شهدت الأشهر الماضية مجموعة من التطورات التي أدخلت الثورة السورية في طور جديد واستحقاقات من نوع مختلف، فمنذ أن أخرجت فصائل المعارضة من حلب بفعل القصف المدمر للطيران الروسي المحتل، وبفعل الاستدارة التركية في علاقاتها الخارجية لأسبابها الداخلية، راحت حقائق الميدان تتغير لغير صالح الثورة في أكثر من موقع، كما ترافقت مع مؤتمرات أستانا التي يغلب عليها الطابع العسكري، وأقرت هدنًا، ثم مناطق لخفض التصعيد بضمانة روسية، تركية إيرانية، إلا أن هذه الهدن ومشاريع خفض التصعيد، لم تنجح بسبب تراخي الضامن الروسي المتعمد وخروقات النظام والميليشيات الإيرانية، التي تسعى للحسم العسكري وغير معنية بأية حلول سياسية، الاتفاق الوحيد الذي مازال صامدًا حتى الآن هو اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، الذي أعلن عنه في لقاء بوتن- ترامب في هامبورغ، وما زالت تفاصيله التقنية وحدوده وآليات مراقبته غامضة بسبب التحفظات الإسرائيلية، التي تصر على خروج الميليشيات الإيرانية وحزب الله من المنطقة، وتتفهم روسيا مطالبها، لكنها تنتظر ثمنًا من الولايات المتحدة لم تحصل عليه بعد.ترافقت هذه التطورات بهزيمة داعش، التي أحرزها التحالف الدولي في الموصل، هزيمة على وشك الوقوع أيضًا في الرقة ودير الزور، لقد خلفت حرب التحالف الدولي دمارًا شاملًا لهذه المدن وقتلًا جماعيا لسكانها باستخدام مفرط للقوة، لا يبرره مستوى هذه الحرب، وهذا أتاح للنظام أن يحقق تقدمًا في البادية السورية على حساب داعش، بالمقابل جاءت سيطرة هيئة تحرير الشام على أغلب محافظة إدلب، ليصب الماء في طاحونة النظام ودعايته، التي تربط الثورة بالإرهاب، تطورات أنعشت لديه ولدى حلفائه الإيرانيين وهم الانتصار في ظروف دولية تبدو له ملائمة.الإرباك الذي يسود ساحة المعارضة العسكرية ، يرافقه إرباك ربما يكون أشد وطئة في ساحة المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العامة للتفاوض وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، هذا الإرباك لا يقتصر على العوامل الذاتية، بل تساهم به حملة دولية منظمة لنشر روح اليأس والإحباط في صفوف المعارضة، ودفعهم للتراجع عن أهداف الثورة، وتجاوز تضحيات السوريين الهائلة، وأن يقبلوا بما سيعرض عليهم باسم الواقعية السياسة ومخاطر معاكسة الإرادة الدولية، التي تريد الحفاظ على نظام الأسد الوظيفي بحجة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية.لاشك أن هناك ضغوط هائلة تمارس على المعارضة بشكل مباشر أو في الكواليس تحت عنوان رئيس توحيد وفود المعارضة بزعم الحصول على شرعية تمثيلية تحضيرًا للدخول في الحل السياسي، الذي يبشر به ديمستورا دون أن يفصح عن ماهيته، بحيث اضطرت هيئة التفاوض، التي تشكلت في الرياض نهاية العام 2015 بقرار دولي حمل الرقم 2254 وبناءً على مقررات مؤتمر فيينا الثاني، لأن تتفاوض بالرياض مع منصتي القاهرة وموسكو، اللتين تشكلتا بإرادة روسية ومصرية كإصبع لكل منهما للعب في الملف السوري، ودون أن تملك أيًا منهما برنامج عمل أو رؤيا سوى بعض التصريحات المتفرقة، التي يمكن اختصارها بالموقف المهادن من مصير الأسد.والسؤال الذي يطرح نفسه على جناحي المعارضة العسكرية والسياسية، عند هذا المنعطف الصعب هل هي مضطرة للخضوع لإرادة الدول المتدخلة ومتطلباتها؟ وكيف يمكن لها مواجهة هذه الضغوط، واجتراح السياسات والوسائل التي تخفف من هذه الضغوط، أو تفتح الطريق أمام أداء مختلف؟.
- هناك قرارات دولية بدءًا بالقرار جنيف 1 لعام 2012 وانتهاءً بالقرار 2254 لعام 2016،وهذه القرارات قد يماطل المجتمع الدولي في تطبيقها، لكنه لايستطيع أبدًا تجاوزها، إلا إذا تنازلت عنها المعارضة. لقد حددت هيئة الرياض في بيانها التأسيسي أهدافها ورؤيتها للحل السياسي استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية، وهي غير مضطرة حاليًا للتراجع عنها، وإعطاء هذه المنصات ما لا تستحقه على حساب تضحيات الثورة.
- يحاول الروس وبعض الدول المتدخلة إيهام المعارضة، بأن المجتمع الدولي تجاوز خلافاته وتبايناته حول القضية السورية ، وهو ماض في حلها ، وهذا غير مؤكد، فقياسًا على التناقضات القائمة بين أمريكا وروسيا، أنه إذا ما أرادتا تعميم التجربة السورية بتعويم قوى الثورة المضادة على بقية دول الربيع العربي، فإن التفاهم الروسي الأميركي سيكون أكثر بعدًا، ذلك أن الهواجس التركية تجاه المشكلة الكردية لم تبدد ، كما لم يراع الجهد السعودي في اليمن، وعليه فإننا نعتقد أنه ليس من مصلحة السعودية الطامحة لدور عربي وإسلامي التخلي عن الملف السوري، إلا إذا حصلت مصالحة سعودية إيرانية لا تبدو أنها ممكنة. والتفاهم الدولي الجديد الذي يروج له إن وجد، فإنه يتناقض مع المصالح الحيوية لكل تركيا والسعودية، وهما لن تعدما الوسائل لدعم قرار قوى الثورة السورية بالصمود في مواجهة محاولات تصفيتها.
اقرأ المزيد