الثلاثاء 2020/03/10

اليمن: مخاوف طبية من انتشار واسع لفيروس «كورونا» في ظل انهيار النظام الصحي مع هيمنة الحرب وغياب مؤسسات الدولة

ارتفعت حدة المخاوف الطبية من احتمالية انتشار فيروس كورونا في اليمن على نطاق واسع إثر موجات الاقتتال الذي تعيشه أغلب المحافظات اليمنية، التي تسببت في انهيار النظام الصحي وغياب مؤسسات الدولة الطبية عن ممارسة عملها بشكل طبيعي.

وحذّر أطباء من مغبة استمرار غياب النظام الصحي الوقائي في اليمن، الذي قد يسهم في انتشار وباء كورونا بشكل سريع وكبير في أوساط اليمنيين ويتسبب في الفتك بأرواح السكان أكثر مما يسببه الحرب في الفتك بهم.

وقالوا لـ«القدس العربي»: «لا توجد أي إجراءات وقائية طبية في اليمن حتى الآن، حيث تعيش المؤسسات الطبية الحكومية على حافة الانهيار ولم تعد تعمل إلا في نطاق محدود لممارسة التطبيب في الجوانب التقليدية الروتينية، لكن العمليات الكبيرة والمعقدة أصبحت صعبة في ظل الظروف الطبية والسياسية والعسكرية والأمنية الراهنة».

وأوضحوا أن الكثير من المواطنين اليمنيين عادوا مؤخراً إلى بلادهم من مناطق الوباء في الصين أو من دول أخرى موبوءة دون أن يتم تعريضهم للكشف الطبي للتأكد من سلامتهم من فيروس كورونا، أو تحويل المصابين منهم إلى الحجر الصحي، الذي قد يستحيل إنشاء مثل هذه الخدمات العاجلة.

ويقع جزء كبير من أهم المؤسسات الطبية اليمنية تحت نفوذ مليشيا  الحوثي في مناطق سيطرتها بالعاصمة صنعاء وأغلب المحافظات الشمالية، فيما تقع مسشتفيات ثانوية تحت إدارة وزارة الصحة الحكومية في كل من تعز ومأرب وحضرموت، وبعضها الآخر تقع تحت سيطرة ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ذو التوجه الانفصالي بدعم وتمويل من الإمارات.

ولم يتم حتى الآن الإعلان عن أي إجراءات طبية عملية في اليمن للحيلولة دون انتشار وباء كورونا، واكتفت الحكومة اليمنية الشرعية بإصدار بيان ينصح اليمنيين بعدم السفر للصين وإيران، فيما مليشيا الحوثي تنتظر انتشار الوباء للاستفادة منه في الحصول على التمويلات الخارجية تحت مظلة مكافحة فيروس كورونا.

واتخذت السعودية إجراءت صارمة لمنع اليمنيين من الانتقال إلى أراضيها عبر المنفذ البري، تفادياً لنقلهم الفيروس إلى الأراضي السعودية، ومنها إغلاق منفذ الوديعة البري، وهو المنفذ الوحيد الذي يعبر من خلاله اليمنيون نحو الأراضي السعودية، بالإضافة إلى إجبار كل من يغادر من اليمنيين الأراضي السعودية إلى اليمن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى السعودية عبر هذا المنفذ البري مستقبلاً.

وكانت العديد من الأوبئة قد فتكت بحياة الكثير من اليمنيين خلال السنوات الماضية من الحرب بسبب انهيار الوضع الطبي بسبب انشغال أطراف الصراع المسلح في العمليات الحربية في اليمن، وفي مقدمة ذلك وباء الكوليرا الذي انتشر بشكل واسع خلال الأعوام من 2016 وحتى 2019، وشكل تهديداً حقيقياً على حياة اليمنيين.

وفي هذا الصدد، حذرت منظمة أوكسفام أمس الثلاثاء، من احتمالية عودة انتشار وباء الكوليرا خلال موسم الصيف المقبل الذي يكثر فيه هطول الأمطار، ويُهدد بارتفاع عدد حالات الإصابة بوباء الكوليرا في اليمن.

وقال مدير مكتب منظمة أوكسفام في اليمن، محسن صدّيقي، في بيان رسمي، إن تفشي وباء الكوليرا خلال العام الماضي في اليمن كان يعد في المستوى الثاني على الإطلاق على الصعيد العالمي، ولا تزال الحالات في تزايد مستمر ومرشحة للمزيد.

وأوضح أن اليمن يعاني حاليّاً من أزمة كوليرا وصفتها بـ«الأزمة المنسية»، حيث إن عدد الأشخاص المصابين بالوباء قد يتصاعد مع اقتراب موسم هطول الأمطار في نيسان/أبريل المقبل دون توفر الإمكانيات اولاستعدادات الطبية لمكافحة هذا الوباء. وأضاف مدير منظمة أوكسفام أن «أنظمة الرعاية الصحية على وشك الانهيار وأن المحافظات التي تقع شمال البلاد (تحت سيطرة الحوثيين) في خطر كبير بسبب شح المياه هناك». وقال: «إن التوقعات قاتمة بالنسبة للناس في اليمن، حيث ما زالت حالات الكوليرا بمستويات مماثلة للعام الماضي، كما أن موسم الأمطار من المُحتمل أن يتسبب في وقوع آلاف الإصابات المُحتملة». ووصفت أوكسفام انتشار وباء الكوليرا في اليمن بأنه «أزمة صحية مُختبئة على مرأى ومسمع الجميع. إنه لأمر مروّع أن تحظى هذه الأزمة المستمرة على هذا القدر القليل من الاهتمام».

وحذّر مسؤول منظمة أوكسفام من مغبة الصمت العالمي جراء ما يجري في اليمن من تدهور للوضع الطبي، وقال: «نحن بحاجة ماسة إلى تحرك عاجل من قبل المجتمع الدولي لضمان الوصول الآمن الذي لا تشوبه أي عوائق للمساعدات الإنسانية، وكذلك لجمع كافة الأطراف معاً من أجل الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار على المستوى الوطني».

وأشار إلى أن الجهود المبذولة للتغلب نهائياً على وباء الكوليرا قد تقوضت بشكل كبير بسبب موجات الحرب التي دمرت أنظمة الصحة والمياه والصرف الصحي، كما أن الإمدادات الطبية تُعاني من نقص حاد ومُزمن، بالإضافة إلى انهيار نحو نصف المرافق الصحية في اليمن بسبب الحرب الراهنة في البلاد.