الأحد 2020/09/13

بعد تقليص واشنطن قواتها بالعراق.. مخاوف من تزايد نفوذ مليشيات إيران

لا تخفي إيران سعادتها بتخفيض الولايات المتحدة لأعداد قواتها في العراق، فهذا بحسب المراقبين سيعطيها مع الأحزاب والميليشيات الموالية لها مزيدا من النفوذ والسيطرة، ولاسيما بعض الضربات الموجعة التي تلقتها طهران هناك بمقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني وخروج الاحتجاجات الشعبية ضدها في العديد من المدن العراقية.

وكانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في وقت سابق خفض قواتها في العراق، بمقدار النصف من حوالي 5200 إلى 3000 جندي خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري.

وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي من بغداد إنه و"بعد الاعتراف بالتقدم الكبير الذي أحرزته القوات العراقية والتشاور والتنسيق مع الحكومة العراقية وشركائنا في التحالف، قررت الولايات المتحدة خفض وجودها العسكري في العراق".

وبحلول أواخر عام 2018، كان هناك ما يقدر بنحو 5200 جندي أميركي في العراق، وكانوا يشكلون الجزء الأكبر من قوات التحالف البالغ عددها آنذاك 7500، حسب مسؤولين أميركيين. ولكن الولايات المتحدة خفضت بشكل كبير حجم قواتها في الأشهر الأخيرة.

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن التقليص كان مخططا له منذ فترة طويلة بعد هزيمة تنظيم الدولة، لكنهم اعترفوا بأنه تم تسريع الجدول الزمني بسبب الهجمات الصاروخية، التي تشنها الميليشيات الموالية لطهران، وفي ظل تفشي فيروس كورونا المستجد.

ولكن السؤال يبقى عن مدى تأثير الخطوة الأميركية على نفوذ الميلشيات الإيرانية في العراق خصوصا بعد الارباك الذي حدث في صفوفها إثر قتل قاسم سليماني ورئيس "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس في غارة أميركية بداية العام الحالي.

في الحقيقة أكد الكثير من المحللين العراقيين أن الميليشيات الموالية لطهران تملك بالأساس نفوذا كبيرا لدرجة أن مجرد انتقادها أو توجيه لوم بسيط إلى أحد قادتها قد يكون ثمنه القتل والاغتيال بكل بساطة.

وفي حديث إلى موقع "الحرة" أوضح المحلل السياسي علي البيدر أنه كلما ازدادت عمليات انسحاب القوات الأميركية من العراق، زادت معها نسبة نفوذ المليشيات المسلحة في البلاد، مضيفا أن هذا يتسبب في المزيد من الفوضى الأمنية في البلاد و"ميوعة" القرار الأمني لدى الأجهزة الأمنية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) ولاسيما جهاز مكافحة الإرهاب.

وأشار البيدر إلى أن المكون السني لديه مخاوف مشروعة بشأن الانسحاب الأميركي من بلاده، وذلك بسبب تحكم الميليشيات الموالية لإيران بمناطقه وسيطرتها على الأوضاع الأمنية هناك.

وتابع: "مناطق السنة تخلصت من احتلال داعش لتقع تحت احتلال ميلشيات أخرى لديه أجندات خاصة وتقوم بأعمال اعتقال وقتل خارج إطار القانون".

وأضاف: "مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في البلاد، فإن منسوب المخاوف يرتفع لدى الطائفة السنية لأن تلك الميليشيات ستزيد من حراكها الأمني لفرض مرشحين معنيين على الناخبين بما يتوافق مع رغبات الأطراف السياسية التي ترعى تلك المجموعات المسلحة".

ونوه البيدر إلى أن المرشحين الذين سيفرض على الناخب اختيارهم سيكونون من نفس المكون السني غير أنهم سيكونون عبارة عن أداة لتحقيق مصالح تلك الميليشيات والأحزاب السياسية المرتبطة بها.

من جهته، أكد الباحث العراقي غانم العابد أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيجعل البلاد كلها تحت القبضة الإيرانية، مشيرا إلى أن هذا الانسحاب جاء مخالفا لرغبة المكونين السني والكردي في البرلمان العراقي.

وأشار إلى الميليشيات الموالية لطهران سيطرت على المقدرات الاقتصادية للمحافظات السنية بعد دحر تنظيم الدولة منها، ضاربا المثل بما حصل في الموصل التي بات يوجد فيها أكثر من 60 مكتبا اقتصاديا يتبع لتلك المجموعات المسلحة والأحزاب الداعمة لها.

وأوضح أنه جرى السيطرة على أكثر من 4 آلاف قطعة أرض زراعية وتجارية تقدر مساحتها بآلاف الدونمات، وسرقة ملايين أطنان الحديد الناجمة عن مخلفات الحرب وتهريبها، ناهيك عن سرقة النفط وتهريبه وبيعه.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، أعرب العابد عن مخاوفه كمواطن من المكون السني وابن محافظة نينوى من الـ"مساعي الهادفة لإيصال أشخاص موالين لإيران إلى قبة البرلمان والمجالس المحلية"، مؤكدا أن الحكومة المحلية في الموصل حاليا ضعيفة ولا تملك من قرارها ي شيء.

وخلص إلى أن هناك رعب يسود المناطق السنية بسبب انسحاب القوات الأميركية لأن ذلك سيكون له تبعات سياسية واجتماعية خطيرة عليهم مع "تغول" نفوذ الميلشيات الإيرانية هناك.

وفي هذا الصدد يوضح مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة جالوب الدولية منقذ داغر أن العراقيين اليوم "باتوا قادرين على نقد النظام بل وشتم رأس النظام دون أن يشعروا بخوف، لكنهم لا يجرؤون على انتقاد الميليشيات المسلحة ومن أسسها، أو يرأسها أو حتى يدعمها. ومن يجرؤ على ذلك فسيكون مصيره الاغتيال الجسدي كما حصل للباحث هشام للهاشمي، ورهام يعقوب، وتحسين أسامة، وسواهم ممن تمت تصفيتهم جسديا خلال السنة الأخيرة".

وقال الباحث العراقي في مقال رأي: " من يجرؤ على نقد سلطة الميليشيات سيتهم بالعمالة لإسرائيل أو أميركا، أو أنه صدامي بعثي، أو ربما إرهابي متطرف، أو أحد (الجواكر) الذين تمولهم السفارة الأميركية".

وتابع: "وهناك اليوم في العراق عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية الممولة من هذه الميليشيات والتي تعمل وفق توجيهات موحدة ومنسقة لمهاجمة أي كاتب ينشر أي شيء معاكس لنفوذها أو حتى يعارض التوجهات الإيرانية في العراق والمنطقة، فإيران التي أنشأت ودربت ودعمت تلك الميليشيات، باتت الخط الأحمر لجمهورية الرعب المتحكمة بالعراق وصار أي حديث عن النفوذ الإيراني أو الولائي في جمهورية الرعب الميليشياوية أشبه بنقد صدام وعائلته في جمهورية الخوف سابقا".