السبت 2019/09/28

هذه حقيقة المظاهرات الداعمة للسيسي

في مدينة نصر، قلب القاهرة النابض، ومسرح الأحداث الجسيمة بالقرب من ميدان رابعة -طيب الله ذكراه- في ميدان الساعة، حيث يربض شارع عباس العقاد على يميني، ويقف شارع مكرم عبيد شامخاً عن يساري، لظروف ما لم أتواجد في القاهرة الجمعة الماضية وأصابني من الندم الكثير أن فاتتني الهبة الأولى ولم أدرك بداية الثورة، وانتظرت الجمعة التي تليها داعياً من كل قلبي: رب أرني كيف تحيي الثورة.

وتعالت الأصوات تنتظر يوم الجمعة الموعود، وارتفعت أكفّ الضراعة تدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله يوم الخلاص، وترقبت جموع المصريين في الشرق والغرب لحظة الفرج التي تمتلئ فيها الشوارع تهتف من جديد: عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية.

استيقظت متأخراً كعادتي في صبيحة الأيام المهمة، أدركت الصلاة على عجل وعدت فنظفت هاتفي مما به، واستطلعت من خلال تغريدات بعض النشطاء ما قد يصبح أماكن تجمع أو انطلاقاً للمظاهرات، وعقدت العزم أن أنزل بنفسي فأرقب الشوارع فإن رأيت بشارة خير وبداية احتشاد انضممت إلى ركب النضال وإن لم يكن فإبراء لذمتي وراحة لضميري، ولكن ما رأيته أدهشني بكل المقاييس، سرب من المدرعات العسكرية وشركة طيبة للأمن ونقل الأموال يحتشد في طريق النصر من بداية شارع مكرم عبيد حتى بنك بلوم مصر بعد شارع عباس العقاد ويتقدم هذا الحشد ميكروباص علقت عليه سماعات كبيرة تشدو بأغانٍ تؤيد النظام مثل «بشرة خير»، وفوقها شاب يتراقص يميناً ويساراً ملوحاً بأعلام مصر وبصور السيسي.

حتى هنا كنت قادراً على تفهم الأمر، ودون عناء في التحليل يستطيع أي طفل أن يستنتج أن هذه أساليب دفاعية نظراً لذعر النظام وحرصه أن يظهر متماسكاً حتى اللحظة الأخيرة، ما بعد ذلك كان هو الفضيحة بكل المقاييس، في مدخل شارع عباس وجدت عشرات بل مئات الأتوبيسات تتدفق على الشارع متجهة نحو المنصة، أجبرت كل الشركات أن ترسل موظفيها بالترغيب وبالترهيب، فرأيت بأم عيني أتوبيسات شركات الكهرباء، وشركات المياه، وشركة هيئة قناة السويس، وشركة ترسانة السويس البحرية، وشركة إنبي للبترول، وشركة بتروجيت، وشركة الوجه البري للنقل، وشركات الاتحاد العربي، وأتوبيسات الكثير من الجامعات، وأتوبيسات وزارة الشباب والرياضة.

تلاها بعد ذلك ميكروباصات من كل المحافظات فكل ميكروباص مكتوب عليه: محافظة كذا مركز كذا، محافظة كفر الشيخ مركز كفر الشيخ رقم 1، محافظة الشرقية أبوحماد رقم 2، محافظة المنوفية بركة السبع رقم 3، أغلب ركابها كان ممن تعدوا الخمسين سنة أو من فئة العمال والفلاحين كما بدا من مظهرهم.

قررت الدخول بينهم، ومعرفة الكثير عن كيفية احتشادهم، وأهدافهم الحقيقية من التواجد هذا اليوم في هذه الوقفات، وزادت صدماتي فوق صدماتها صدمة، فهذه بعض من المشاهدات التي رصدتها وأنقلها لكم أيها السادة:

= كل المشاركين وأنا أعني ما أقول عندما أقول كل وليس أغلب أو معظم، كل المشاركين من القادمين في ميكروباصات الأقاليم والمحافظات لا يحملون مؤهلات عليا فهم من الفلاحين البسطاء الذين تتجاوز أعمارهم في الأغلب الخمسين، أو من العمال والحرفيين ومن لحق بهم من أسرهم أو أطفالهم.

= الفئة الأخرى التي حضرت بقوة بين المشاركين في هذه الفضيحة، النسوة اللاتي لا أستطيع أن أصفهن كثيرا أو أصنفهن وأكتفي بالقول: إنهن يشبهن المرأة التي ظهرت في فيديو: يا سييييييييسي والأخرى التي تقول: انكز مصر ي سييييسي، هذه الفئة الرداحة تواجدت وبقوة بين المشاركين.

= بسؤال العديد منهم بطرق غير مباشرة، عرفت أن نواب مجلس الشعب وموظفي الأندية ومراكز الشباب والجمعيات الزراعية عرضوا عليهم الذهاب في احتفالية للقاهرة مع التكفل بمصاريف السفر ذهاباً وعودة ووجبات ومبلغ مالي مكافأة إضافية ومن يجمع عدد أكثر يحصل على مكافآت أكثر.

= في بداية الرحلة، وزعوا عليهم أعلاماً مصرية، وصور للسيسي وطلبوا منهم الالتزام بالتعليمات، والتصفيق حين يطلب منهم التصفيق والتهليل حين يطلب منهم التهليل والهتاف حين يطلب منهم الهتاف وإظهار الحماس والقوة وعدم التهاون والتراخي طيلة اليوم.

= أنا مشارك سابق في العديد من المظاهرات أيام رابعة، والتحرير، والوايت نايتس وغيرها وأعرف ما تعنيه كلمة مظاهرة جيداً، وأعي أجواءها وأشم ريحها ولو من ألف ميل، وما رأيته هنا لم يمت لهذا بصلة، كان المشاركون أشباحاً آلية يساقون إلى مكان محدد يتحركون كما لو أنهم يتحركون بريموت كنترول، كان أغلبهم لا يعرف ما هي المنصة أصلاً ولا أين هي ولا لماذا هو موجود هنا بل كان البعض منهم يشتم السيسي لولا أن نبهه قريب له.

= من الحوارات الثنائية التي دارت أمامي: أحد المشاركين أصابه التعب والتململ فطلب من أحد رفاقه أن يتوقف ويعودا فقال له بالحرف: «اصبر في لقمة طرية ومصلحة حلوة زي اللي كانت ف الأول».

= سارت أسراب هذه الجموع بعد أن نزلت من الميكروباصات باتجاه المنصة وخلال الطريق كانت هناك لجان أمنية عدة بعضها بزي عسكري وبعضها بزي مدني، كانت هذه اللجان توجه هذه الجموع وتذكرها بكلمات مثل: «يلا عشان تحموا مصر»، لكن الغريب لم يكن هذا: كانوا يوقفون كل مجموعة ويطلبون منهم أن يخرجوا من بينهم من لا يعرفونه، من يشعرون أنه لا يشبههم، للحق أصابني وقتها بعض الذعر ودخلت وسط المجموعة تماماً حتى لا يلحظني أحد.

= تفتش هذه اللجان كل من يرون عليه علامات الثقافة أو التعلم، كل الشباب تحت سن الثلاثين هم في نظر هذه اللجان متهمون ويوقفونهم ويخضعونهم لتفتيش مهين ويتفحصون هواتفهم وقد يحتجزونهم وقد يعتقلونهم وحسبي الله ونعم الوكيل.

= بعد كل 200 متر تقريباً يوقفونهم، ويطلبون منهم رفع علامة النصر وصور السيسي لالتقاط بعض الصور التي يتلقفها الصحفيون والإعلاميون بالطبع وكأنها مظاهرة تلقائية.

= في المقابل أغلقت الدولة التي وفرت قطعاً ما لا يقل عن 20 ألف مركبة بين أتوبيس وميكروباص لهذا الحشد لأني شاهدت فقط خلال ثلاث ساعات ما يزيد عن 600 ميكروباص وأتوبيس، في المقابل تغلق الدولة أغلب محطات المترو الرئيسية، وطرق القاهرة المحورية، وتفرض تشديدات أمنية على كل المداخل والمخارج.

ما يحدث فضيحة بكل المقاييس، حين تسخر دولة كل إمكانياتها وكل أجهزتها لإخراج تمثيلية ماسخة بهذا الشكل ويدل على ذعر هذه الدولة من الشباب ومن العلم، وتعاملها الحقير مع حاجات الناس لدفعهم واستخدامهم كدمى بشرية للتسويق لهذا النظام السفاح المجرم.

ما يحدث يشرح لنا لماذا يحرص النظام على استمرار الجهل والفقر مستشرياً في بلادنا فهو رأس ماله ورأس حربته التي يرتبط بوجودها وجوده وديمومته، ولكن الله غالب على أمره، وقريباً سيهزم الجمع ويولون الدبر.