الجمعة 2020/10/09

الغارديان: ميليشيات العراق.. كيف استغلت تنظيم الدولة للسيطرة على الدولة لصالح إيران؟

قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إنه بعد أن استولى تنظيم الدولة على الموصل شمال العراق في يونيو/حزيران 2014، وبعد أربعة أيام فقط أصدر المرجع الشيعي علي السيستاني، فتوى تحث العراقيين على التطوع في القتال ضد المسلحين.

وبحسب الصحيفة تدفق عشرات الآلاف من الشبان، ومعظمهم من شبان الجنوب الشيعي وضواحي بغداد، على مراكز التجنيد ومعسكرات الجيش ومقار الميليشيات.

احتشد عدد من الشبان في قاعة محاضرات في أحد المباني القديمة بشرق بغداد، للتطوع ضد تنظيم، وبرز في المشهد حينها، البعض من الشبان يرتدون عصابات خضراء تحمل شعار "كتائب حزب الله"، التي شكلها القائد العسكري أبو مهدي المهندس عام 2006، وتابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني".

وسرعان ما ظهرت مجموعات منظمة أخرى، حملت السلاح، وبات المشهد في شمال البلاد، فصائل تتبع لقيادات ومراجع مختلفة.

وبدعم من رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، انطوت هذه المليشيات تحت "الحشد الشعبي"، وباتت مؤسسة معترف بها على مستوى الدولة بتشريع قانون صوت عليه غالية أعضاء البرلمان في 26 تشرين الثاني عام 2016 .

وعن كيفية الانضمام إلى عناصر"الحشد الشعبي"، أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أنّه في البداية كان الباب مفتوحاً للشبان الشيعة الملتزمين دينياً، ولكن بعد ذلك بدأ قبول الجميع، بحسب قول أحد ضباط التجنيد عام 2014.

الضابط المسؤول عن التجنيد، شارك في تنظيم وحدة مقاتلين في مدينة حلب السورية ضد تنظيم الدولة، والذي قال، بحسب الصحيفة، حينها " "لقد قاتلنا الأميركيين، ونقاتل داعش في سوريا".

وأضاف أنّ "خبرتنا ستجعلهم أقوياء (عناصر المليشيات)، سنقدم لهم أفضل تدريب يمكن"، لافتاً إلى انضمام جنود من الجيش العراقي لهم لرغبتهم التخلص من الفساد، بحسب قوله.

ونقلت الصحيفة عن أبو هاشم، ضابط مخابرات في "الحشد"، قوله "بعد سقوط الموصل، لم نذهب إلى الحرب بسبب فتوى السيستاني، بل بدعوة من المهندس الذي أراد مقاتلين أكبراً سناً للعمل معه"، كاشفاً أنّه "التقينا به في منزله وأخبرنا أن الدولة العراقية سقطت، مردداً أنا الدولة الآن".

وتابع: في صيف 2014 أمرنا المهندس بالتوجه إلى قاعدة التاجي العسكرية شمالي بغداد لتشكيل قوة جديدة. كانت المهمة الأولى هي حماية الأضرحة الشيعية في سامراء ووقف تقدم مقاتلي التنظيم إلى بغداد.

وقال أبو هاشم "عندما وصلنا إلى القاعدة ، وجدنا فوضى كاملة، ولكن عندما وصل المهندس أصبحت الأرض منظمة لأجله"، لافتاً إلى أنّه "سرعان ما بدأت الرحلات الجوية الإيرانية في نقل الأسلحة إلى المطار الذي افتتح حديثًا (آنذاك) في النجف".

وأكّد أنّه "بالأسلحة والسيارات والرجال جاء مستشارون إيرانيون، وانتشروا في أنحاء البلاد في بقعة جغرافية واسعة من ديالى شرقاً"، معتبراً أنّ "المهندس تفاوض مع الفصائل والمليشيات وسيطرة عليها".

ولفت إلى أنّه "عندما شكلنا الحشد حاولنا تكرار تجربة الحرس الثوري الإيراني، لكننا فشلنا في شيء واحد وهو تعدد الفصائل، واختلاف مراجعها، الذي حاول المهندس ضبطها".

وبعد تراجع حدة المعارك مع تنظيم الدولة ودور مليشيات الحشد بذلك، بدأت التظاهرات الشعبية التي نظمها ناشطون سئموا من قدرة الجماعات المسلحة في السيطرة على كافة جوانب الحياة العراقية، وجنيها لثروات من خلال وسائل فاسدة.

وقال محلل عراقي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث للصحيفة البريطانية، إنّ "بعض الفصائل العسكرية تتلقى رواتبها من الدولة العراقية لكنها لا تتبع التسلسل العسكري للقائد العام للقوات العراقية".

واعتبر أنّهم "يتصرفون وفقًا لتحالفاتهم مع الحرس الثوري الإيراني، ويخدمون الاستراتيجية الإيرانية الأكبر في المنطقة، ومصالحهم التجارية الخاصة". وشدد على أنّهم "يشكلون تهديداً للدولة العراقية من الداخل ".

في كانون الثاني الماضي، قُتل قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بضربة أميركية، في الوقت التي كانت المليشيات خاضعة لقيادته، وتعمل بأمر من إيران.

وبعد تسعة أشهر من الضربة الجوية الأميركية، أصبحت الفصائل المختلفة أكثر انقساماً من أي وقت مضى، حتى بعدما شجعتهم الضربة متخذين وفاته ذريعة جديدة للبقاء.

وقال مسؤول حكومي، لصحيفة "الغارديان"، إنّ "قتل سليماني عطّل انسياب عملية اتخاذ القرار لهذه الفصائل، وهي لا تتصرف وفق استراتيجية عامة".

وعلى إثر ذلك، كثفت الميليشيات الموالية لإيران عمليات قتل وخطف النشطاء، وبدأت بإطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وعلى معسكرات عسكرية لها، واضعة الحكومة العراقية في مأزق دبلوماسي مع واشنطن التي لوحت بإغلاق سفارتها في بغداد.

في نيسان الماضي، عُيِّن رئيس المخابرات السابق، مصطفى الكاظمي، رئيساً لمجلس الوزراء، بعد خمسة أشهر من الفراغ الحكومي، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، بضغط شعبي نهاية شباط 2019.

ويواجه الكاظمي تحديات عدّة الأصعب منها هي محاولة التفاوض على مسار جديد للبلاد، في ظل تأثير طهران على السياسة والأمن في العراق بوجود الجماعات المسلحة التابعة لها، والتي يصعب السيطرة عليها.

ويعتقد الكاظمي أنّ أي مواجهة مباشرة مع الفصائل أمر خطير وقد يكون له تداعيات سياسية وأمنية خطيرة، دون أن تكون النتيجة إيجابية مضمونة.

وفي حزيران الماضي، نفّذت قوة مكافحة الإرهاب مداهمة على خلية ميليشيا جنوبي بغداد، واعتقلت مجموعة من عناصر المليشيات العراقية واللبنانية متهمة إياهم بالتخطيط لإطلاق وابل من صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء.

وفي الليلة نفسها، تجمع المئات من عناصر المليشيا في الشوارع عرضاً للقوة، فيما تحرك آخرون على الأهداف الاستراتيجية في المنطقة الخضراء، ما أدى إلى إطلاق سراح المعتقلين.

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن ضابط كبير في الجيش العراقي قوله "أعتقد أحياناً أن الحل الوحيد لهذه الأزمة، دولتين وجيشين، أولاً نغلق بغداد، ونوجه إنذارا لوحدات الحشد الشعبي إما للانضمام إلى القوات النظامية أو نحاربكم".

واعتبر أنّ "حمام الدم والحرب لأسبوعين أفضل من الاستمرار في تأجيل المواجهة".