الثلاثاء 2017/07/04

حكومة مركزية في دمشق وشراكة روسية لإنهاء الحرب : استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة

بينما أشارت دراسات مؤسسة "راند" الثلاث السابقة إلى تقسيم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ تتوزع بين النظام والمعارضة والمليشيات الكردية وتنظيم الدولة، فإنها وبعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم فاجأت المتابعين للشأن السوري بإصدار تصورها المرتكز كما قالت على (منهجية ومراجعات قامت بها مؤسسة راند وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بشؤون الحرب وإعادة الإعمار، وذلك بهدف الاستفادة من الدروس المماثلة في السابق، ومقارنتها مع الحالة السورية.

تحت عنوان" كيف يمكن منع انهيار الدولة في سوريا" تعتمد الدراسة مبدأين رئيسيين للحل في سوريا:

الأول: التشارك مع روسيا لإنهاء الحرب، والعمل معها من خلال الأمم المتحدة لمنح التفويض اللازم لإجراء نوع من التغيير السياسي في البلاد في المرحلة ما بعد الانتقالية.

الثاني: اعتماد "حكومة مركزية" في سوريا، ومراجعة التوصيات السابقة التي اقترحت إنشاء نمط من اللامركزية أو التقسيم أو إنشاء جهاز إدارة محلية.

كما تقدم الدراسة في ختامها خمس توصيات للسياسة الأمريكية الجديدة تتمثل في:

أولاً: وجوب حفاظ الولايات المتحدة وروسيا على دوريهما كراعيين شريكين للعملية السياسية.

ثانياً: قيام مزيد من التنسيق العسكري والاستخباراتي بين البلدين.

ثالثاً: مراعاة المخاوف التركية بشأن دور الأحزاب الكردية السورية، وتشجيع تركيا على استئناف المحادثات مع حزب العمال الكردستاني، وحث روسيا وإيران على تقليص دعمهما للحزب الكردي، ودعم وحدة الأراضي السورية، وعدم القبول بأي تقسيم رسمي للمناطق السورية الكردية، عدا منح الأكراد حكماً ذاتياً محدوداً، والتأكيد على عدم السماح للأكراد بإنشاء أية قواعد أو القيام بأعمال ضد تركيا انطلاقاً من شمال سوريا.

رابعاً: ينبغي أن ترفض الولايات المتحدة أي خطط تهدف لتقسيم سوريا، وأن تعي أن أيّ حكم محلي في مرحلة ما بعد الحرب سيقوم على حساب الدولة السورية، وسيؤدي إلى تقويض فرص الاستقرار طويل الأمد.

خامساً: لابد من الإدراك أن الأسد ليس هو الدولة السورية، بل تقوم الدولة السورية على إرث من المؤسسات المركزية والوحدة الوطنية، ومع أن الولايات المتحدة ربما لا ترغب اليوم الخوض في مسألة مصير الأسد للتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب وإنهاء الحرب، لكن واشنطن كذلك لا ترغب برعاية جهود الاستقرار وإعادة الإعمار والأسد موجود في السلطة، وبذلك قد يكون "انتقال الأسد" الثمنَ لإجماع دولي كي تساهم الولايات المتحدة في هذه الجهود الدولية للاستقرار بعد الحرب لمنع انهيار الدولة السورية، التي ينبغي أن تكون مسألة تهم كل الأطراف.

تعالج الدراسة بداية "حل معضلة الأسد" انطلاقاً من استنتاج مفاده " أن التركيز على مسألة تغيير النظام مع هزيمة "الجماعات الإرهابية" التي تسعى لقلب الحكومة لم يؤدِّ إلا إلى إطالة أمد الحرب، حيث بات واضحاً أن رحيل الأسد وهزيمة الإرهاب ربما يكونان غيرَ متوائمين" وأن "تغيير النظام يمكن أن يؤدي لانهيار الدولة فتصبح فاشلة على نحو مزمن، وسينتج عن ذلك توسيعُ المساحات غير الخاضعة لسلطة الحكومة".

وعليه فإن الدراسة توصي كحل لهذه المعضلة "بالتركيز على تأمين استقرار الدولة، والحفاظ على ما تبقى من مؤسساتها، ومنع انهيارها، وتعزيز قدراتها على هزيمة الإرهاب، بالتزامن مع تبنِّي خطوات المصالحة الوطنية، وتنفيذ الإصلاح السياسي المدعوم من التحالف الدولي والشركاء الإقليميين".

وتنتقد الدراسة سعي الولايات المتحدة ودول مثل قطر والسعودية وتركيا إلى الإطاحة بالأسد، وأن ذلك عقّد نهج الحل السابق، وإنه ينبغي تغيير هذا السلوك الذي بدأت عواقبه تظهر نهاية حكم "أوباما" حيث " عبّر نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عن غضبه لغياب التوافق الإقليمي، مؤكداً أن المشكلة تكمن في "حلفائنا" وأن بعض شركاء الولايات المتحدة الإقليميين مصممون على إسقاط الأسد، ويخوضون حرباً "سنيّة شيعيّة" بالوكالة ينفقون عليها مئات ملايين الدولارات، ويرسلون مئات الأطنان من السلاح لأي جهة تقاتل الأسد، بما في ذلك "جبهة النصرة" التي وصلها الدعم، ما ساعد على تدفق "الإرهابيين" من كل أرجاء العالم.

الشراكة مع روسيا :

تشير الدراسة إلى محاولات التنسيق المتكررة بين روسيا وأمريكا لتعزيز التعاون الأمني والعسكري والدبلوماسي لإيجاد حل للصراع في سوريا، إلا أنها شهدت انهيارات عديدة توّجت في آخرها بحصار الروس والإيرانيين لمدينة حلب وسقوطها بيد النظام، لكنْ مع ذلك تجتمع الدولتان في رؤية مشتركة يلخصها موقف الرئيس الروسي "بوتين" وفق البيان الصادر عن الكرملين، أن تدمير "الحكومة الشرعية" في سوريا سيؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار كما حصل في العراق وليبيا، وأنه لا يمكن إنهاء الحرب إلا من خلال تقوية مؤسسات "الحكومة الشرعية" ودعمها في الحرب على الإرهاب، وتشجيعها في الوقت نفسه البدء بحوار إيجابي مع الجزء "السليم" من المعارضة لإطلاق عملية التحول السياسي.

الخطة (ب) الخطرة :

تتحدث الدراسة عن الخطة (ب) الخطرة التي يراها فريق آخر في الولايات المتحدة كنهج بديل عن الشراكة الروسية، ويعتبر فيها أن دعم الروس والإيرانيين لنظام الأسد يعدّ عملاً عدائياّ للمصالح الأمريكية، وأنه ينبغي على أمريكا التفكير بالخطة (ب) لدفعهم للتفاوض على تنحي الأسد.

تفاصيل الخطة (ب) الخطرة تتضمن: "زيادة الدعم العسكري للفصائل المعتدلة، وإنشاء مناطق آمنة في الشمال السوري، وربما القيام بضربات تستهدف قوات النظام، وجعل روسيا تدفع ثمن سلوكها المثير للاضطراب، ومواجهة القوة الإيرانية بدلاً من الإذعان لها، ولا شك في أن إظهار الولايات المتحدة الحزم في مواجهة الأسد وإيران سيدفع الشركاء العرب لتقديم المزيد في مواجهة تنظيم الدولة. إلا أن هذا النهج لا يضع بعين الحسبان أن القيام بمزيد من زعزعة استقرار النظام وتقليص الشراكة الروسية الأمريكية قد يدفع بالأسد وداعميه للمزيد من التعنت، فيما تضعف مؤسسات الدولة، ويقلّ التركيز على مواجهة "الجماعات الإرهابية"، وفي الوقت نفسه ستفشل هذه الخطة في حل إشكالية العلاقة بين بعض فصائل المعارضة وجبهة فتح الشام، بالإضافة لفشلها في التعاطي مع التحفظات التركية حول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يُعتبر الأكثر كفاءة من بين الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا.

التعامل مع الأسد : ترى تقديرات الدراسة "أن رحيل الأسد سيساهم بالتأكيد بالاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب على أن يكون ذلك ناتجاً عن عملية تفاوضية، ومن الأفضل أن يحصل ذلك بينما تستمر مؤسسات الدولة في حالة مستقرة نسبياً، وأن لا يتم إخراج بشار الأسد على خلفية تصعيد أو صراع عسكري".

كذلك ترى الدراسة "أن كلاً من نظام الأسد والعديد من قوى المعارضة يقفون في مواقع تعيق إجراء مفاوضات جادة، فالأسد يعتبر الفصائل المسلحة "إرهابية"، فيما تعارض الفصائل أي دور للأسد في الفترة الانتقالية، ومما يعقّد "التفاهم المشترك" أولئك السوريون بمن فيهم العلويون والمسيحيون وغيرهم من أبناء الأقليات الذين يربطون بقاء الأسد ببقائهم. تلحظ الدراسة هنا أن أمريكا حافظت على قدر من الغموض والمرونة فيما يتعلق بدور الأسد في المرحلة الانتقالية، لكنها أكدت أنه لن يكون جزءاً من حكومة ما بعد المرحلة الانتقالية، حيث سيقرر السوريون مصيره كما تقول روسيا وإيران.

تشير الدراسة أيضاً إلى أن خطة إيران الرباعية التي أكّد عليها "ظريف" في أكتوبر 2015 المتضمنة: إنشاء حكومة وحدة وطنية، ومكافحة الإرهاب، والإصلاح الدستوري، وإنشاء هياكل حكومية جديدة على أساس التغيرات الدستورية تعتبر هذه الخطة قد احتوت على مبادئ السيادة، ووحدة التراب، ومكافحة الإرهاب والطائفية، وعدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية، والحل السياسي، واحترام حقوق الأقليات وحقوق الإنسان، ما دفع بكيري للتأكيد على أن الوثيقة الإيرانية قريبة جداً مما حاول مؤتمر جنيف تحقيقه. تستخلص الدراسة هنا قضية جوهرية هي لبّ موضوع مراجعات دراساتها السابقة، وتضعها أمام صنّاع القرار في الولايات المتحدة، وهي أن "مسألة الاستقرار لن تكون ممكنة إذا تمّ تقسيم سوريا، فالهوية الوطنية السورية قوية نسبياً، وتجربتها في الحكم المركزي عززت آفاق الدولة الموحدة"، و "أن الاستقرار في سوريا بعد الحرب سيعتمد على تقوية الدولة السورية ومؤسساتها، لأن تقوية الهياكل المستقلة على حساب الدولة السورية حتى وإن كان ذلك تحت ستار "الحكم المحلي" أو "اللامركزية" سيكون خطأً كبيراً، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التاريخ والتراث السياسي السوري، فالهوية الوطنية السورية تعتبر مركزية، ومما يثير الدهشة أنها قد تطورت تاريخياً على نحو جيد، و "أن الصراعات في سوريا كانت معارك سياسية محلية ولم تؤدِّ للتحشيد على أساس الهوية، كما إن الانقسامات المجتمعية السورية لم تكن طائفية أو عرقية، بل كانت اقتصادية اجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وبين الريف والمدينة، وكان الصراع يتمحور على الدوام حول ما إذا كان السوري "حلبي أو شامي أو ريفي"، أكثر من كونه صراعاً طائفياً أو عرقياً" وبقي " معنى أن يكون المرء سورياً أكبر من الاختلافات العرقية والطائفية". " وللاستفادة من دروس التراث والحالة القومية وتجربة الحكم المركزي للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا، لابد من التأكيد أولاً على أنه لا ينبغي لهياكل الحكم بعد الحرب أن تقوم على الهويات غير الوطنية، أو على الانقسامات الطائفية والعرقية، أو الجغرافية". "ولا شك في أن الحاجة لتشكيل سلطة مركزية لا يتعارض مع إجراء إصلاحات دستورية للحد من سلطة الرئاسة، أو مع تمكين السلطات المحلية والهيئات التشريعية، فهذه الإصلاحات تختلف عن خطط منظومات الحكم فيما يطلق عليه (المناطق المحررة)، ومن غير الواضح مع غياب الرابط مع مؤسسات الحكم المركزية أن يكون للمناطق المحررة أبسط أنواع الإمكانات الأمنية أو الاقتصادية أو التجارية لتحيا هذه المناطق وخصوصاً في بيئة ما بعد الحرب". وتتابع الدراسة .. "وينبغي على العملية الانتقالية أن تتجنب الوقوع في الأخطاء التي تم اقترافها في العراق كالإفراط في اجتثاث البعث، أو الانشغال بانتقال سلطة الدولة"، " وأن برنامج الفحص الشامل أفضل من سياسة الإقصاء التي تطال الرتب والمواقع الدنيا من العاملين في وظائف الدولة، ومن الأفضل للسلطة المحلية في سوريا أن تكون مبنية على الحدود الإدارية الموجودة مسبقاً للمحافظات السورية بدلاً من أن تكون مبنية على الهويات الطائفية وخطوط المعارك، ما سيتسبب بالهزيمة ذاتياً، فالعراق ولبنان مثالان لدول مجاورة ساهمت فيهما العوامل الطائفية والعرقية على خلق دول ضعيفة معرضة للعنف المتكرر وعدم الاستقرار، ما أدى إلى ارتفاع في أعداد المجموعات والمليشيات المسلحة. فالمركزية تعني أن السلطة والخدمات تأتي من الحكومة المركزية وهو ما يتوقعه السكان المحليون من الحكومة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه ليس هناك تجربة حكم محلي ناضجة في سوريا فإنه من غير الممكن تقييم تجارب الإدارات المحلية في المناطق المحررة خلال فترة الحرب، وسيكون من الضروري دمج بعض قوى المعارضة في الهياكل الأمنية والإدارية السورية، ولا ينبغي أن توصف الجماعات المسلحة "بالمحررين" أو أن يحصلوا على موافقة من سيحكمونهم حتى وإن كانت هذه الجماعات تتمتع بدعم الدول الإقليمية الصديقة للولايات المتحدة".

إعادة بناء الدولة السورية: تصادم الدراسة هنا استراتيجية الاتحاد الأوربي في قضية إعادة الإعمار عبر الإدارات المحلية، والوحدات الإدارية الصغيرة، وتذهب إلى أن ذلك يتطلب وجود سلطة حكم مركزي، ومن خلال حكومة مركزية وليس من قبل أطراف محلية لا حصر لها، وأن تكون الأولوية لدفع أجور القطاع العام وتبني سياسة مالية تسمح بتدفق أكبر من العملة الصعبة للاقتصاد السوري، وذلك قبل القيام بأية إجراءات إصلاحية.

مسألة ما بعد الحرب: تعتبر الدراسة أن عامل الأمن هو الأكثر أهمية لنجاح عملية الانتقال، و "أن تتبع جهود بناء الأمن في مرحلة ما بعد الحرب عدة موجهات، أولها إيجاد آلية يمكن من خلالها للمسلحين تسليم أسلحتهم مقابل وجود ضمان سلامة لقوات المعارضة التي توافق على نزع السلاح، وتمكينها من ترك ساحات القتال والدخول في برامج إعادة الاندماج، وكانت فرنسا قد اقترحت دمج الجيش السوري الحر وقوات النظام لقتال تنظيم الدولة بحيث يكون ذلك حافزاً للتقارب". وكما في قضية إعادة الإعمار توصي الدراسة بأنه "ينبغي إعادة هيكلة القوات الأمنية بالتنسيق وليس بالتعارض مع دمشق، و" أن السماح للمحافظات بتشكيل قوات أمنية خارج سلطة الدولة، وخصوصاً في المناطق ذات الغالبية السنية قد يؤدي إلى منح السلفيين والجهاديين الذين تعاونوا مع "النصرة" ملاذات آمنة، فإعادة بناء دولة ضعيفة مع بقاء مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة تقع تحت سيطرة القوى الإقليمية التي تدعم الجماعات السلفية والجهادية، سيتسبب على الأرجح بإضعاف جهود مكافحة الإرهاب بدل تقويتها".

"لكن النقطة الأكثر أهمية تتمثل في معرفة إن كان الأسد سيبقى في السلطة أم لا، وإذا حققت قوات النظام نصراً مبيناً كما فعلت قوات الأمن الكولومبية إبان الثورة المسلحة، فعند ذلك يجب أن تتولى القوى الأمنية الوطنية شؤون المناطق الثائرة وبعدها يتم إعادة هيكلة القوات الأمنية".

ربما سيكون من الضروري مشاركة قوات دولية في مرحلة ما بعد الحرب لكن "أثبتت التجارب التاريخية أن فرص نجاح قوات الأمم المتحدة أكبر من القوات المنفردة التابعة لدولة ما، ففي ليبيا قوّض عدم وجود قوات أممية عملية الاستقرار وبناء المؤسسات"، بالمقابل فإن "نشر قوات برية من دول منخرطة مباشرة أو بشكل غير مباشر، قد يشكِّل مصدراً للاضطراب والانقسام، ويؤجج السخط المحلي.

"ولا شك في أن نشر قوات سلام دولية سيتطلب موافقة إيران وروسيا وسوريا، فبدون الدعم الروسي لن يكون هنالك قرار من مجلس الأمن لنشر مثل هذه القوة، وإذا أصر الأسد وداعموه على استعادة كل شبر من سوريا وحققوا النجاح في شمال سوريا، فسيرفضون التنازل عن السيطرة للقوات الدولية أو المحلية التي قد تخضع لنفوذ أعدائه، إلا أن توازن القوى على الأرض سيكون هو الفيصل في نهاية المطاف لتحديد التوقيت والشروط والجدوى من المفاوضات السياسية ووقف إطلاق النار".