الثلاثاء 2017/09/19

«واشنطن بوست»: أمريكا تخشى عدم حل أزمة الخليج التي تهدد مصالحها في المنطقة

قالت كارين ديونج إنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الأزمة الخليجية التي دقت إسفينًا عميقًا بين أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة، فإنها ليست قريبة من الحل.

وأوضحت كارين في مقال لها في صحيفة «واشنطن بوست» أن إدارة ترامب التي تعتمد على دول الخليج باعتبارها منطلقًا للعمليات الجوية والبحرية الرئيسية لمحاربة تنظيم الدولة وحصنًا ضد إيران – بدأت تشعر بالقلق.

وتعليقًا على ذلك، قال مسؤول أمريكي «لدينا الكثير من المشكلات هنا. هل من المقبول أن تبدأ الشركات الأمريكية في إبلاغنا بأن العقود تلغى بسبب المناخ في الخليج؟ أو أن القاعدة الجوية التي نهاجم منها "المسلحين" في سوريا والعراق معرضة للخطر؟ أو أن الحصن العربي الموحد ضد إيران يتصدع؟ لقد بدأنا نشعر جميعًا أن أزمة قطر تقف في طريق الأشياء التي نريد القيام بها».

كانت الأزمة الخليجية قد اشتعلت بعد أيام من إعلان الرئيس ترامب خلال زيارته إلى الرياض في مايو (أيار) توحد ممالك الخليج. وعلى إثر اتهامهم قطر بتمويل "الإرهابيين" ومحاولة تقويض حكوماتهم، قامت أربع دول في المنطقة – السعودية والإمارات والبحرين ومصر – بقطع العلاقات وإغلاق حدودها الجوية والبرية والبحرية مع قطر.

ومنذ ذلك الحين – يشير التقرير – دخل الطرفان حربًا شرسة من الإهانات والاتهامات، تخلل ذلك حملات إعلامية ضخمة بلغت قيمتها عدة ملايين من الدولارات والتي استهدفت الرأي السياسي في واشنطن. وجاء أكبر إعلان سياسي في الصيف من منظمة تسمى لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية (سابراك) التي أنفقت 1.6 مليون دولار على إعلانات تلفزيونية محلية، وفقًا لمعلومات حصلت عليها واشنطن بوست.

ذكر أحد الإعلانات أن «دولة واحدة في منطقة الخليج تشكل تهديدًا للأمن العالمي. سيادة الرئيس ترامب، قطر لا يمكن الوثوق بها».

يقول التقرير إن قطر تضم قاعدة جوية أمريكية هامة يعمل بها أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي، ولطالما أشاد المسؤولون الأمريكيون بجهود قطر في مجال مكافحة تمويل "الإرهاب". لكن المسؤولين لاحظوا أن قلة من الناس يعتقدون أن خطايا قطر أسوأ بكثير من غيرها من الدول في المنطقة، قال مسؤول أمريكي مطلع على جهود حل الأزمة إن الأمر في مجمله عداء شخصي بين العائلات التي تحكم دول الخليج، واختلاف حول أنسب السبل لبقائهم في سدة الحكم.

ليس ترامب وحده من أشعل الأزمة

في البداية – يضيف التقرير – كان ترامب هو من نشر النار، بتأييده الاتهامات الموجهة إلى قطر. وفي حين أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس تجنبا اللوم ودعا إلى المفاوضات، أشاد ترامب بـ«حكمة» الملك سلمان، التي تجلت بشراء السعودية للأسلحة الأمريكية، وأشار بإصبعه إلى قطر، وقال إن الولايات المتحدة يمكنها أن تشن عمليات مكافحة "الإرهاب" من مكان آخر.

خلال الصيف، زار تيلرسون وجاريد كوشنر – مستشار ترامب وصهره – المنطقة كل على حدة. وفي أغسطس (آب)، أرسل تيلرسون مبعوثين أمريكيين إلى الخليج، بيد أنه لم يجرِ الإبلاغ عن أي تقدم.

لكن ترامب قرر في سبتمبر (أيلول) أن الوقت قد حان لوضع نهاية للمشكلة. إذ قال مسؤول أمريكي إن «ما ترونه الآن هو أن البيت الأبيض يحاول وضع حد لهذا الأمر، قبل أن يبدأ في التأثير على العمليات العسكرية». وهو ما أكد عليه ترامب في مؤتمر صحافي عقده في 7 سبتمبر (أيلول) مع أمير الكويت – الذي لم تنجح جهود الوساطة الخاصة به – حين قال إنه قد يضطر إلى دعوة أطراف الأزمة إلى البيت الأبيض والتعامل مع المفاوضات بنفسه. وأضاف «أعتقد أننا سنتوصل إلى حل سريعًا جدًا». وقد رتب ترامب مكالمة هاتفية بين أمير قطر وولي العهد السعودي في اليوم التالي.

ولكن لم يدم الأمر أكثر من ساعات – يؤكد التقرير – إذ ادعت الحكومتان أن الطرف الآخر هو من بادر بالحوار. وعلى إثر ذلك، توقفت هذه الجهود رسميًا.

مؤتمر صحافي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الكويتي الأمير الأحمد الجابر الصباح في البيت الأبيض (جيتي).

إن فشل جهود ترامب لم يترك الكثير من البدائل أمام الولايات المتحدة. ولا يوجد سبب للتعويل على أن الرئيس – الذى يعتزم الاجتماع مع بعض زعماء المنطقة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة – سيتمكن من تحقيق أي تقدم.

في غضون ذلك – ينوه التقرير – اتخذ تيلرسون موقفًا داعمًا لقطر، مؤكدًا على أن طلبات دول الحصار بقيادة السعودية غير معقولة، وقام بتوقيع مذكرة تفاهم جديدة حول تمويل "الإرهاب " مع الدوحة. لكن الإدارة الأمريكية لم يعد لديها نفوذ يذكر على الجانب الآخر، ما لم يكن ترامب مستعدًا للتضحية بمبيعات الأسلحة إلى السعودية – أو يخفف من ثنائه على السعودية والإمارات، الشريك الرئيسي في الحرب على قطر.

تقاطر السعوديون والإماراتيون على زيارة البيت الأبيض – تواصل كارين حديثها – وحتى قبل زيارة ترامب إلى الرياض في مايو (أيار) الماضي، ذكرت المخابرات الأمريكية أنهم كانوا يخططون لهجوم جديد في نزاعهم الطويل مع قطر، مستنتجين أن ترامب سيؤيدهم.

الحرب الإعلامية المكلفة

أغضبت قطر الصغيرة جيرانها منذ فترة طويلة من خلال اتباع سياسة خارجية بارزة يعتقدون أنها تتناقض مع مصالحهم. تشمل قائمة مطالبهم الـ13 «غير القابلة للتفاوض» إنهاء الدعم القطري للحركات الإسلامية السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين؛ وإغلاق قناة الجزيرة، وخفض مستوى العلاقات مع إيران التي تتشارك مع قطر أكبر حقل للغاز في العالم؛ وطرد المعارضين السياسيين لدول الحصار من الدوحة.

من جانبها، قالت قطر إنها على استعداد للحوار مع خصومها، لكنها لن توافق على أي شيء يمس سيادتها. ويشدد التقرير على أن أكثر المستفيدين الرئيسيين من الأزمة حتى الآن هم شركات الضغط التي استخدمها كل طرف للتأثير على واشنطن، كما يتجلى ذلك في سجلاتهم لدى وزارة العدل.

في أغسطس (آب)، سجلت مجموعة بوديستا العمل الذي قامت به منذ يونيو (حزيران) بالنيابة عن سابراك – الممول السعودي للإعلانات التلفزيونية – بتكلفة شهرية قدرها 50 ألف دولار لا تشمل الإنتاج وغيرها من النفقات. تعتبر هذه الرسوم ضئيلة نسبيًا بالمقارنة مع الشركات الأخرى التي تستخدمها السعودية والإمارات، بعضها دُفع مؤخرًا، وبعضها كان مرتبات تدفع منذ سنوات مع رسوم شهرية أو فصلية بمئات الآلاف من الدولارات. كانت قطر متأخرة نسبيًا في حرب النفوذ هذه، لكنها لحقت بالركب أوائل الصيف.

يقول التقرير إن قطر ركزت على الإعلانات المطبوعة والإلكترونية التي تؤكد على علاقاتها الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة وجهود مكافحة الإرهاب بدلًا من مهاجمة خصومها. وقد استأجرت شركات مثل نيلسون ومولينز ورايلي وسكاربورو ومقرها بمبلغ 100 ألف دولار شهريًا في يوليو (تموز) «لبناء رأس المال السياسي والعلاقات لصالح قطر، ولضمان وصول المعلومات الصحيحة، وحق الناس في معرفة ذلك» مثلما يقول كريستوفر كوشينج، المدير الإداري لإحدى الشركات.

تتقاضى شركة أفينو ستراتيجيس، وهي شركة مرتبطة بمسؤولي حملة ترامب، مبلغ 150 ألف دولار شهريًا مقابل «خدمات استشارية استراتيجية»، كما تلقت شركة المدعي العام السابق جون أشكروفت مبلغ 2.5 مليون دولار من أجل «تقييم، والتحقق، وتحسين صورة جهود قطر في مجالي مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب».

بيد أنه فيما يتعلق بالإدارة الأمريكية – يختتم التقرير بالقول – فإن مسألة من على حق ليس لها أهمية عند مقارنتها بالأضرار المحتملة للنزاع نفسه.