الأثنين 2020/03/30

ميدل إيست آي: نظام السيسي يتكتم على “كارثة” بشأن كورونا

كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن انتشار فيروس كورونا في مصر أوسع مما تحدثت عنه الحكومة أو قدرتها على مواجهته.

ونقل كاتب التقرير "عمرو خليفة" عن مسؤول عسكري بارز اتصل به وأخبره أنه مصاب بالفيروس. وقال إنه تحدث معه بسبب قلقه “هذا ما يجب علينا فعله الآن وهو واجبنا”، وكشف أن حالات الإصابة بالفيروس في تزايد مستمر. وأوضح أنه تم التعامل مع إصابات فيروس كورونا على أنها حالات التهاب رئوي.

وجاء في التقرير أن الشكوك تعززت طوال الأسابيع الماضية من أن الحكومة لا تقول الحقيقة حول مدى انتشار كوفيد-19 في البلاد، إلا أن عددا من الحوادث الأخيرة بما في ذلك وفاة جنرالين بارزين في الجيش تقترح أن الفيروس منتشر أكثر مما تم الكشف عنه سابقا.

وعندما ظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً بعد غياب طويل أكد أن حكومته تتعامل مع الأزمة بشفافية وشجع المصريين على البقاء في بيوتهم لأسبوعين.

وقال مخاطباً المصريين عبر التلفاز “لا نريد أن تصيب الأزمة عدداً كبيراً”.

ولم تفرض الحكومة حالة إغلاق تام خوفاً على الاقتصاد والمتاعب التي تصيب الملايين. وفي الوقت نفسه واصل الإعلام المؤيد للنظام تصوير نجاح الدولة السيطرة على الفيروس. وقالت إحدى القنوات: “مصر تقدر تنتصر على الفيروس كما انتصرت الصين”، وعرضت فيلماً قصيراً أظهر المشاهد المصرية المعروفة مع موسيقى حماسية ولقطات من مكافحة الصين للفيروس.

ومع كسر السيسي وغيره الصمت حول الفيروس كانت الحكومة قد خسرت المعركة ضد المرض وكذا ثقة الرأي العام بقدرتها على المواجهة.

ويقول خليفة إن الحكومة المصرية أجبرت قبل عدة أيام مراسلة “الغارديان” روث مايكلسن على مغادرة مصر بعدما كتبت تقريرا اقتبست فيه نتائج بحث لجامعة تورنتو قدر أن الإصابات في مصر قد تكون أعلى، وربما كانت 19.000 حالة.

وتعكس حادثة طرد الصحفية رغبة القيادة بالهيمنة على الأخبار المتعلقة بالفيروس، إلا أن الإستراتيجية تعرضت لضربة عندما أُجبرت الحكومة وبعد 24 ساعة من ظهور السيسي على الاعتراف بوفاة جنرالين بعد إصابتهما بفيروس كورونا. وتوفي أولا الجنرال خالد شلتوت، مدير مشاريع المياه في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، في 22 آذار/ مارس. وبعد يوم مات الجنرال شفيع عبد الحليم داوود، مدير المشاريع الكبرى في نفس الهيئة.

وكشف عن أن داوود كان على قائمة 15 ضابطاً بارزاً ومجنداً يُعتقد إصابتهم بالفيروس وتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي، وأكدها لاحقاً صحفيون من خلال مصادر بارزة في الجيش المصري، ما يشي أن الفيروس انتشر بطريقة أوسع مما تعلنه الأرقام المصرية.

وجاءت هذه الأخبار بعد أسبوع من تساؤل الصحافة الأجنبية عن طريقة تعامل الحكومة المصرية مع الفيروس ومدى تسترها عليه، خاصة بعد إصابة سياح أمريكيين وفرنسيين وهنود بالفيروس بعد عودتهم إلى بلادهم.

وانضمت منظمة الصحة العالمية إلى الجدل عندما قالت إن مصر لا تقوم بالكشف عن حالات الإصابة نظراً لعدم ظهور الأعراض على الأشخاص.

ويقول خليفة إن الضابط العسكري البارز اتصل به بعد وفاة شلتوت بساعات. وقال إنه يعاني من أعراض خفيفة ولكن لم يتم الكشف عن مرضه.

وقال إنه قرر الحديث بسبب قلقه على البلد وشعوره بحس الواجب. ولم يكن يريد إخباره بهذا فقط، بل قال إن النماذج العسكرية التي أعدتها السلطة الصحية في الجيش واطلع عليها، تقترح أن العدوى تتضاعف كل يومين أو ثلاثة. وتم الحفاظ على الأرقام العامة متدنية وبسبب عدم معالجة إلا من ثبتت إصابتهم بالمرض والحالات الحرجة. كما تم التقليل من الحالات لأن الذين ماتوا بسبب كوفيد-19 تم تصنيف وفاتهم بسبب ضيق التنفس أو الالتهابات الرئوية.

ولم يؤكد المصدر العسكري البارز هذه الأخبار فقط، بل أكدتها مصادر طبية متعددة داخل البلاد بمن فيها خبير جامعي في مجال الأوبئة وطبيبان يعملان في غرف الطوارئ بمستشفيين مختلفين. وأخبر الطبيبان الصحفي بأن الوفيات المسجلة بسبب الفيروس جرى تصنيفها كحالات تنفس وأمراض رئوية.

وسُجلت الوفيات هذه في منتصف كانون الثاني/ يناير قبل أسابيع من الإعلان عن أول حالة إصابة بالفيروس في منتصف شباط/ فبراير.

ويضيف أن قيادة الجيش أظهرت عدم اهتمام، رغم ما لديها من معلومات عن انتشار الفيروس بشكل واسع. وظل القادة يصافحون ويعانقون بعضهم، ولم يهتموا بضرورة التباعد الاجتماعي داخل صفوف الضباط والجنود.

وبعد تعافيه من المرض عاد المصدر وقدم وثيقة للصحفي. وعلى الصفحة الأولى كتبت عبارة “سري جداً” وعليها عبارة جانبية “تسلم للقادة حالة الوصول”.

وتتضمن الوثيقة معلومات عن إجراءات حجر صحي للجنود، المغادرين الثكنات منهم والعائدين، خاصة في الإسكندرية وقنا والمنيا والمنوفية ودمياط. وورد فيها: “يمنع حتى إشعار آخر الإجازات في هذه الأماكن” و”يجب حجر كل العائدين خلال الـ72 ساعة من هذه الأماكن ولمدة 15 ساعة”.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم الحديث عن هذه الأماكن كبؤر تفشّ. كما يمكن أن تضم هذه الأماكن المذكورة مئات الآلاف من المدنيين، مع أن الأوامر تنطبق فقط على مئات الآلاف من الجنود والضباط الكبار. وتشير الوثيقة إلى أزمة أكبر داخل الجيش وفي كل البلاد مما كشفت عنها الحكومة.

وقال الضابط إن الجيش قرر تبني سياسة “مناعة القطيع” أو المناعة للجميع كوسيلة لمكافحة الفيروس. وهو نفس المفهوم الذي تبنته الحكومة البريطانية في المرحلة الأولى. وجرى التراجع عنها عندما قال باحثون في كلية إمبريال بلندن إن هناك احتمالاً لوفاة مئات الآلاف من المدنيين لو لم تقم الحكومة بالتركيز على احتواء الفيروس. وأصبح بوريس جونسون، رئيس الوزراء من بين المسؤولين الذين أصابهم الفيروس.

وكانت هذه استراتيجية مصر، كما قال المصدر، حيث سيسمح للفيروس بالانتشار. وهي سياسة ناجمة عن عدم توفر أجهزة الفحص والذي لم يتوفر حتى لقادة الجيش البارزين إلا بعد ارتفاع درجة حرارة الجسم وآلام في الحنجرة أو ظهور أعراض ضيق تنفس. ولم يكن الجيش قادراً على تحديد مستوى انتشار الفيروس بدون فحص. وأخبر المصدر الكاتب هذا في نفس اليوم الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية عن قدرات مصر إجراء فحوص والتي قالت إنها 200.000 فحص لكوفيد-19.

وقال المصدر إن عائلات عناصر الجيش ستحصل على معاملة تفضيلية من ناحية العناية الصحة. أما السكان فلم يكن لديهم أي فكرة عن حجم الأزمة وما عليهم فعله وسط غياب الخدمات الصحية. وهذا هو خلاف لما قاله السيسي الذي تحدث عن “غلاوة” المصريين كأي إنسان في العالم. ولم ترد الهيئة الوطنية للإعلام على طلب الموقع التعليق حتى ساعة نشر التقرير.

ويقول الموقع إن غياب الشفافية ليس مثيراً للدهشة حتى بين أنصار السيسي الذين يحاولون تبرير التكتم على الأخبار للمصلحة القومية. وقال المصدر: “عندما تعلن الحكومة عن أرقام ويقوم البعض بالتشكيك بها، يطلب منا ألا ننسى أن هذه استراتيجيتهم وهي استراتيجيتهم منذ 80 عاماً” في إشارة للإخوان المسلمين. ولكن ليس هؤلاء هم الذين يشكّون بل الصحافة الأجنبية والباحثون العلميون.

وليس من المستغرب قيام الحكومة المصرية بالتستر على كارثة وطنية، ولا محاولتها السيطرة على الرسالة ومحدودية ما لديها من مصادر وعدم استعدادها وفشلها في دعم النظام الصحي. إلا أنها عندما تعرض في تسترها حياة ملايين المصريين وملايين البشرة في العالم معهم فالمخاطر أعظم. ولم يكن الرد الحكومي سيئاً بدرجة كبيرة فقد قامت بحملة توعية للمصريين ودعتهم لعدم المصافحة وتجنب الأماكن العامة حتى لا ينتقل الفيروس. ويجب في الوقت الحالي على السيسي الوقوف أمام المصريين والتحدث إليهم بصراحة بدلا من المساهمة في انتشار الفيروس والوفيات معه.