الجمعة 2018/07/27

سوريون يكتشفون وفاة أبنائهم المختفين في سجون الأسد”بالصدفة”

قبل 7 سنوات، زُجَّ بإسلام دباس، وهو طالب هندسة، في السجن بتهمة الاحتجاج ضد نظام الأسد.

تمكَّنت والدته من زيارته مرتين، بعد دفع رِشا، لكنَّ أذونات الزيارة توقفت. ومن حينها لم تسمع أي شيء عن مصير ابنها.

استمر الوضع كما هو حتى الأسبوع الماضي، عندما تقدَّم أحد الأقارب بطلب وثيقة تسجيل، وصُدِم عند رؤية أنَّ تاريخ وفاة دباس بالوثيقة هو 15 يناير/كانون الثاني 2013.

شقيقته هبة، التي تعيش بالمنفى في مصر، تقول لصحيفة The New York Times الأميركية: «دمَّرتنا أنباء موته، وتمنينا لو عرفنا في وقتها. فمنذ اعتقاله ونحن نعيش أياماً في أمل وأخرى بحالة من اليأس، في ظل استنزاف حالة عدم اليقين عقولنا».

صدمة جديدة لمئات العائلات السورية

على مدار الأسابيع الأخيرة، صُدِمت مئات العائلات السورية عندما علمت بشكلٍ مفاجئ، أنَّ ذويها المفقودين سُجِّلوا لدى النظام كموتى.

لم يُعلِّق المسؤولون لدى نظام الأسد  علانيةً على المعلومات الجديدة أو يُصرِّحوا بعدد الأشخاص الذين تسري عليهم تلك الأخبار، أو حتى يشرحوا كيف ماتوا.

لكن، يبدو أنَّ الوثائق هي أول اعتراف علني من جانب النظام بموت المئات، إن لم يكن الآلاف، من المعتقلين في سجون الأسد.

قال إميل الحكيم، وهو محلل في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «يطوي النظام فصلاً ويفتح آخر جديداً. إنَّه يخبر المعارضة والناشطين بأنَّ هذا الفصل ولَّى، وأنَّ أي أمل لدى البعض في إحياء الروح الثورية قد تحطَّم».

ونشر نظام الأسد أسماء المتوفين في بعض المدن؛ حتى يتسنى لأقاربهم استخراج شهادات الوفاة.

وفي حالات أخرى، حصلت العائلات على وثائق تثبت وفاة أقاربهم. وفي بعض الحالات، أبلغ ضباط الأمن العائلات شخصياً وفاة ذويهم.

وتشير العديد من الوثائق إلى أنَّ حالات الوفاة حدثت قبل سنوات مضت، أي في المرحلة الأولى من الانتفاضة ضد الأسد والتي تطورت لتتحول إلى حرب.

وتقول مجموعات حقوق إنسان إنَّه منذ بدء الحرب قبل 7 سنوات، اختفى عشرات الآلاف من الناس في سجون الأسد، حيث يشيع التعذيب وسوء المعاملة، بما يتسبب في الوفاة. وشمل السجناء أفراد المعارضة والمحتجين السياسيين، وفي كثيرٍ من الأحيان تُركَت عائلات هؤلاء تعاني للحصول على معلومات بشأن ذويهم.

اعتراف ضمني بالقتل

وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن جماعات حقوق الإنسان  تنظر إلى الإخطارات الجديدة بالوفاة باعتبارها اعترافاً ضمنياً بأنَّ الكثير من المعتقلين ماتوا أو قُتِلوا في سجون النظام.

ويترك فقدان رب الأسرة  السورية في حالة جحيمٍ بيروقراطي. فعلى سبيل المثال، دون شهادة الوفاة، لا يمكن لأرملته أن تتزوج مرةً أخرى، ولا تتمكن ذريته من بيع الممتلكات أو التعامل مع القضايا المتعلقة بالميراث.

ومع أنَّ الاعتراف بالوفيات قد يُسهِّل إتمام تلك المعاملات، يشك الكثيرون في تقبُّل العائلات تلك الأخبار بهذه السهولة إذا ما حمَّل نظام الأسد مسؤولية موت أحبائهم.

قالت سارة كيالي، باحثة سورية في منظمة هيومن رايتس ووتش: «من الصعب المضي قدماً بعد معرفة أنَّ هؤلاء المسؤولين عن حالات الاختفاء الجماعي تلك لا يزالون كما هم! إنَّك تنظر في وجه الجناة، وهذا أمر لا يمكن تجاهله فترة طويلة».

ولا تُقدِّم الوثائق أي تفاصيل عن الوفيات، باستثناء تاريخ الوفاة. وما تزال الكثير من العائلات ترغب في معرفة كيف مات أحباؤها أو أين توجد جثثهم.

أُلقي القبض على الشقيقين يحيى ومحمد شوربجي بفارق يوم بين كليهما في سبتمبر/أيلول 2011، وفقاً لعُبيدة أحد أبناء محمد. لكن مع تحوُّل الانتفاضة إلى حرب، فرَّ أقرباؤهم إلى مناطق أخرى في سوريا أو خارجها؛ ومن ثم فقدوا القدرة على تتبُّع مكان احتجاز الأخوين.

هذا الشهر (يوليو/تموز 2018)، طلب أقارب الأخوين في دمشق، بعدما سمعوا عن بدء ظهور تواريخ الوفاة على أوراق تسجيل المفقودين، الاطلاع على وثائق الأخوين. ووجدوا أنَّ يحيى قد تُوفي في يناير/كانون الثاني 2013 ومحمد في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه. ولم يُوضَّح أي سبب للوفاة، وليس لدى الأسرة أي فكرة عن مكان جثتيهما.

قالت «بيان»، شقيقة المتوفيَين التي تعيش في مدينة ليدز البريطانية: «الصدمة لا تُوصَف! كم هو قاسٍ أن تقتل الأشخاص وتحرم عائلاتهم من رؤيتهم للمرة الأخيرة، وأن تحرم الضحايا من توديع عائلاتهم!».

يخشون الحديث عن قتلاهم

ما يزال عدد المعتقلين، المسجلين مؤخراً باعتبارهم موتى، غير واضح. وتشعر الكثير من العائلات في سوريا بالتردد بشأن مناقشة الحديث عن حالاتهم؛ خشية معاقبة النظام إياهم.

فقال فاضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنَّ الشبكة أكَّدت 312 حالة حديثة.

ويُعَد هذا عدداً بسيطاً من بين أكثر من 80 ألف معتقل لدى الأسد، تقول مجموعته إنَّها أكَّدت موتهم؛ لذا فهو يتوقع ظهور الكثير من الأسماء بمرور الوقت.

وقال إنَّه يظن أنَّ المعلومات تتكشَّف الآن؛ نظراً إلى شعور النظام بالأمان الكافي الذي يجعلها تدع أولئك الذين وقفوا في وجه النظام أن يعرفوا أنَّ أقاربهم ماتوا.

قال عبد الغني: «يرغب النظام في قول إنَّ عليكم أن تقبلوني كما أنا. لقد ربحتُ الحرب، وليس في وسعكم فعل أي شيء حيال ذلك».

لكنَّ نقص المعلومات ترك الكثير من العائلات في حالة ارتباك ويتساءلون عما إذا كانت الوثائق دقيقة أم لا.

ويُعَد نيراز سعيد مفقوداً منذ عام 2015، وهو مصور عاش في مخيم للاجئين الفلسطينيين بدمشق، وفاز بجائزة من الأمم المتحدة عام 2014 مكافأةً على عمله في توثيق الحياة بالمخيم.

وحين حمي وطيس الحرب، سيطر تنظيم الدولة على مخيم اللاجئين حيث عاش، ثُمَّ حاصره النظام وجعل الجوع يتفشى بين سكانه.

وقالت لميس الخطيب، زوجة سعيد، هذا الأسبوع من ألمانيا عبر الهاتف، إنَّ سعيد في عام 2015 دفع مبلغاً لأحد المهربين لإخراجه من المخيم، لكنَّ قوات النظام ألقت القبض عليه قبل أن ينجح في المغادرة.

وقالت لميس إنَّ والدته تمكَّنت من زيارته مرة واحدة في العام التالي، ووجدته نحيلاً وهزيلاً. وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي رأته العائلة فيها.

وهذا الشهر (يوليو/تموز 2018)، قال ضابط لدى النظام يعرف العائلة، لأفراد العائلة، إنَّ سعيد ميت، لكنَّ العائلة لم تحصل على شهادة وفاة بعد. وإذا كان الغرض من البلاغ هو المساعدة، فإنَّ ذلك لم يُقدِّم للميس عزاءً يُذكَر.

وكتبت في حسابها على «فيسبوك»: «لا يوجد أصعب من كتابة هذا الكلام، لكن نيراز لن يموت في صمت. قتلوا حبيبي وزوجي!».