الأربعاء 2020/05/27

رويترز: هكذا غيرت إيران سياستها بالعراق بعد مقتل “سليماني”

قالت وكالة رويترز في تقرير لها، إن إيران بدأت "تغير نهجها" تجاه سياستها بالعراق، منذ مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري "قاسم سليماني"، بغارة أمريكية قرب مطار بغداد، مطلع العام الجاري.

وأوضحت الوكالة أن دبلوماسيين اثنين "يعكفان في الخفاء" على قيادة جهود إيران للتأثير في السياسة بالعراق، في تحول عن أسلوب فرض الإرادة الأكثر صرامة الذي كان ينتهجه "سليماني"، وكان هدف الأساليب التوافقية – بحسب ما ذكره ثلاثة مسؤولين إيرانيين بارزين للوكالة- هو كسر الجمود السياسي في بغداد، حيث تتصارع إيران مع الولايات المتحدة على النفوذ منذ نحو عقدين من الزمن، وأيضاً تسريع رحيل قرابة 5000 جندي أمريكي من العراق.

ونقلت رويترز عن مسؤول إيراني رفيع المستوى (طلب عدم الكشف عن اسمه): "أحياناً ينبغي لك أن تأخذ خطوة إلى الخلف، وتراقب وتخطط بناء على الحقائق على الأرض". وأضاف: "نحن نريد أن يرحل الأمريكيون عن المنطقة. إذا كانت هناك فوضى في العراق... سيستغلها الأمريكيون ذريعة لتمديد بقائهم".

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن لا تتدخل في السياسة العراقية.

واقتربت واشنطن وطهران من حافة الحرب في وقت سابق هذا العام بعد هجمات صاروخية على قواعد عراقية تستضيف قوات أمريكية وضربات جوية أمريكية على فصائل مسلحة، منها ضربة جوية قتلت سليماني في يناير كانون الثاني في بغداد.

وكان "سليماني" يوجّه الحلفاء السياسيين في العراق ويخوض أربع حروب بالوكالة في الشرق الأوسط، وسعى لفرض إرادته على السياسة في بغداد. ومنذ مقتله، أجرى المسؤولون الإيرانيون محادثات جادة مع الرئيس العراقي برهم صالح للمرة الأولى منذ سنوات، بهدف بناء الثقة، وضغطوا على حلفاء إيران الشيعة للتوصل إلى حل وسط لإنهاء جمود حال دون تشكيل حكومة مستقرة.

غير أن بعض المصادر العراقية – بحسب رويترز- حذرت من أن المسؤولين الذين يأتون إلى العراق تربطهم أيضاً صلات بالحرس الثوري، ويمتلكون سنوات من الخبرة في التعامل مع الشؤون العراقية، ونفوذاً كبيراً على كثير من الفصائل السياسية والمسلحة.

رئيس وزراء جديد:

كانت النتيجة الأبرز على الإطلاق للنهج الإيراني الجديد تعيين البرلمان هذا الشهر رئيس الوزراء الجديد "مصطفى الكاظمي"، مدير المخابرات السابق الذي تنظر إليه بعض الجماعات المتحالفة مع إيران "بعين الريبة" بسبب "علاقاته الودية" مع الولايات المتحدة.

وقال مسؤول عراقي رفيع للوكالة نفسها، إن الرئيس "صالح" عارض المرشحين المفضلين للأحزاب المتحالفة مع إيران لخلافة "عبد المهدي"، الذي أطاحت به الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ تشرين الأول أكتوبر الماضي، باعتبارهم "مثيرين للشقاق" بدرجة كبيرة بالنسبة للسنة والأكراد.

وفي مارس آذار قام "علي شمخاني" أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بزيارة رسمية تناول خلالها الطعام مع "صالح" في القصر الرئاسي.

وقال مسؤول آخر: "بعد زيارة شمخاني، سارت الأمور أكثر سلاسة". وأضاف: "أظهرت إيران أنها مستعدة للعمل مع إبداء بعض الاحترام للسيادة العراقية، ومستعدة لترك العراق يختار حكومته".

وجاهر فصيل مسلح بالإشارة إلى أن "الكاظمي" ضالع في مقتل سليماني في ضوء توليه رئاسة جهاز المخابرات العراقي الذي أسسه الأمريكيون بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين، وقال جهاز المخابرات في بيان إن هذا الاتهام "باطل".

وفي منزل قيادي شيعي في بغداد قبل ساعات من تصويت البرلمان على حكومة الكاظمي، أقنع "حسن دانائي فر" المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية و"إيرج مسجدي" السفير الإيراني الحالي في العراق، رؤساء أحزاب وقادة الفصائل شبه العسكرية الموالية لطهران بدعم الكاظمي.

وقال مسؤول بفصيل مسلح مقرب من منظمة "بدر" ذات النفوذ في العراق تلقى إحاطة بشأن الاجتماع: "كانت رسالة الوفد الإيراني واضحة.. الكاظمي هو الخيار الوحيد المتبقّي للحفاظ على بعض الاستقرار في العراق ولحفظ ماء الوجه".

المخاطر لا تزال قائمة:

قال نائب عن حزب "الدعوة" الذي هيمن على الحكومة العراقية حتى عام 2018 إن بعض الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق لا تثق في الكاظمي، بسبب تصورات عن قربه من واشنطن عدو طهران اللدود.

فعلى الرغم من أن "دانائي فر" و"مسجدي" فعلا ما يكفي لكسب الأصوات اللازمة لتنصيب الكاظمي، فإن بعض الفصائل المسلحة تقول إنها لا تزال تشعر بالمرارة ويساورها الشك.

وقالت "كتائب حزب الله" التي تدعمها إيران ووَجَّهت الاتهام الخاص بمقتل سليماني، إن طهران مارست "ضغطاً هائلاً" في سبيل الموافقة على الكاظمي.

وشبَّه "جواد الطليباوي" وهو مسؤول في "عصائب أهل الحق" المدعومة من إيران، الموافقة على الكاظمي بـ"الإجبار على أكل جيفة". في إشارة إلى أنهم مضطرون إلى ذلك تحت الضغط.

ويعزو بعض المسؤولين العراقيين موقف إيران "الأكثر مرونة" إلى ضغوط العقوبات الأمريكية وانتشار فيروس كورونا على نحو مدمّر فيها ومقتل سليماني.

وعندما أصبح الكاظمي رئيساً للوزراء مددت الولايات المتحدة إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران أربعة أشهر، بما يسمح لبغداد باستيراد موارد الطاقة الإيرانية، وهو ما يمثل شريان حياة اقتصادياً لطهران، وقالت واشنطن إن هذا التنازل يهدف إلى دعم الحكومة الجديدة.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول غربي، أن طهران ترغب على ما يبدو في الحد من التوتر العسكري مع الولايات المتحدة "في الوقت الحالي"، لكن نزعتها التوسعية في المنطقة حيث يوجد حلفاء لها في لبنان وسوريا واليمن، لا تشير إلى تهدئة شاملة للتوتر.