الأثنين 2015/10/19

غزة.. شبان ينتفضون في عتمة الليل على الحدود مع إسرائيل

لم يعد غروب الشمس، وحلول ساعات المساء تعني للشاب أسعد، أن موعداً كروياً بصحبة رفاقه قد حان، فهذا التوقيت بات إشارة للانطلاق إلى مناطق التماس مع إسرائيل على حدود قطاع غزة، للمشاركة في التظاهرات اليومية، دعماً لـ"هبة الضفة والقدس".

ويلف أسعد (21 عاماً)، وجهه بكوفية على شكل نصف لثام، حاملاً في يده مقلاعًا يساعده على قذف الحجارة لمسافات بعيدة تجاه الجنود الإسرائيليين.

و"المقلاع" عبارة عن حبلين متوازيين، تتوسطهما وتربط بينهما رقعة، يوضع فيها الحجر، ويمسك القاذف الحبلين من طرفيهما، ويقوم بالتلويح بالمقلاع دائرياً فوق رأسه قبل أن يفلت أحد الحبلين،‏ فيندفع الحجر في الهواء بقوة كبيرة منطلقًا نحو هدفه.

وابتدع الفلسطينيون المقلاع واستخدموه خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) بكثرة، وكان الجيش الإسرائيلي يعاقب بشده من يقتني تلك الآلة ويستخدمها بعقوبة كانت تصل لأشهر وسنوات.

يقول أسعد للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، تحسباً من الملاحقة الأمنية في حال اجتاز يوماً معابر إسرائيلية، إنه لم يعد يشعر بحماسة الذهاب برفقة أصدقائه للعب كرة القدم، كما كان يفعل قبل نحو أسبوع.

وأضاف: "لديّ رغبة كبيرة، في أن أشارك يومياً في المسيرات التي تخرج دعماً للضفة الغربية، والقدس، بالقرب من الحدود الفاصلة مع إسرائيل، (...)، في الوقت الحالي أنا أفقد شهية اللعب، أريد أن أبقى هنا".

ومنذ التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تشهد مناطق التماس مع إسرائيل، على حدود القطاع، مسيرات لشبان غاضبين على مواصلة اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، بالقدس، سرعان ما تتحول إلى مواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة على تلك الحدود.

وتستخدم القوات الإسرائيلية قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، والمطاطي في محاولة لتفريق المتظاهرين، الذين قُتل منهم 14 وأصيب أكثر من 500 آخرين بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

ولا يكترث الفتى أحمد (16 عاماً) لصراخ والدته وقلقها عليه، من الذهاب إلى تلك الحدود، وإمكانية تعرضه للإصابة أو القتل، فهو يرى أن مشاركته في هذا الحراك "دعم فعال لهبة الضفة والقدس".

وتابع الفتى الذي ارتدى قميصاً يحمل رقم واسم مهاجم نادي برشلونة الإسباني ليونيل ميسي: " احنا (نحن)، بنبعد (نبتعد) عن الخطر، بس لازم نيجي (نأتي) هان، (هنا)، ونوصل رسالة لليهود، انو (أن) الأقصى خط حمر".

وأشار أحمد في حديثه مع الأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه لنفس الداعي الأمني، إلى أنه يقوم بحمل الحجارة، وإعطائها للشبان من حوله للقيام برشق الجنود المتمركزين على الحدود.

وقام الجيش الإسرائيلي في اليومين الماضيين بإقامة سواتر رملية قبالة مناطق الاحتكاك مع متظاهرين عند السياج الفاصل مع القطاع، في وقت يتجمع فيه مئات الفتية و الشبان، في كل مساء، ويخرجون في مجموعات صوب النقاط المحاذية لمواقع الجيش.

ولم يعد الشاب سالم عبيد، يهتم كثيراً لتلبية دعوات أصدقائه للخروج ليلاً، والسهر في أحد المقاهي، فجُلَ اهتمامه بات منصباً على تجهيز المقلاع لرفاقه.

ويبدو عبيد (22 عاما) سعيداً، وهو يُلوح بأداته، فخوراً بما يقول إنه "إسناد لهبة الضفة والقدس".

ويضيف في حديثه مع الأناضول: "أصبت في قدمي قبل يومين، ولكن هذا لم يمنعني من القدوم مرة أخرى".

وبالقرب من عبيد ترتفع أصوات شبان أصيبوا باختناق جراء إطلاق الجيش الإسرائيلي، قنابل الغاز المسيل للدموع.

ويتوشح عبيد كما عشرات الفتية والشبان بالكوفية والعلم الفلسطيني، ويقوم عدد منهم بإشعال إطار السيارات، وهم يرددون الأغاني الشعبية التي تزيد من حماستهم.

وتبدو علامات الحماس على أحد الشبان، وهو يلتقط قنبلة غاز سقطت بين أقدام المتظاهرين، ليقوم بإلقائها مجدداً على الجانب الآخر تجاه الجنود الإسرائيليين.

ويرفض خالد وهو فتى يبلغ من العمر 17 عاما، اعتبار ما يفعله هو وأقرانه، بأنه "مخاطرة"، مؤكداً أن ذهابه إلى الحدود كل مساء، هو رسالة للعالم بأن الفلسطينيين من حقهم الدفاع عن أنفسهم.

وبينما كان ينظر صوب شبان سقطوا اختناقاً جراء كثافة الغاز المسيل للدموع في المنطقة: "تبطل (تتوقف) إسرائيل عن انتهاكاتها، واحنا (نحن) بنهدى (نهدأ)".

كذلك الحال مع الفتى سمير حميد، الذي لن يجلس أمام شاشة التلفاز لمتابعة مباريات فريقه المفضل ريـال مدريد الإسباني، إذ سيتجه برفقة أصحابه صوب الحدود نصرة للأقصى، كما يقول لوكالة الأناضول.

وهو يستعد للف الكوفية على وجهه استطرد قائلاً:" فش (لا يوجد)، اشي (شيء) أهم من الأقصى".

ويقول طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام، الصادرة من رام الله في الضفة الغربية لوكالة الأناضول إن "الفتية والشبان، في قطاع غزة، يشعرون بالحماس أمام الهبة الفلسطينية، ما يدفعهم نحو خطوط التماس لمواجهة الجيش الإسرائيلي".

ويرى عوكل، أن هذا المشهد لا يروق للجيش الإسرائيلي، مضيفاً " إسرائيل تريد أن تبقى جبهة غزة هادئة، هي لا تريد تصعيداً، وحتى حركة حماس التي تسيطر على القطاع، غير معنية بأن تتدهور الأمور، لكن هؤلاء الفتية يرون أن هذه هي وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن دفاعهم عن الأقصى ورفض الانتهاكات الإسرائيلية".