعام 2019، 31 مارس/آذار، أعلنت منافستها المحلية شاومي نتائجها أيضاً. على الصعيد المحلي، تعتبر شاومي صغيرة جداً مقارنة بهواوي، لكن مبيعاتها الخارجية تتزايد بوتيرة أسرع من انكماش حصة هواوي. وفي يوم النتائج المذكور، تفاخرت شاومي بأنها "حققت أعلى نمو سنوي في شحنات الهواتف الذكية بين الشركات الخمس الكبرى". وشهدت شاومي نمواً في إيراداتها من الأسواق الخارجية بنسبة 30% خلال العام، وصلت إلى 40% في الربع الأخير. وبنهاية عام 2019، شكّلت الصادرات ما يقرب من 47% من مبيعات الشركة، الرقم الذي تجاوز الآن 50% بكل تأكيد. استغرقت هواوي ما يقرب من عقد كامل من أجل غزو السوق الأوروبي، بينما شهدت شاومي نمواً 15% في الربع الرابع، وارتفعت مبيعاتها في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا بنسبة 65% و69% و206%، على الترتيب.

قبل الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة في مايو/أيار السابق، رسم إعلان نتائج عام 2018 لشركة هواوي صورة لا تشوبها شائعة عن مستقبل صادرات الشركة. ولكن كل التوقعات انهارت وانعكس الآن؛ ترنحت مبيعات هواتف الشركة، التي تفتقر لخدمات جوجل، بعد الحظر خارج الصين. وتعترف الشركة أنها تحتاج إلى عام على الأقل، أو عدة أعوام، حتى تعالج تلك الأزمة بشكل صحيح. وفي نفس الوقت، انتهزت شاومي الفرصة، وتحولت من إنتاج الهواتف الاقتصادية التي اشتهرت بها إلى تصدير هواتف مميزة بأسعار أعلى. بالنسبة لمستخدمي هواوي، قدّم هذا التحول الذي أقدمت عليه شاومي بديلاً جديداً لم يكن مطروحاً من قبل.

لكن ذلك يثير غضب مسؤولي هواوي كثيراً، خاصة أن هذا العام سيكون أسوأ بكثير. في الربع الأول من عام 2020، وضعت تقديرات شركة تحليل الأسواق Canalys شاومي في المركز الرابع في أوروبا، بعد سامسونغ وأبل وهواوي. ولكن في الوقت الذي تقلصت فيه المبيعات السنوية لكل الشركات الأخرى، ارتفعت نسبة مبيعات شاومي السنوية بنسبة تقترب من 80%. ومع انخفاض مبيعات هواوي بشكل كبير وصل إلى 40%، من السهل أن نرى توجه المستهلكين الأوروبيين. ولم لا؟ تقدم شاومي نفس طراز هواتف هواوي الصينية ولكن مع خدمات جوجل.

وتشير بيانات الربع الأول لشركة Canalys إلى أن شاومي الآن لديها حوالي نصف الحصة السوقية لهواوي في أوروبا، بالرغم من أنها تأتي في المركز الأول في إسبانيا قبل كل الشركات الأخرى، ما يُثبت أنها قادرة على تحقيق الأسبقية في بقية الدول. ومع انخفاض مبيعات هواتف Mate 30 وP40 لشركة هواوي في أوروبا بسبب مشكلة جوجل، أصبحت الشركة تعتمد على طفرة مبيعات هاتفها P30 المزوّد بخدمات جوجل من أجل وقف التقدم الهائل الذي تحققه شاومي.

وطرح الموقع التقني Android Authority على قرائه سؤالاً يقول: "هل شاومي هي هواوي الجديدة؟"، وكانت 80% من الإجابات بالإيجاب. وكتب الموقع: "الحظر التجاري الذي فرضته الولايات المتحدة على شركة هواوي فتح الباب أمام العديد من العلامات التجارية الأخرى، ويبدو أن شاومي هي المستفيد الأكبر من ذلك".

ولم يقتصر الأمر على أوروبا بكل تأكيد. أصبحت شاومي هي العلامة التجارية الرائدة في السوق الهندي الضخم، بحصة سوقية تبلغ 30%. وتتطلع الشركة إلى مطاردة عملاء هواوي الكثيرين، إلى جانب ما يمكنها انتقاءه من شركات هواتف أندرويد الأخرى، في الأسواق العالمية الأخرى.

يُعلن عن هواتف شاومي وتُباع بأريحية كبيرة في هونغ كونغ، على عكس هيكل الملكية المعقد لشركة هواوي الذي يجعل من الصعب دحض مزاعم سيطرة الدولة. كما أن شاومي علامة تجارية استهلاكية أولاً وقبل كل شيء، ما جعلها تتنصل من انتقادات مراقبة إقليم شينجيانغ التي أضرّت بهواوي وغيرها من الشركات الصينية الرائدة. كل ذلك جعل شاومي في وضع أفضل أمام العقوبات الأمريكية المحتملة، وإن كانت الشركة اعترفت باحتمالية وقوعها تحت طائلة تلك العقوبات.

إلا أن شاومي لديها مشكلاتها الأمنية الخاصة، كما أوضح توماس بروستر لمجلة Forbes شهر أبريل/نيسان الماضي، وحذّر المستخدمين من أن مستويات بيانات الهاتف وتتبع الإنترنت المسحوبة من هواتف شاومي تتجاوز المعايير المتعارف عليها في الصناعة. والأسوأ من ذلك، هناك مزاعم بأن هذه البيانات تُرسل إلى الصين. ونفت شاومي تلك التقارير، ولكنها أعلنت أنها سوف تقدم خيارات لإلغاء تتبع البيانات في تحديثاتها البرمجية المقبلة، فضلاً عن إعداد للمستخدم يتيح له إبقاء البيانات بعيداً عن الصين.

تنجح شاومي، بلا أي أخطاء، في اجتذاب عملاء هواوي من خلال طرح هواتف متطورة مثل هاتف Mi 10 Pro الأخير، وهي الفئة الأكثر قدرة على المنافسة مع هواتف هواوي المميزة في الأسواق الخارجية.  كما تعتمد الشركة في حملاتها التسويقية على خاصية "سهولة الوصول لخدمات جوجل"، في إشارة صريحة لميزتها التنافسية المباشرة على غريمتها الصينية الأكبر. في الوقت الحالي، تحظى شاومي بفرصة فريدة لانتزاع صدارة الحصة السوقية العالمية في ظل عجز هواوي دون خدمات جوجل. ويبدو أن ملايين مستخدمي هواوي خارج الصين يريدون الحفاظ على خدمات جوجل في هواتفهم واتخذوا قرارهم بالفعل.