الأربعاء 2018/03/14

رجل الظل.. “أبو محمد” ساهم في قتل عشرات آلاف السوريين وتدمير مدنهم وقراهم وتجاهلته لوائح العقوبات

في شقة بمنطقة العدوي في دمشق يقيم "أبو محمد"، أحد أشرس مجرمي نظام بشار الأسد وأكثرهم إيغالا في الدم السوري، ومع ذلك فإنه وللمفارقة العجيبة يعد "رجل الظل" في نظام الأسد، فهو من أقل ضباطه شهرة لدى معظم السوريين، وأندرهم ظهورا إلى درجة أن الحصول على خبر يخصه أو حتى صورة تكشف وجهه يعد أمرا عسيرا للغاية، يفوق العثور على صورة لضابط مخابرات رفيع.

إنه الرجل المساهم في قتل عشرات الآلاف من السوريين وتدمير أملاكهم ومسح بيوتهم عن وجه الأرض، باعتباره المسؤول المباشر عن إدارة المدفعية والصواريخ في قوات النظام، هذه الإدارة التي تمر كل قذيفة مدفع أو عملية إطلاق صاروخ عبر بوابة تعليماتها.

تقول المعلومات  "حسب زمان الوصل" الموثوقة إن "اللواء جمعة الجاسم" الذي يتولى منصب مدير إدارة المدفعية والصواريخ، من مواليد قرية "صراع" التابعة لناحية سنجار (منطقة معرة النعمان- إدلب)، وقد كان من المفترض أن يحال إلى التقاعد سنة 2014، لكن ثقة النظام به وتعويله على إجرامه دفعاه للتمديد له على رأس عمله.

ولد "جمعة الجاسم" (مرفق صور) سنة 1954، لأب يدعى محمد وأم تدعى زهيدة، وهو ينتمي إلى عشيرة "الحديديين" التي ينتمي لها وزير دفاع النظام "فهد جاسم الفريج"، ابن بلدة رهجان بريف حماة.

ويرتبط "الفريج" و"الجاسم" بعلاقة عشائرية وعائلية، تبقى في النهاية مجرد تفصيل أمام تحالفهما الوثيق في إطار الولاء الشديد للنظام وتنفيذ أوامره بحذافيرها.

وقد سبق لأحرار عشيرة "الحديديين" أن حذروا كلا من "الفريج" و"الجاسم" من مغبة الاستمرار في خدمة النظام، لكن الرجلين لم يهتما بذلك مطلقا بل مضيا في محاربة وقتل الشعب السوري، ومن ضمنهم أبناء عشيرتهم الذين يتوزعون في مناطق واسعة من سوريا، لاسيما في ريفي إدلب وحماة.

ويشارك "الجاسم" حاليا في معارك ريف حماة الشمالي، حيث زج به النظام هناك كونه "الأجدر" في نظره لمحاربة أهل تلك المنطقة، والأعرف بتضاريس أرضها وطبيعة سكانها.

وقد سبق لـلنظام أن أسند لـ"الجاسم" قيادة ومعارك شديدة الحساسية، لاسيما في ريفي حمص وحماة.

ورغم موقعه الحساس جدا، ودوره في توجيه الأوامر بإطلاق المدافع والصواريخ في شتى أنحاء سوريا، فقد كان غريبا إلى حد بعيد ومثير للارتياب، أن لا يكون اسم "الجاسم" مدرجا على لوائح العقوبات الأوروبية أو الأمريكية، علما أن هذه اللوائح تخضع للتحديث كل حين، وهي تحوي أسماء مئات الكيانات والشخصيات المشتبه بتورطها في قتل السوريين، وقد يكون بين هذه الشخصيات من هو أقل رتبة ودورا من "الجاسم" نفسه.

ففي خريف 2016 توعدت واشنطن على لسان مندوبتها الدائمة في مجلس الأمن بملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب في سوريا، مشيرة إلى 12 ضابطا بالاسم، ومن بينهم 3 ضباط كبار ومؤثرين في سلاح الصواريخ وهم: اللواء طاهر حامد خليل، اللواء جودت مواس، والعميد عدنان حلوة، دون أن تأتي على ذكر "الجاسم" مطلقا.

لـ"اللواء جمعة الجاسم" ولدان أكبرهما يدعى "محمد" (مرفق صور) ويكنى "أبو جمعة" نسبة لأبيه، لكن لقبه المعروف به هو "أبو حيدر"، وقد تم زفافه في شهر شباط من سنة 2016، في فندق "داما روز" (مريديان سابقا) بقرب مبنى الأركان.

أما الولد الآخر فهو "أحمد" (مرفق صور)، ويخدم في قوات النظام، وقد ترفع إلى رتبة ملازم أول في نهاية السنة الفائتة، ويلقب "أحمد" نفسه بـ"أبو حافظ".

*النأي بالنفس

لطالما أثارت علاقة بعض زعماء القبائل و"وجهائها" بنظام الأسد الريبة والتساؤلات في نفوس السوريين، لاسيما بعد نشوب الثورة، التي كان من المفترض أن تضع هؤلاء الزعماء و"الوجهاء" تلقائيا في الجانب الصحيح، لكنهم آثروا تنكب صراط الشعب، ولم يعبؤوا حتى بشق صف عشائرهم.

وتعد "الحديديين" إحدى أبرز القبائل التي جنى عليها بعض "كبرائها" وشوهوا صورتها، من أمثال الفريج والجاسم، بالتزامن مع شكوك حول الانتماء الحقيقي لزعماء "الحديديين"، أعادت إلى الواجهة الحديث عن تشيعهم أسوة بـ"وجهاء" من قبائل أخرى، حيث يعد انتساب هؤلاء إلى "أهل البيت" –بغض النظر عن صدقية هذا الانتساب- مدخلا يسهل عملية تشييعهم، المؤدية حكما إلى وقوفهم في صف النظام، ودفاعهم عنه بكل قوة.. وقد عاين السوريون مثل هذا السلوك في تصرفات عدد من المحسوبين على قبائل مشهورة مثل البقارة والحديديين وأمثالهم، ممن صارت عروة الطائفية عندهم مقدمة على كل عروة.

ويعد "الحديديين" إحدى القبائل الوافدة إلى سوريا (بحدودها المعروفة حاليا)، حيث كانت منازلهم على تخوم الموصل، قبل أن ينتقلوا من هناك عقب نزاعات (يختلف الرواة فيها وفي أسبابها).

وبعيد تحولهم من منازلهم الأصلية، اختار "الحديديين" التوزع في أرياف محافظات سوريا مختلفة، مثل إدلب وحماة وحلب والحسكة، حيث توالى توريث "المشيخة" وصولا إلى "نوري نواف الصالح" الذي يقال إنه من مواليد 1922.

وفي أحدى مقالاتها المثيرة للانتباه، تتطرق الروائية السورية "لينا هويان الحسن" للصراع القديم المتجدد بين قبيلتي "الموالي" و"الحديديين"، ومنها الحرب الأشهر التي استمرت نحو 40 عاما، ولم تنته إلا بوساطات كثيرة تمت على عهد الفرنسيين أيام احتلالهم سوريا.

وتشير "الحسن" إلى النراع الحالي والمحتدم بين "الموالي" و"الحديديين"، على خلفية موقفهم المتعارض من النظام والثورة، حيث يتهم "الموالي" شيوخ "الحديديين" بموالاة النظام.

وتذكّر الروائية بسيرة والد شيخ الحديديين الحالي "نواف الصالح" المولود عام 1888، والذي تولى المشيخة عام 1915، وتصفه بأنه كان "ربيب القسطنطينية" وضابطا في الجيش التركي، ثم سعى إلى الالتحاق بالحكومة العربية التي تشكلت في سوريا عقب "الثورة العربية الكبرى" ونال عضوية الجمعية الوطنية السورية (البرلمان) عام 1928.

وتقول الحسن إن "نواف" كان يجيد الفرنسية والتركية بطلاقة، وإن تواصله مع الجنرال "غورو" أدى إلى تجنيب "الحديديين" بطش السلطات الفرنسية، لكنه قُتل على يد "أحد عبيد الموالي" في حلب عام 1949 عندما كان خارجا من فندق "بارون".

وفي نهاية مقالتها المنشورة عام 2013، تخلص "الحسن" إلى القول بأن الحديديين "اتبعوا سياسة النأي بالنفس، منذ العهد العثماني مرورا بالعهد الفرنسي وانتهاء بالنظام الحالي".

*توفير نصف القتل والدمار

هذا من ناحية امتداد "جمعة الجاسم" عشائريا، أما عسكريا فإن الضابط نادر الظهور يتولى رئاسة سلاحين من أشد أسلحة النظام فتكا وتدميرا، إلى درجة يمكننا القول -على سبيل التخيل- إن شطب هذين السلاحين (المدفعية والصواريخ) من معادلة حرب النظام ضد الشعب السوري، كان من شأنه أن يوفر على السوريين 50 بالمئة من الدمار الذي شهدوه، وينقذ نحو 50 بالمئة من الأرواح التي زهقت، هذا إن لم يكن أكثر.

فمن الثابت إحصائيا وميدانيا أن قوة النظام الضاربة هي في سلاحي المدفعية (المحمولة والمقطورة) والصواريخ (بأمديتها المختلفة).

وليس هناك أرقام دقيقة لعدد المدافع التي يمتلكها النظام، لكنها تقدر بالآلاف، ومنها على سبيل المثال 600 مدفع من عيار 130 الميداني الشديد التدمير، والذي عدل النظام في مداه حتى بات يقارب 40 كم، ولهذا المدفع قدرات على رمي مختلف أنواع القذائف بما فيها الكيماوية.

وإلى جانب مدفع الميدان 130، هناك نحو 400 مدفع من عيار 122 ملم ذاتي الحركة، ونحو 50 قطعة من الدفع العملاق 152 ملم، فضلا عن مئات المدافع المحمولة.

أما سلاح الصواريخ، فيقول العميد المنشق "أحمد بري" في استعراض موجز سبق له أن نشره، إن "سوريا تعد إحدى أكبر القوات الصاروخية في العالم النامي"، ولا يوجد عدد محدد لمختلف أنواع الصواريخ التي يمتلكها النظام، ولكن التقديرات تذهب إلى النظام كان يملك من صواريخ أرض- أرض (مداها بين 300 و700 كم) نحو 500 صاروخ، قبل أن يطلق نحو نصفها على المدن والبلدان السورية.

وهناك على جانب هذه الصواريخ صواريخ تكتيكية مثل لونا وتوتشكا يقدر أن النظام يملك منها نحو 500 صاروخ، ويعمد النظام إلى استخدامها في مختلف معاركه وقصفه الذي يشنه على المناطق خارج سيطرته، علاوة على ما لا يمكن حصره من راجمات الصواريخ.

واعتمد النظام على سلاحي المدفعية والصواريخ في كثير من هجماته المدمرة والقاتلة، ومنها مجزرة الكيماوي الرهيبة في الغوطة (صيف 2013)، حيث حمّل صواريخه رؤوسا تحوي غازات سامة، قبل أن يطلقها على المدنيين وهم نيام فيحصد أرواح نحو 1500 شخص.

أما إطلاق الصواريخ بعيد المدى على المدن السورية، لاسيما حلب، فما تزال آثاره ماثلة حتى اللحظة في صورة خراب واسع، يخيل لمن يناظره أنه يعاين منطقة ضربها زلزال شديد التدمير.