الأربعاء 2021/03/24

إندبندنت: هل تعوّض فرنسا الجزائريين عن الأضرار المستمرة حتى اليوم لتجاربها النووية السرية؟

 

آثار التجارب النووية السرّية التي أجرتها فرنسا في الجزائر منذ أكثر من 60 عاما لا تزال حاضرة في حياة سكان عدد من المناطق جنوبي الجزائر، في حين تسعى منظمات حقوقية إلى تسليط الضوء على القضية وإجبار الحكومة الفرنسية على دفع تعويضات للمتضررين.

ورد ذلك في تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" ( The Independent) البريطانية، كشفت فيه عن إجراء فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و1967، من بينها 11 اختبارا في منشآت عسكرية فرنسية على الأراضي الجزائرية بعد حصول البلاد على استقلالها عام 1962.

 

ويوضح التقرير الذي كتبه سبيكمان كوردال أن كثيرا من النفايات ومخلفات تلك التجارب، بما في ذلك الدبابات والمروحيات والطائرات التي استخدمت آنذاك، لا تزال مدفونة في الرمال، وتعادل 3 آلاف طن من المخلفات وفقا لتقديرات اللجنة الفرنسية التابعة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية.

تكتم فرنسي

وحسب الكاتب، ما زالت الإشعاعات التي تتسرب من تلك المعدّات تشكل خطرا على البيئة والسكان والمحصولات والماشية بعد مرور عقود على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، لكن الحكومة الفرنسية لم تكشف عن تفاصيل هذه النفايات المدفونة في الرمال أو مواقعها إلى اليوم.

ويؤكد الكاتب أن باحثين في فرنسا اكتشفوا أخيرا أن رياحًا هبّت من جنوب الجزائر وحملت رمال الصحراء إلى الأراضي الفرنسية، كانت تحمل إشعاعات ضارة.

الجربوع الأزرق

ويتذكر عبد الكريم (في نهاية السبعينيات من العمر)، وهو من سكان تامنراست جنوبي الجزائر، إحدى التجارب النووية الأولى التي أُطلق عليها اسم "الجربوع الأزرق". يقول عبد الكريم متحدثا عن الانفجار الذي بلغت قوته 70 كيلوطن -أي 3 أضعاف الانفجار الذي دمّر ناغازاكي- والذي وقع على بعد 180 كيلومترا من قريته، إن "الفرنسيين أكدوا للسكان أنه لا داعي للذعر إذا اهتزت الأرض تحت أقدامهم. كان عمري 17 عاما حينئذ، ولم نشاهد أي دخان".

وأضاف "شعرنا بأن الأرض تهتز"، مؤكدا أن الجنود الفرنسيين والمسؤولين والخبراء الذين اجتمعوا لمراقبة التجربة لم يتوقعوا أن يكون الانفجار مدمرا بتلك الطريقة.

 

وفي وقت لاحق، لاحظ سكان المنطقة إصابة عدد من الأشخاص بأنواع مختلفة من مرض السرطان، وارتفعت حالات التشوهات الخلقية أكثر من أي وقت مضى.

وأوضح عبد الكريم قائلا "لقد أدركنا جيدا الآثار التي يمكن أن تحدثها الأسلحة النووية والإشعاعات. لقد فهمنا ما كان يحدث، ومع مرور الوقت، بدأنا نلاحظ آثار الإشعاع على المواليد الجدد".

معاناة مستمرة منذ عقود

أُجريت التجارب اللاحقة تحت الأرض، في المنشأة بمنطقة عين إيكر، حيث تم تنفيذ 13 تجربة أخرى، بينها انفجار رهيب عام 1962.

انفجرت عبوة يبلغ وزنها 40 كيلوطن -كان من المفترض أن تحتويها بئر معزولة في سفح الجبل- وأدّت إلى تسرب إشعاعي في الصحراء أصاب الجنود والمراقبين وسكان المناطق الريفية المحيطة.

وحسب بحث أعدّه صحفيون جزائريون في وقت لاحق، طارت السحابة المشعة التي أعقبت الانفجار فوق قرية مرتوتك، على بعد 60 كيلومترا. توفي 17 شخصا بعد ذلك بوقت قصير، ولا يزال كثير من السكان في قرية مرتوتك يعانون آثار تلك الإشعاعات.

ولدى تفكيك القواعد العسكرية قبل تسليمها للجيش الجزائري عام 1967، رُدم كل شيء تحت الرمال، بدءا من المعدات العسكرية، مثل الطائرات والدبابات، وصولا إلى الحطام الذي خلفته الانفجارات.

ولا تزال تداعيات تلك التجارب واقعا يوميا مؤلما في عدد من القرى الجزائرية. ويوضح عبد الكريم أن تلوث التربة والمحصولات يسفر عن أمراض مستمرة لدى المواليد الجدد، لكن السكان لا يفكرون أبدا في الرحيل.

مزيد من الفظاعات

وقبل عامين، بث التلفزيون الجزائري تقريرا يكشف عن مزيد من الفظاعات في قرية قريبة من موقع للتجارب السرية في منطقة رقان، حيث يقول السكان إن كثيرا من أطفالهم ولدوا بإعاقات جسدية أو عقلية نتيجة الإشعاعات النووية.

وأكدت الطبيبة خيرة حرزاوي أن "هناك الكثير من حالات الإعاقة بين الأجنة، ويوجد عدد لا يحصى من حالات الإجهاض"، في ظل نقص كبير في المعدات والمستلزمات الطبية.

هل يحصل الجزائريون على تعويضات؟

وقبل 11 عاما، انضم عبد الكريم إلى تاوريرت، وهي منظمة تتعاون مع ناشطين فرنسيين، وتعمل على جمع بيانات عن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر. وتهدف المنظمة إلى حشد الدعم من أجل حصول ضحايا تلك التجارب على تعويضات من فرنسا بموجب قانون مورين لعام 2010، المتعلق بتعويض ضحايا الاختبارات النووية الفرنسية في الجزائر وبولينيزيا.

 

واعتبارا من العام الماضي، تلقت المنظمة 1427 دعوى من بولينيزيا، وبفضل جهود عدد من المنظمات والجهات الأكاديمية، بما في ذلك جامعة برينستون، يمكن أن يرتفع الرقم إلى ما يفوق 100 ألف.

في المقابل، رفع الجزائريون 53 دعوى فقط، وقد يكون السبب في ذلك -وفقا للكاتب- التعقيدات القضائية ومشكلة اللغة، إذ ينبغي أن تتم الإجراءات باللغة الفرنسية. ومن بين تلك الدعاوى، قبلت حتى الآن دعوى وحيدة.

ويضيف الكاتب أن الآمال تجددت أخيرا في معالجة هذا الملف بعد أن أعطى الرئيس ماكرون الإذن بالكشف عن الأرشيفات الفرنسية المتعلقة بحرب الاستقلال الجزائرية، وهو ما قد يساعد على معرفة طبيعة التجارب النووية السرية ومواقعها على وجه الدقة.

إذا اعترفت فرنسا

في هذا السياق، يقول جان ماري كولين، أحد مؤلفي التقرير الذي أصدرته "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية" في قضية التجارب الفرنسية في الجزائر "إذا كشفوا عن مواقع النفايات، فإنهم بذلك يقرّون بأنهم قاموا بتجارب لتطوير أسلحة".

وأضاف "إذا اعترفوا بسمّيّة المواقع ومرض السكان الذين يعيشون قربها، فقد يعود ذلك بأضرار وخيمة"، مشيرا إلى إحجام فرنسا عن التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي من شأنها أن تفتح الباب أمام التعويضات الإنسانية والبيئية في جنوب الجزائر.

مواقف الحكومات الجزائرية المتعاقبة

ويرى الكاتب أن المشكلة تفاقمت بسبب مواقف الحكومات الجزائرية المتعاقبة التي فضلت غالبا التركيز على همجية الاستعمار الفرنسي بدلا من تأمين الرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية الضرورية في المناطق المتأثرة.

ويرى كولين أن تغاضي الحكومات الجزائرية عن معالجة مشكلة التجارب النووية أساسه الخوف من الكشف عن احتمال وجود صفقة سمحت للفرنسيين بالبقاء على الأراضي الجزائرية بعد الاستقلال واختبار أسلحة خطرة بشكل سري.

من جهته، يستبعد عبد الكريم أن تؤدي التطورات السياسية الأخيرة إلى نتائج ملموسة في هذا الملف. وتواصلت صحيفة "ذي إندبندنت" مع مستشار الرئيس الفرنسي في شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل، لكنها لم تتلقّ أي رد إلى الآن.