الأحد 2019/06/23

“صفقة القرن”.. خطة أمريكا لــ “بلفور” جديد

قوبلت رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية في إطار خطة أوسع لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني برفض وسخط في العالم العربي.

الرفض العربي الواسع جاء قبل يومين من انعقاد ورشة عمل اقتصادية بالعاصمة البحرينية المنامة في 25 و26 يونيو/حزيران الجاري، دعت إليها الولايات المتحدة، لبحث الجوانب الاقتصادية لـ "صفقة القرن" (خطة سلام بين فلسطين وإسرائيل) التي تعتزم أمريكا الكشف عنها نهاية الشهر الجاري.

الورشة لاقت رفضا ومقاطعة من القيادة والفصائل الفلسطينية داعية الدول العربية لمقاطعتها كافة، كما لاقت رفضا من بعض الدول العربية وسياسيين وصحفيين عرب.

"وعد بلفور" جديد

المشروع الاقتصادي الأميركي تحت مُسمى "الازدهار" يُشكل امتدادا لموقف أمريكا السياسي المنحاز بالكامل للاحتلال الإسرائيلي وسياساته، في إعادة إنتاج لمقولات ومفاهيم ومرتكزات وعد بلفور المشؤوم، بهذه العبارات ردت وزارة الخارجية والمغربين الفلسطينية على المشروع.

وأضافت الخارجية في بيان، أن المشروع لا يتحدث عن اقتصاد الدولة الفلسطينية ومقوماته، إنما يُحاول تبييض الاحتلال والاستيطان، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "يحاول تقييد الاقتصاد الفلسطيني بسلاسل الاحتلال، ويحرمه من أية فرصة للازدهار والتطور".

ولفت البيان إلى أنه يوما بعد يوم تتكشف حقيقة النوايا والمواقف الأميركية المُعادية للفلسطينيين وحقوقهم فيما يمكننا تسميته بـ "وعد ترامب المشؤوم" أو "وعد بلفور 2"، الذي ينكر وجود الشعب الفلسطيني، ويلغي الحقائق والتاريخ والجغرافيا، ويتعامل مع الشعب الفلسطيني كـ (مجموعة سكانية) وجدت بالصدفة".

من جانبه قال وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، إن الفلسطينيين لا يحتاجون لاجتماع البحرين لبناء بلدهم بل يحتاجون إلى السلام.

وأوضح بشارة على هامش اجتماع وزراء المالية العرب بالقاهرة، "تسلسل الأحداث أنه انتعاش اقتصادي من ثم يأتي سلام هذا غير حقيقي وغير واقعي"، مضيفاً "قبل كل شيء يحرروا لنا أراضينا ويعطونا الحرية".

بدورها رفضت منظمة التحرير الفلسطينية خطط كوشنر باعتبارها "كلها وعود نظرية" وأصرت على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للصراع، ولفتت إلى أن المشروع محاولة لرشوة الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي.

رفض عربي

في بيروت قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن لبنان لا يريد استثمارات على حساب القضية الفلسطينية.

وأوضح بري في بيان، إنه يخطئ الظن من يعتقد أن التلويح بمليارات الدولارات يمكن له أن يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابت غير قابلة للتصرف وفي مقدمها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة.

كما استنكر معلقون بارزون ومواطنون عاديون مقترحات "كوشنر" حيث قال المحلل المصري جمال فهمي، إن الأوطان لا تُباع، حتى مقابل كل أموال العالم، لافتا إلى أن هذه الخطة هي من بنات أفكار سماسرة العقارات لا الساسة، وأوضح أن الدول العربية التي تُوصف بأنها معتدلة غير قادرة على التعبير علنا عن دعمها“.

من جانبه قال سركيس نعوم المعلق بجريدة النهار اللبنانية، إن هذه الخطة الاقتصادية، مثلها مثل غيرها، لن تنجح لأنها بلا أساس سياسي.

وتحدث السياسي الأردني الكبير السابق جواد العناني عن حالة الشك واسعة النطاق بعد قراري ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، وأوضح أن "هذا نهج غير متوازن يفترض أن الفلسطينيين هم الجانب الأضعف وهم الذين يمكن أن يستسلموا للضغط بسهولة أكبر.. هذه نكسة كبرى للمنطقة بأسرها".

من جانبه قال عزام الهنيدي نائب المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، إن الخطة الاقتصادية تمثل بيع فلسطين تحت راية الازدهار مقابل السلام دون إعادة الأرض وإن دول الخليج العربية تتحمل الجزء الأكبر من الأموال، مشيرا إلى أنها صفقة بأموال عربية.

وقال صفوان المصري، الأستاذ بجامعة كولومبيا، إنه من المضلل أن نقول إن هذه الخطة اقتصادية بحتة لأنها لها بعد سياسي له آثار تتعارض مع الطموحات السياسية، مضيفا "جزء كبير من الخمسين مليار دولار سيذهب إلى الدول المجاورة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك البلدان".

أما مهند الحاج علي، عضو في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، أكد أن المشروع سيفشل فشلا ذريعا بينما سيفيد خصوم الولايات المتحدة في المنطقة" في إشارة إلى إيران.

ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، وصف المشروع الأمريكي بأنه مضحك وغير واقعي، موضحا "فكرة الانتقال من الأرض مقابل السلام إلى المال مقابل السلام تمثل إهانة للقضية الفلسطينية... من الواضح جدا أن فكرة كوشنر تتمثل في دفع أموال مقابل موافقة الفلسطينيين على استيلاء إسرائيل على جميع أراضيهم وعدم تقديم تنازلات للفلسطينيين بشكل أساسي".

كذلك توقع الباحث الكويتي ميثم الشخص أن تعجز واشنطن عن تنفيذ الخطة من خلال الدبلوماسية وقد يتعين عليها فرضها بالقوة، مضيفا "أعطى (ترامب) إسرائيل القدس والجولان، وفي كل يوم يقدم لهم هدايا على حساب العرب".

أما أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله قال إن للفلسطينيين الحق في رفض خطة كوشنر لأنها لا تلبي الحد الأدنى من تطلعاتهم، وأوضح أن الخطة ليست مستساغة لدى الجمهور الأوسع في المنطقة، وستكون عملية بيع بثمن بخس لقضية عادلة..

وأضاف "عبدالله" أن دول الخليج ستواجه صعوبة في فرضها على الفلسطينيين.، لافتا "ستواجه صعوبة في إقناع الفلسطينيين... هذا ليس ما يتوقعه الناس بعد سنوات من الصراع والكفاح".

قبول محدود

رئيس المؤسسة العربية التي تدعم السياسات السعودية، علي الشهابي قال في تغريدة على "تويتر"، إن السلطة الفلسطينية مخطئة في رفض الخطة دون بحثها، مضيفا "يجب أن تقبلها وتعمل على وصول المنافع لشعبها ثم تمضي قدما بقوة في العمل السلمي... للبحث عن الحقوق السياسية“.

كذلك انتقد رجل الأعمال الإماراتي البارز خلف أحمد الحبتور رفض الفلسطينيين الذهاب إلى البحرين، قائلا "هذه المقاربة... قصيرة النظر في أفضل الأحوال، وانهزامية في أسوأها" مضيفا "لا ضير من الاستماع إلى الطروحات التي ستُقدَّم على طاولة البحث".

الحاضرون والغائبون

الرياض بررت مشاركتها بأنها "استمرار لمواقفها الثابتة والداعمة للشعب الفلسطيني، ولما يحقق له الاستقرار والنمو والعيش الكريم، ويحقّق آماله وطموحاته"، على الرغم من مقاطعة الفلسطينيين أنفسهم لهذا المؤتمر.

أما الإمارات فقد رحبت وزارة خارجيتها بالمؤتمر، وأكدت مشاركتها من منطلق "موقفها السياسي بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

وسيكون من ضمن الحضور أيضاً، ممثل عن الأمم المتحدة، حيث ستوفد نائب منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط جيمي ماكغولدريك، لحضور الورشة.

وحسم الأردن موقفه متأخراً، بعد جدل حول مشاركته، فأعلن السبت 22 يونيو/حزيران 2019، أنه سيوفد نائب وزير المالية لحضور المؤتمر، مبرراً حضوره بأنه سيرسل من خلال مشاركته، رسالة توضح "موقف الأردن الراسخ والواضح بأنه لا طرح اقتصادياً يمكن أن يكون بديلاً لحل سياسي يُنهي الاحتلال ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق".

مصر تأخرت أيضا في الإعلان عن مشاركتها، قبل أن تُعلن عبر وكالة أنباء الشرق الأوسط، أنها سترسل وفداً برئاسة نائب وزير المالية، للمشاركة في مؤتمر البحرين.

العراق أعلن رفضه للمؤتمر عبر بيان لوزارة الخارجية، مؤكداً أن العراق يتمسك بموقفه الثابت والمبدئي تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

من جانبها، أكدت بيروت أنها لن تشارك في ورشة البحرين، «لأن الفلسطينيين لن يشاركوا فيها»، مضيفة أنه لا توجد لديها أي فكرة واضحة عن الخطة المطروحة للسلام، ولم تتم استشارتها بشأنها.

فيما لا يزال الغموض يكتنف مشاركة كل من قطر والكويت وسلطنة عمان في هذا المؤتمر، حيث لم تصدر بعدُ أي بيانات رسمية تؤكد أو تنفي مشاركتها.

وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية ستحضر الاجتماع فإن الخطة أثارت انتقادات بوصفها محاولة للتحايل على المطالب الفلسطينية المتعلقة بإقامة دولة مستقلة على أراض احتلتها إسرائيل في 1967.

وفي حين أُحيطت الخطوط العريضة للخطة السياسية بالسرية، يقول مسؤولون اطلعوا عليها إن كوشنر تخلى عن حل الدولتين، وهو الحل الذي يلقى قبولا في العالم منذ فترة طويلة ويشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى جانب إسرائيل.