الأثنين 2022/03/07

مركز أبحاث يكشف طرق وأهداف التغلغل الإيراني الاقتصادي في سوريا بعد عام 2011

نشر "مركز الحوار السوري" دراسة حول التغلغل الإيراني الاقتصادي في سوريا بعد عام 2011، ومساعي طهران للهيمنة على الاقتصاد في سوريا عبر وسائل مختلفة سعت لها على مختلف الأصعدة في سوريا. 

 

وقالت الدراسة إن النظامين السوري والإيراني ارتبطا بتحالف استراتيجي منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ إلا أن التحالف السياسي والعسكري والأمني بينهما في المنطقة لم ينعكس على الجانب الاقتصادي على مدار سنوات ما قبل الثورة السورية، وبشكل خاص في مرحلة حكم الأسد الأب، كما أنها لم تشهد زيادة تتناسب طرداً مع المدّ الثقافي بعد توريث الابن، لاسيما عند مقارنتها بمستوى العلاقات السورية مع دول أخرى كتركيا ودول الخليج.

 

إلا أن هذه العلاقات قد اختلفت تماماً بعد انطلاق الثورة السورية، خاصة بعد عام 2015 م؛ فقد سعت إيران إلى التمركز في كل القطاعات الرئيسة في سوريا، ورغم بذلها جهوداً كبيرة في هذا المجال فإن نجاحها الفعلي ومستوى سيطرتها يختلف ما بين قطاع وآخر، مع وجود محاولات إيرانية مستمرة ومتواصلة لزيادة التمركز في كل منها على حدة.

 

ولفتت الدراسة إلى أنه بشكلٍ عامٍ يُلحظ وجود سمة عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي: النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، وذلك نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة هي: المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا.

 

وعلى الرغم من العوائق فقد نجحت إيران نسبياً في الاستحواذ على عدة مفاصل، كما تُظهر باستمرار أن لديها التصميم والعزم للدخول بشكل أكبر ومواجهة التحديات التي تعترضها، وهي النتائج التي تَظهر من جراء تتبع الخطوات الإيرانية وتحليلها في الخريطة الاقتصادية السورية.

 

ففي القطاع الأول “وهو الزراعة والثروة الحيوانية” سعت إيران بشكل محدود للاستثمار الزراعي؛ إلا أنها ركزت على التجارة الزراعية وتأمين مستلزمات القطاع، وفرض نفوذ على طرق التجارة، كما سيطرت على الكثير من أراضي السوريين بتسهيل من نظام الأسد وقامت باستغلالها في نواحٍ متعددة، تتمثل بشكل رئيس في كل من: بناء المراكز الدينية والقطعات العسكرية، والاستثمار الزراعي المحدود للمليشيات، بما في ذلك زراعة الحشيش.

 

أما في القطاع الصناعي فقد فشلت إيران بشكل كبير في الصناعات الاستخراجية – أي الثروات الباطنية – عموماً، وذلك لحساب المنافس الروسي، حيث اقتصرت سيطرتها على بعض الآبار الصغيرة في منطقة البوكمال، إلى جانب الحصول على اتفاقية رسمية للتنقيب في المنطقة ذاتها.

 

أما على صعيد منشآت تكرير النفط فحصلت إيران بشكل غير مباشر عبر أحد أذرعها المحليين “قاطرجي” على استثمار بناء مصفاتَي نفط، ومهمة تطوير مصب النفط في طرطوس، وإنشاء منظومة نقل متطورة تربط بين المحافظات، لكنها فشلت في الحصول على استثمار لميناء نفطي أو إنشائه حتى الآن، في حين أنها تركز جهودها لاستخدام سوريا ممراً للوصول إلى المتوسط عبر محاولات إحياء مشروعين استراتيجيين قديمين هما: أنبوب “الصداقة الإسلامي” وخط سكة حديد (شلمجة – اللاذقية).

 

أما على صعيد البناء والتشييد “القطاع العقاري” فقد قامت إيران باستثمارات مكثفة عبر شراء العقارات، كما قامت بالاستيلاء على الكثير من عقارات السوريين المهجَّرين في مناطق مختلفة في سوريا، بما يرتبط بشكل رئيس بمخططات التغيير الديمغرافي وتوطين المليشيات المدعومة من قبلها.

 

أما على صعيد الصناعات الأخرى بما فيها الصناعات التحويلية فإن إيران نجحت في الحصول على استثمارات واسعة في القطاع، في كل من صناعة الطاقة الكهربائية وما يرتبط برغيف الخبز “صناعة المطاحن”.

 

أما في قطاع إنتاج الخدمات فقد تركزت المساعي الإيرانية في مجال الخدمات التعليمية والسياحية التي يبدو أن الهدف منها أيديولوجي ثقافي أكثر منه اقتصادي، في حين أن تدخلاتها في قطاع الاتصالات والقطاع المصرفي لم تنجح حتى الآن.

 

أما على صعيد التبادل التجاري فقد سعت إيران إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع سوريا، ولذلك حصلت على اتفاقية التجارة الحرة مع نظام الأسد في عام 2011، ونجحت في إنشاء الغرفة التجاريّة الإيرانيّة السورية المشتركة في العام 2019. وعلى الرغم من هذه الخطوات والكثير من التصريحات واللقاءات والاتفاقيات الأخرى لم تنجح محاولات تطوير العلاقات التجارية بين البلدين؛ إذ تُقدر حصة طهران حالياً من التجارة السورية بـ 3 % فقط، بينما تبلغ حصة تركيا على سبيل المثال 30%.

 

مع المحاولات المستمرة لإيران للتدخل في مفاصل الاقتصاد السوري يلزم التنبه لمخاطر ذلك؛ فدخول إيران في الاقتصاد السوري ينطوي على مخاطر كبيرة؛ من أبرزها: تحويل سوريا إلى سوق لتصريف البضائع الإيرانية، وإمكانية تحويل أموال إعادة الإعمار أو قسم كبير منها للجيوب الإيرانية، وجعل الاقتصاد السوري أحد الموارد لتمويل مليشيات المشروع الإيراني مستقبلاً.

 

وأما سياسياً وأمنياً فتتمثل أبرز الآثار في مساعدة إيران على تطبيق نموذج “دولة داخل دولة” اقتصادياً، وبالتالي عرقلة أي جهد للحل السياسي، وامتلاك أحد أدوات السيطرة على القرار السيادي السوري، إلى جانب إضعاف السلطة المركزية لحساب الحكم الميليشياوي. كذلك اجتماعياً قد يسهم الحضور الاقتصادي لإيران في تغيير الهوية الحضارية لسوريا، وإنشاء منظومة عشائرية موالية، والقيام بـ “التجنيد الاقتصادي” في المجتمع.

 

لا تقتصر آثار هذا التغلغل الإيراني على المستوى الوطني فحسب، بل تمتد إقليمياً للعبث بـ “الأمن الإقليمي” وتعريضه لمخاطر عديدة؛ نتيجة تحويل سوريا إلى منطقة غير مستقرة، ومصدر للتجارة غير المشروعة كالتهريب والمخدرات وتجارة الأعضاء.

يمكن الاطلاع على الدراسة عبر الرابط:

https://cutt.ly/QAmOKc4