الأثنين 2020/08/17

بعد 15 عاما.. محكمة اغتيال الحريري تطلق حكمها اليوم

في 14 فبراير/ شباط 2005، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.

ومنذ 15 عاما والعمل مستمر لتحديد ومحاكمة من يوقف وراء اغتياله، عبر تفجير هائل استهدف موكبه في العاصمة بيروت.

لذلك تم اللجوء إلى محكمة دولية، في مدينة لاهاي بهولندا، لمعرفة التفاصيل الكاملة لعملية الاغتيال.

وكان مقررا صدور الحكم في 7 أغسطس/ آب الجاري، لكن المحكمة أجلته إلى الثلاثاء (18 من الشهر نفسه)، مراعاة لتداعيات انفجار مرفأ بيروت في الرابع من هذا الشهر.

وتتهم المحكمة في اغتيال الحريري عناصر من مليشيا "حزب الله" اللبنانية، حليفة نظام الأسد وإيران.

وقال زعيم مليشيا "حزب الله"، حسن نصر لله، في خطاب الجمعة، إن الجماعة ستتعامل مع قرار المحكمة "وكأنه لم يصدر".

فيما وصل سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، إلى لاهاي الإثنين، للمشاركة في جلسة النطق بالحكم في اغتيال والده.

وتم اغتيال الحريري في فترة كان فيها نظام الأسد، حليف "حزب الله"، يمارس وصاية على لبنان، لكن بعد شهرين من اغتياله، وتحت ضغط احتجاجات لبنانية شعبية، اضطرت قوات الأسد إلى مغادرة لبنان، بعد 29 عاما من التواجد على أراضيه.

** المحكمة

المحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة ذات طابع دولي، ويوجد مقرها الرئيسي في إحدى ضواحي لاهاي، ولها مكتب في بيروت.

وهي أول محكمة في العالم للتحقيق في قضية اغتيال، وأول محكمة تتناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها.

وتعمل المحكمة بمقتضى نظام هجين مستمد من القانون الجنائي اللبناني وقضاء لبناني- دولي مختلط.

والولاية الرئيسية للمحكمة هي محاكمة المتهمين بتنفيذ التفجير، الذي أسقط 23 قتيلا، بينهم الحريري.

وأُنشئت المحكمة في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2005، بناءً على طلب قدمته الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة.

وتوصل لبنان والأمم المتحدة إلى اتفاق بشأن المحكمة جعلته المنظمة الدولية نافذا من خلال إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا برقم 1757.

ودخل قانون إنشاء المحكمة حيز التنفيذ في 10 يونيو/ حزيران 2007، وعقدت أولى جلساتها العلنية بلاهاي، في مارس/ آذار 2009.

وهذه المحكمة هي هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين، وليست تابعة للأمم المتحدة ولا جزءا من النظام القضائي اللبناني، غير أنها تقضي بموجب قانون العقوبات اللبناني.

وتتألف هذه المحكمة من 4 أجهزة، هي: الغرف، الإدعاء، مكتب الدفاع وقلم المحكمة، وفقا للموقع الإلكتروني للمحكمة.

وتضم 4 غرف بها 12 قاضيا موزّعين على النحو التالي:

- قاضي الإجراءات التمهيدية: قاضٍ دولي واحد

- غرفة الدرجة الأولى: قاضٍ لبناني واحد وقاضيان دوليان، إضافة إلى قاضيين رديفين (أحدهما لبناني والآخر دولي) يمكن أن يعملا بجانب قضاة غرفة الدرجة الأولى أو بدلا عنهم.

-غرفة الدرجة الأولى: قاضٍ لبناني واحد وقاضيان دوليان.

- غرفة الاستئناف: قاضيان لبنانيان و3 قضاة دوليين.

ويتولّى مكتب المدعي العام مهمة التحقيق في القضيّة، ويرأسه المدعي العام، الكندي نورمن فاريل.

ويسترشد المدعي العام في قراراته أيضًا بالنظام الأساسي للمحكمة وقواعد الإجراءات والإثبات والمعايير القانونية المعترف بها دوليًا، وكذلك الأدلّة.

يقوم مكتب الدفاع بحماية وتعزيز حقوق المشتبه بهم والمتهمين ومحاميهم. وهو لا يمثّل المتهمين، لكنه يضمن لهم معاملة عادلة.

فيما يتولّى قلم المحكمة مهام حسن إدارة المحكمة وخدمتها، مثل: إدارة قاعة المحكمة، وإيداع المستندات، وإجراءات المحكمة، ومحاضر الجلسات، والمحافظة على سجلات المحكمة، وتجهيز طلبات التعاون القضائي.

** التمويل

تشكل المساهمات الطوعية من دول 51 بالمائة من تمويل المحكمة، ويساهم لبنان بالنسبة المتبقية.

** الاختصاص

للمحكمة "ﺍختصاص على ﺍﻷشخاص المسؤولين عن الهجوم الذي وقع في 14 فبراير/ شباط 2005، وأدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وإلى مقتل أو إصابة أشخاص آخرين".

ويشمل الاختصاص كذلك اعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2004 و12 ديسمبر/ كانون الأول 2005، إذا تبين أنها مرتبطة بأحداث 14 فبراير/ شباط ومماثلة لها من حيث طبيعتها وخطورتها.

وولاية المحكمة تجيز لها أيضا ممارسة الاختصاص على جرائم ارتُكبت في أي تاريخ لاحق، ويقرر ذلك الطرفان (لبنان والأمم المتحدة) وبموافقة مجلس الأمن، إذا كانت هذه الجرائم مرتبطة باعتداء 14 فبراير/ شباط 2005.

** سير المحاكمة

في 18 يناير/ كانون الثاني 2011، أعلن رئيس قلم المحكمة، هرمان فون هايبل، أن المحاكمة يمكن أن تبدأ في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه بـ"وجود أو غياب المتهمين".

جاء ذلك بعد أن قدم المدعي العام للمحكمة، دانيال بيلمار، في 17 يناير/ كانون الثاني 2011، إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين، مسودة القرار الظني (الاتهام)، الذي "سيبقى سريا في هذه المرحلة".

وشدد بيلمار على أنه "من تمت تسميتهم بالقرار الظني أبرياء حتى إثبات التهمة عليهم".

وفي 6 مايو/ أيار 2011، أعلن المكتب الإعلامي للمحكمة أن بيلمار أودع لدى قاضي الإجراءات التمهيدية قرارا اتهاميا "معدلا" هو الثاني من نوعه يحل محل قرار الاتهام الموسع المؤرخ في 11 مارس/ آذار 2011، بسبب إضافة عناصر أساسية جديدة إليه لم تتوفر لدى المدعي العام من قبل.

وأفادت تقارير صحفية بأن بيلمار يتهم عناصر من "حزب الله"، ما أدى إلى تأزم العلاقات السياسية بين شركاء الحكم في لبنان، وانسحاب 11 وزيرا من "حزب الله" وحلفائه من حكومة سعد الحريري، التي سقطت في يناير/ كانون الثاني 2011، بعد أن فقدت نصابها القانوني.

وحسب نص الاتهام، فإن مصطفى بدر الدين (ولد في 1961) وسليم عياش (ولد في 1963)، وهما مسؤولان عسكريان في "حزب الله"، دبرا ونفذا الخطة التي أدت إلى مقتل الحريري و22 آخرين، بينهم منفذ الاعتداء، وإصابة 226 شخصا.

كما يتهم الإدعاء العام، وفق نص الاتهام، العنصرين الأمنيين حسين عنيسي (ولد في 1974) وأسد صبرا (ولد في 1976) بتسجيل شريط فيديو مزيف، تضمن تبني الجريمة باسم مجموعة وهمية أطلقت على نفسها اسم "جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام".

وفي 30 يونيو/ حزيران 2011، سلمت المحكمة القرار الاتهامي إلى النائب العام اللبناني، سعيد ميرزا، وتضمن 4 مذكرات توقيف بحق المتهمين الأربعة.

وجاء الإعلان عن تسليم القرار الاتهامي إلى السلطات اللبنانية غداة إعلان الحكومة اللبنانية توصلها إلى صيغة "مقبولة من جميع الأطراف" حول فقرة متعلقة بالمحكمة الدولية، وهي الفقرة الأكثر حساسية في البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، التي شُكلت في 13 يونيو/ حزيران 2011.

وتتم محاكمة المتهمين غيابيا لعدم تمكن السلطات اللبنانية من القبض عليهم، بعد أن وصف حسن نصر الله قرار المحكمة الاتهامي بأنه سياسي، واعتبر أن توقيت صدوره يستهدف إثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسُنة.

بينما دعا سعد الحريري (سُني) "حزب الله" (شيعي) إلى التعاون مع المحكمة؛ بما يؤدي إلى تسليم المتهمين، والكف عن ما وصفها بسياسة "الهروب إلى الأمام".

وقدَّم المدعي العام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، في 17 يناير/ كانون الثاني 2011، قرار الاتهام الأصلي الصادر بحق سليم عياش، وحسين عنيسي، وأسد صبرا، ومصطفى بدر الدين.

ولاحقا، عُدِّل قرار الاتهام نتيجة لمستجدات متصلة بالقضية، منها ضم قضية عياش وآخرين وقضية حسن مرعي (متهم آخر) ووفاة بدر الدين، في مايو/ أيار 2016.

في 16 فبراير/ شباط 2011، أصدرت غرفة الاستئناف قرارًا بعنوان "قرار تمهيدي حول القانون الواجب التطبيق". وكانت تلك المرة الأولى التي تعرِّف فيها محكمة دولية جريمة الإرهاب في إطار القانون الدولي العرفي.

وعملًا بقرار سرّي أصدره قاضي الإجراءات التمهيدية، في 5 أغسطس/ أب 2011، انعقد الاختصاص للمحكمة من أجل النظر في ثلاث قضايا تبيّن أنها ترتبط باعتداء 14 شباط/فبراير 2005، وهي: الاعتداءات الّتي استهدفت السياسيين اللبنانيين مروان حمادة، وجورج حاوي، والياس المر. وما زالت هذه القضايا قيد التحقيق.

وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2014، بدأت المحاكمة في قضية عياش وآخرين بتصريحات قدَّمها الإدعاء والممثل القانوني للمتضررين، ومحامو الدفاع عن بدر الدين وعنيسي.

وطلبت غرفة الدرجة الأولى، في 11 فبراير/ شباط 2014، ضمّ قضية عياش وآخرين وقضية مرعي.

وأُرجئت إجراءات المحاكمة ليُتاح لمحامي مرعي الوقت اللازم للتحضير للمحاكمة.

ثم استؤنفت المحاكمة في 18 يونيو/حزيران 2014.

وتوافرت تقارير عن مقتل بدر الدين خلال مشاركته بجانب قوات النظام في الحرب بسوريا.

وفي 11 يوليو/ تموز 2016، أعلنت غرفة الاستئناف بالمحكمة أنه توافرت أدلة كافية يُستنتج منها أنه توفى بالفعل.

وطلبت غرفة الاستئناف إنهاء الإجراءات القائمة بحقه دون المساس بإمكانية مواصلتها، إذا تبين لاحقا أنه على قيد الحياة.

وفي اليوم التالي، أُودع قرار اتهام معدَّل.

وفي 13 مارس/ آذار 2018، قدّمت المحكمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية التقرير السنوي التاسع للمحكمة، ويغطي فترة عملها من 1 مارس/ آذار 2017 إلى 28 فبراير/ شباط 2018.

وقالت رئيسة المحكمة، القاضية إيفانا هردليشكوفا، إن المحكمة "أحرزت إنجازات تشكل معالم رئيسية في عملها، وسجّلت تقدما ملموسا في الفترة التي يغطيها التقرير، بما في ذلك اختتام المدعي العام عرض أدلته الرئيسية في قضية عياش وآخرين وتقديم الأدلة بالوكالة عن المتضررين من اعتداء 14 فبراير/ شباط 2005".

وذكرت غرف المحكمة في التقرير أن إجراءات المحاكمة في قضية عياش وآخرين "اقتربت من مراحلها الأخيرة".

وأكمل الإدعاء عرض أدلته الرئيسية في اتهام عياش وآخرين بالمسؤولية الجنائية عن اغتيال الحريري.

وفي تطور مهم آخر، قدم المدعي العام، في 21 يوليو/ تموز 2017، قرار اتهام سريا إلى قاضي الإجراءات التمهيدية لتصديقه.

وفي أغسطس/ آب 2018، أعلنت المحكمة أن غرفة الدرجة الأولى حددت موعد المرافعات الختامية في قضية الإدعاء ضد عياش وآخرين بيوم 11 سبتمبر/ أيلول 2018، على أن تنتهي في 21 من الشهر نفسه.

وانتهت المرافعات الختامية في قضية عياش وآخرين بعد 9 أيام من الجلسات، أي في الموعد المحدّد.

وقدّمت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة إشعارا بأنها ستصدر حكمها في قضية عياش وآخرين خلال جلسة علنية منتصف مايو/ أيار 2020.

وقالت إنه نظرا للظروف السائدة بسبب جائحة "كورونا" ستحدّد غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة تاريخ النطق العلني بالحكم في قضية عياش وآخرين في أقرب وقت ممكن. وهو ما تحدّد حينها في 7 أغسطس/ أب 2020.

لكنّ غرفة الدرجة الأولى قررت تأجيل النطق بالحكم "احترامًا للأعداد الكبيرة من ضحايا الانفجار المدمِّر الذي هز بيروت في 4 آب/أغسطس (2020)، ومراعاةً لإعلان الحداد العام لثلاثة أيام في لبنان".

وستصدر غرفة الدرجة الأولى الحكم في اغتيال الحريري الساعة 11:00 بتوقيت وسط أوروبا من صباح الثلاثاء 18 أغسطس/ أب 2020.

وثمة ترقب شديد لحكم الثلاثاء، سواء خارج أو داخل لبنان، الذي يعاني أوضاعا متردية للغاية، جراء أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث واستقطاب سياسي حاد.

كما تتواصل، منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية غير مسبوقة ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبرت حكومتين على الاستقالة، وتصرف الأخيرة الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.