الأحد 2015/10/25

الفيتو الأمريكي يهدد مقترحًا فرنسيًا بإرسال مراقبين إلى الأقصى

بادرت الحكومة الإسرائيلية برفض مقترح فرنسي، طُرح مؤخرا لدى الأمم المتحدة، يقضي بإرسال مراقبين دوليين إلى القدس، ويرى مراقبون أن الفيتو الأمريكي يتأهب لإجهاض أية محاولات عربية أو دولية لاعتماد المشروع.

وانطلاقا من رؤيته لثوابت السياسة الإسرائيلية، يؤكد كبير مراسلي إذاعة فرنسا الدولية "كريستيان شينو" أن الحكومة الإسرائيلية "ترفضُ أيّ وجودٍ لقوةٍ غير إسرائيلية مهما كانت صفتها، خشية الذهاب أبعد من ذلك إلى عمليةٍ لتقاسم القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي خطٌ إسرائيلي أحمر، حتى لو كان ذلك يخالف القانون الدولي".

ويُضيفُ شينو المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في حديث خاص للأناضول "سَبقَ لإسرائيل أنْ رفضت تدويل قضية الأماكن المقدسة في القدس مُنذُ ضمّها إلى إسرائيل، واعتبارها (القدس) عاصمةً موحدةً وأبديةً لدولتها، لهذا رفضت المشروع الفرنسي وسترفضُ مستقبلاً أيّ مشروعٍ مماثل".

ومع كثرة الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، "لمْ تَعدْ للقضية الفلسطينية الإسرائيلية أولوية متقدمة في جدول اهتمامات المجتمع الدولي، أو الدول الكبرى مثل فرنسا، التي تُعطي الأولوية في الوقت الراهن لملفي سوريا والعراق بعد صعود تنظيم داعش، وما قد يُشكلّه من تهديدٍ جدِّي من جهة، والتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا من جهةٍ أخرى؛ لذلكَ لا يمكن الرهان على نجاح المشروع الفرنسي، وسيبقى حبراً على ورق"، حسب تعبير شينو.

وقلّل كبير مراسلي الإذاعة الفرنسية من أهمية أيّ جهدٍ عربي أو إسلامي أو دولي لتمرير مشروع القرار؛ وشدّد "على انعدام أيّة فرصةٍ لاعتماد المشروع الفرنسي بسبب "الموقف الأمريكي الواضح الذي يُشيرُ إلى نيتها المؤكدة في استخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاط المشروع حالَ طرحه للتصويت".

في ختام حديثه اعتبر شينو، المشروع الفرنسي بمثابة "رسالة من حكومة هولاند لإظهار استمرار الاهتمام الفرنسي بملف القضية الفلسطينية الإسرائيلية بعد تراجع اهتمام المجتمع الدولي المشغول بملفاتٍ أكثر سخونة في منطقة الشرق الأوسط"، حسب رأيه.

وانتقدت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيانٍ لها، الأحد 18 تشرين الأول/ أكتوبر، اطلعت "الأناضول" على نسخةٍ منهُ، الاقتراح الفرنسي الذي رأتْ فيه "مكافأةً فرنسيةً للإرهاب الذي بدأهُ الفلسطينيون"، حسب تعبير البيان؛ وفي اليوم التالي استدعت السفير الفرنسي باتريك ميزونيف، دون توضيح الأسباب الرسمية للاستدعاء.

"لكنّ هذا الاستدعاء لنْ تكونَ له تداعياتٌ سلبيةٌ على العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، حتى وإنْ مرت أو تمرُ بفتراتٍ من التوترِ أو البرود، لكنّها ستظلُ علاقاتٍ جيدة أساسها حرص الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على عدم الإساءة إلى إسرائيل مع تبنّيهِ لسياسة سلفهِ نيكولاي ساركوزي المُتمثلة في الدعوة إلى حلّ الدولتين"، بحسب "جورج مالبرونو" محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة لوفيغارو الفرنسية في اتصال مع الأناضول.

وسبقَ لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنْ أعلنَ رفض إسرائيل للمشروع الفرنسي فور الإعلان عنه "لأنّه لا يتضمن أيّة إشارةٍ إلى حضّ الفلسطينيين على العنف"، لكنّ مالبرونو يرى أسباباً أخرى غير تلك التي أشار إليها نتنياهو، من منطلق رؤيةٍ إسرائيليةٍ "ترفضُ وجودَ أيّة قوّة أجنبيةٍ لمهامَ متعلقة بجوانبَ أمنيةٍ على ما تعتبرها أراضيها، حتى لو كانت قوّة مراقبين مدنيين مَهمَّتها فقط مراقبة الانتهاكات في باحات الأقصى، كما يدعو مشروع القرار الفرنسي".

ويرى محرر صحيفة "لوفيغارو" أنه بالإضافة إلى الموقف الأمريكي المساند لإسرائيل تاريخياً، تلعبُ عوامل داخلية أخرى دوراً في توقُع استخدام الولايات المتحدة الفيتو ضدّ المشروع الفرنسي بتوقيتٍ يتزامن مع "دخول الولايات المرحلة مرحلة السباق الرئاسي للوصول إلى البيت الأبيض، وليس ثمّة مرشح رئاسي على استعداد لتحمل مخاطر تنفير الناخبين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل".

"لذلك تسعى فرنسا من خلال طرحها مشروع القرار إلى نزعِ فتيل التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين تمهيداً لكسرِ الجمود في عملية السلام"، كما يقول جورج مالبرونو، الذي يرى أنّ فرنسا "لا تؤمنُ كثيراً في إمكانية أنْ يكون نتنياهو صانع سلام، لكنّها لا تصرحُ بهذا علناً، مع أنّها طرحت مقترحاتٍ عدّة في الأشهر الأخيرة أغضبت الإسرائيليين كثيراً".

لكنّ الباحث الإعلامي الفلسطيني "ماجد عزام" كان له رأيٌ آخر في احتمالية اعتماد المشروع الفرنسي، وقال "إمكانية مواجهة الموقف الأمريكي الرافض للمشروع الفرنسي، كما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي الإثنين الماضي بعد لقاءٍ جمعهُ برئيس الحكومة الإسبانية، من خلال استغلال الدول العربية والإسلامية للمواقف الدولية الواسعة المؤيدة للمقترح الفرنسي في مجلس الأمنِ والجمعية العامة للأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة التي انفردتْ بتأييد الموقف الإسرائيلي الرافض للمشروع الفرنسي"، بحسبِ رأيه.

وأضاف عزام في حديث خاص إلى "الأناضول"، "فرنسا تُبدي اهتماماً واسعاً بالملف الفلسطيني، وملفاتٍ عربيةٍ أُخرى، وقد تبنّت في مجلس الأمن الدولي مواقفَ لصالح القضية الفلسطينية فيما يتعلق برفع درجة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في الأمم المتحدة من صفةِ مراقبٍ إلى دولةٍ غير كاملة العضوية؛ كما لا تزال فرنسا تسعى لتقديم مقترح إلى مجلس الأمن الدولي يتحدث عن خطوطٍ عامةٍ للتسوية في فلسطين ضمنَ سقفٍ زمني مُحدد للتوصل إلى اتفاقِ سلامٍ دائم".

وتسعى إسرائيل إلى تغيير "الوضع القائم" منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي من خلال ما يعرف بالتقسيم الزماني والمكاني، "مستغلةً انكفاء الاهتمام الدولي، والأمريكي خصوصاً، بعيداً عن قضية فلسطين، لكنّ تلك المساعي الإسرائيلية كانت وراء الهبَّة الجماهيرية الفلسطينية التي تشهدُها مدينة القدس، والتي أرغمت دولاً كبرى على التحرك، مثل فرنسا، للتأكد من عدم تغيير الوضع القائم من خلال نشر مراقبين دوليين في ساحات الأقصى ومحيطه"، بحسب عزام.

من جانبه، لا يرى أستاذ العلوم السياسية المصري "خيري عمر" في طرح المشروع الفرنسي في الأمم المتحدة أكثر من "محاولةٍ غير جادة لاحتواء التداعيات، وليسَ لحلّ الخلافات حول الأقصى".

وأضاف عمر في حديث خاص مع الأناضول "قد جرّبت السياسة الأوربية هذا الأسلوب داخل المنظمة الأممية في التعامل مع أحداث رابعة العدوية والنهضة في مصر؛ حيث دعت دول أوربية، من بينها بريطانيا، مجلسَ الأمنِ لمناقشة الأزمة، إلاّ أنّ المجلس لمْ يُحقق أيّة نتيجةٍ حتى بعد عقده جلستين اثنتين".

وتشهد الأراضي الفلسطينية وبلدات عربية في إسرائيل، منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات إسرائيلية، اندلعت بسبب إصرار مستوطنين يهود متشددين على مواصلة اقتحام ساحات المسجد الأقصى، تحت حراسة قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية.