السبت 2021/08/21

نازحات يبحثن عن الرزق بين الأعشاب شمال اللاذقية

 

وسط مخيّمات عشوائية قرب الحدود السورية التركية شمالي اللاذقية، تجتمع أم عبده وأطفالها الثلاثة مع بعض النساء للتوجه إلى الغابة القريبة وجمع ما تيسّر من الأعشاب الطبية بغرض بيعها. وتنشط مهنة بيع الأعشاب الطبية، والتي تستخدم للمواد الغذائية أخيراً بشكل لافت بين النازحين لكسب الرزق. وتعتبر غابات اللاذقية غنية بهذه الأصناف على الرغم من المخاطر الأمنية الكبيرة، بسبب تواجد قوات النظام في مناطق قريبة وتعرض المنطقة للقصف بشكل متكرّر.

 

تبتعد المرأة الأربعينية وأطفالها الثلاثة عن الخيام. في يدها سلة ومقصّ لجمع أنواع معينة من الأعشاب مثل الصعتر الأخضر والزوفة والبابونج وزهرة البنفسج وزهرة البلوط، وغيرها من تلك التي يمكن بيعها، والتي تعد مصدر رزق لعائلتها.

 

وكثيراً ما تتسامر النساء أثناء العمل. وباتت لدى معظمهن خبرة كبيرة في أنواع الأعشاب المفيدة التي تباع في الأسواق وفترة ظهورها وأماكنها. تقول أم عبده لـ "العربي الجديد": "هذه المهنة منتشرة بشكل كبير بين النساء والأطفال، وتؤمن دخلاً محدوداً إلا أنه يساهم في تأمين الاحتياجات الأساسية". وحول الأشهر التي تنشط بها مهنة جمع الأعشاب العطرية، توضح أم عبده أنّ العمل يبدأ في فصل الربيع ويمتد حتى الخريف، ولكل نوع موسمه. تضيف: "نركز حالياً على جمع الصعتر الأخضر ودرنات نبات الأوركيد البري الذي يستخرج منه السحلب. وبدءاً من أول الربيع وحتى يونيو/ حزيران الماضي، كان موسم الزوفا وزهرة البابونج. وفي باقي أيام العام، تجمع العائلات الحشائش (الحويشة). لكلّ نبات موسمه".

 

وتشير أم عبده إلى أنّ مهنة جمع الأعشاب تحتاج إلى دراية ومعرفة وخبرة، وتليها مراحل عدة أهمها "التنظيف والتنشيف وأحياناً التيبيس والتنقية". وتختم حديثها قائلة: "لا يوفر هذا العمل دخلاً كافياً، لكن يمكن للنساء مساعدة أزواجهن في المصروف وتأمين متطلبات الحياة".

 

من جهتها، تقول أم إسراء، وهي أرملة تعيل طفلين، إنها تعمل في مهنتين لتأمين مصروفها. وتوضح لـ "العربي الجديد": "هنا، أجمع فقط زهرة الأوركيد التي يستخرج منها السحلب، ولا أبحث مثل بقية النساء عن أنواع أخرى. علمتني إحدى النساء آلية استخراج الدرنات ووجدتها تجارة رابحة بسبب ارتفاع سعرها. أما في بقية الأيام، فأعمل في مهنة الخياطة".

 

تقطع النساء مسافات بعيدة يومياً لتأمين أرزاقهن، وسط مخاطر كبيرة تتجلى في احتمال سقوط قذائف فوق رؤوسهن. وتقول أم أحمد عيوش، وهي نازحة من بلدة بداما منذ أكثر من ستة أعوام، إن المردود المادي لا يتلاءم أبداً مع مشقة العمل، وخصوصاً أن الأعشاب لا تنمو في مكان واحد، بل على امتداد الأنهر والمجاري المائية وفي محيط الأشجار، والعثور عليها أمر صعب، إذ يتطلب جمع كيلوغرام واحد يوماً كاملاً وربما أكثر.

وحول طريقة بيع المنتجات، توضح أم أحمد أن التجار يتوجهون نحو المخيمات، ويشترون الأعشاب من العائلات التي تعمل في هذه المهنة، مضيفة أن الأسعار تختلف بحسب نوع العشبة. ويبلغ سعر كيلو صعتر الخليل نحو 2300 ليرة سورية، بينما يصل سعر كيلو زعتر الجبن إلى 5000 ليرة سورية، ويباع سعر كيلو زهرة البابونج بنحو 1100 ليرة (الدولار=3300 ليرة). وعلى الرغم من ضعف الأجور، باتت هذه المهنة منتشرة بشكل كبير لا سيما بين النساء، في وقت تعمل أخريات بتغليف البضائع وبيعها في أماكن أخرى.

 

إلى ذلك، يقول الصيدلي علاء حيدان، الذي يعمل في قرية عين البيضا في ريف اللاذقية، إن الطلب على الأعشاب زاد خلال العامين الماضيين في شمال غربي سورية، نظراً لندرة الأدوية وارتفاع ثمنها على عكس الأعشاب. ويوضح حيدان لـ "العربي الجديد": "العمل لا يقتصر على الأعشاب الطبية بل يشمل بعض النباتات البرية لا سيما الأوركيد، التي كانت مجهولة لدى الكثير من الناس، وهي من النباتات التي يصعب العثور عليها وتحتاج إلى أشهر من العمل لاستخراج مادة السحلب من درناتها. لكنها تحظى بطلب كبير في السوق. كما تهرّب إلى تركيا نظراً لسعرها المرتفع". وحول فعالية هذه الأعشاب وإذا كانت تشكل بديلاً كافياً عن بعض العقاقير الطبية، يقول الصيدلي إن بعض الأعشاب مفيدة، ولا سيما لأمراض مثل الربو والزكام والتهاب القصبات، لكنها بالطبع لا يمكن أن تكون بديلاً عن بعض الأدوية.

 

ويعيش في ريف اللاذقية الشمالي أكثر من 50 ألف نازح قرب الحدود التركية السورية، معظمهم نزح من قرى جبلي الأكراد والتركمان إثر الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام مطلع عام 2016 بمؤازرة روسيا. ويعتمد هؤلاء النازحون على ما تقدمه المنظمات لهم من مساعدات إنسانية، وسط ظروف معيشية صعبة، ووجود الكثير من العائلات من دون معيل.