الأربعاء 2021/06/09

شركة مجهولة تستثمر في شوارع دمشق: 3500 موقف للإيجار

بدأ النظام المأزوم اقتصادياً في تأجير شوارع دمشق المختنقة مرورياً، عبر نشر 3500 موقف مأجور في قلب العاصمة ومراكز الأسواق التجارية والخدمات، بموجب عقد استثماري مع شركة خاصة يلف مالكيها كثير من الغموض، لمدة سبع سنوات، مقابل مبلغ مالي يقدّر بـ2.1 مليار ليرة (الدولار = نحو 3100 ليرة بالسعر الفعلي)، سيعود إلى محافظة دمشق، في حين يقدر ما ستجنيه الشركة سنوياً بأكثر من سبعة مليارات ليرة.

 

وفي الوقت الذي لم يلحظ فيه سكان دمشق شيئاً جديداً في شوارع مدينتهم طوال السنوات العشر الأخيرة سوى تردي البنية التحتية وغياب الإضاءة عنها، ظهر ذلك اللون الأصفر الذي رسم خطوطاً طولية وعرضية وداخلها أرقام على إسفلت شوارعها الرئيسية على يمين الطريق ويساره، إلى أن تمّ إخبارهم أخيراً بأنّ هذه الأماكن أصبحت مواقف مأجورة ومن يرغب بركن سيارته فيها عليه أن يدفع مقابلاً مادياً.

 

وقال أبو حسام، وهو أحد العاملين في منطقة الحريقة (منطقة تجارية في وسط دمشق)، لـ"العربي الجديد": "قد تكون دمشق من أسوأ المدن تخطيطاً عمرانياً بالتناسب مع زيادة السكان، فنحن لم نلحظ أنّ الحكومات المتعاقبة كان لديها اهتمام بذلك، لذلك غالباً من يزور مركز العاصمة بعد الساعة 10 صباحاً يجد صعوبة كبيرة في إيجاد موقف لسيارته".

 

وتابع أبو حسام، الذي رفض ذكر اسم عائلته جراء مخاوف أمنية: "حتى نحن نعاني من المشكلة نفسها ونضطر لحجز مكان لسياراتنا وتحريكها في حال كانت لدينا بضاعة لتحميلها أو تفريغها، لذلك من حقنا كمواطنين أن تكون لدينا مواقف سيارات بما أنّ لدينا مكاتب ومحال تجارية أو منازل في المنطقة، وليس ذنبنا اليوم أنّ الحكومات لم يكن لديها بعد نظر أو إدراك لاحتياجات البلد".

 

من جانبه، رأى أبو مأمون تقي الدين، وهو صاحب محل لبيع الألبسة الجاهزة في دمشق، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المواقف المأجورة بهذا الشكل ستكون مرهقة مادياً للعاملين في المنطقة من أصحاب محلات تجارية ومكاتب والعاملين على سيارات النقل، وبالتالي ستتسبب برفع الأسعار في وقت نعيش فيه حالة من الكساد، في ظلّ ارتفاع الأسعار الكبير وانخفاض القيمة الشرائية للدخول، خصوصاً أنّ أكثرية العاملين هم من يعتمدون على العمل المأجور".

 

وأضاف: "أنا كصاحب محل صغير أحتاج إلى موقف لسيارتي طوال اليوم، ما يعني دفع 6 آلاف ليرة يومياً، أي 156 ألفاً شهرياً. هذا المبلغ هو راتب موظفين في الدولة، وبالتالي صاحب المحل التجاري سيحمل هذه الكلفة على سعر البضاعة، وسيارة النقل التي تضطر لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مضاعفة".

 

من جانبه، أبدى خبير اقتصادي في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، استغرابه "من سياسة النظام الاقتصادية، التي أصبحت تعيش على جباية الأموال من المواطنين المسحوقين، والمريب أنّ أكثر القائمين على هذه العمليات شركات خاصة يلفها الغموض وما كشف منها يظهر أنّها واجهات اقتصادية للنظام".

 

وأشار إلى ما حدث مع شركة "التكامل" المشرفة على إدارة البطاقة الذكية المخصصة لبيع الوقود والمواد التموينية المدعومة، إذ تقدر أرباحها بالمليارات من جراء تقاضيها نسبة على كلّ عملية بيع، بعدما تم الكشف عن هوية رئيس مجلس الإدارة وهو قريب أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام بشار الأسد، كما سبق إعطاء ابن خاله رامي مخلوف شركة الاتصالات الخلوية "سيرياتيل".

 

وتابع: "من اللافت أيضاً أنّ ما يتم التنازل عنه هي الاستثمارات المربحة وذات الكلفة المنخفضة نسبياً، فماذا يمنع مؤسسات الدولة، خصوصاً محافظة دمشق المثقلة بالبطالة المقنعة، من استثمار هذه المواقف المأجورة بشكل مباشر، ما يُدخل إلى خزينتها أكثر من 6.5 مليارات ليرة سنوياً، إضافة إلى كمّ كبير من فرص العمل، بدلاً من 2.1 مليار ليرة؟".

 

وكان مدير هندسة النقل والمرور في حكومة النظام بمحافظة دمشق ياسر البستوني قد قال، قبل نحو ثلاثة أشهر، في تصريح لإذاعة محلية، إنّه تم التعاقد مع شركة خاصة لتأجير المواقف في دمشق، وهذه المواقف تتوزع على العديد من الأحياء.

 

وتذرع بأنّ عدم اعتماد نظم الشرائح يعود إلى أنّه "لم يتم التفكير في جعل التسعيرة عن طريق الشرائح باعتبار أنّه تم توزيع المواقف في الأسواق التجارية والفعاليات وتم تحديد مركز المدينة حصراً"، معتبراً أنّ "الهدف من هذه المواقف التنظيم وليس السعر، إضافة إلى الركن الحضاري، وتنظيم قدرة الاستيعاب في الشوارع، وتلافي الازدحام الكبير وتزايد الآليات والمركبات في المدينة، ومنع الوقوف على الأرصفة".