الثلاثاء 2022/08/02

“العنف والتمييز” ضد اللاجئين السوريين.. سجال بين لبنان والأمم المتحدة

أدت تصريحات وصفت بـ"العنصرية" برزت في الأسابيع الأخيرة، وما أفضت إليه من عنف لفظي وجسدي ضد اللاجئين السوريين في لبنان، إلى نشوب سجال وتراشق اتهامات بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووزارة الخارجية اللبنانية.

بداية، أصدرت مفوضية اللاجئين بياناً (قبل أن تعاود سحبه من موقعها)، عبّرت من خلاله عن قلقها الشديد إزاء الممارسات التقييدية والتدابير التمييزية ضد اللاجئين في لبنان، التي يجري تفعيلها على أساس الجنسية، داعية السلطات اللبنانية إلى ضمان سيادة القانون والوقف الفوري للعنف والتمييز ضد  المستهدفين المقيمين في لبنان.

وجاء الرد الرسمي اللبناني من خلال بيان صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين، ردَ ما يحصل من مشكلات متزايدة وتوترات إلى عدم تجاوب المفوضية مع طلبات لبنان.

ويصوّب معظم المسؤولين اللبنانيين تصريحاتهم في الفترة الأخيرة ضد اللاجئين السوريين، باتهامهم بالوقوف خلف الأزمات التي يشهدها لبنان، مشددين على ضرورة عودتهم إلى بلدهم، حيث تم وضع خطة تقضي بإعادة 15 ألف لاجئ شهرياً، رغم تحذيرات منظمات دولية من مخاطر الإعادة القسرية.

ولا يزال لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه الإجمالي حوالي 6.7 مليون نسمة، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع، وفقاً لمفوضية اللاجئين.

وأظهرت أزمة الخبز مدى انعكاس تصريحات المسؤولين على أرض الواقع، حيث تعرض اللاجئون السوريون للتمييز، سواء برفض بعض الأفران بيعهم رغيف يومهم، أو الفصل بين طوابير اللبنانيين وطوابيرهم، وصولاً إلى التعرض لهم من قبل زبائن لبنانيين بالضرب.

اتهامات متبادلة

وأشارت المفوضية الأممية في بيانها الذي نشرته في 29 يوليو الماضي إلى زيادة التّوتر بين الفئات المختلفة في لبنان، وبالأخص فيما يتعلق بالعنف ضد اللاجئين، "مما يؤدي الى تصاعد أعمال العنف على الأرض في عدد من المناطق والأحياء".

وإذ أشارت المفوضية إلى أن "للأزمة الاقتصادية في لبنان وقعٌ مدمر على الجميع، وخصوصاً على من هم الأكثر ضعفاً من بينهم"، أكدت على ضرورة استمرار "كل من روح التضامن والاحترام المتبادل اللذين لطالما تميّز بهما المجتمع بكافة فئاته في لبنان".

ولم يرق بيان المفوضية لوزارة الخارجية اللبنانية بعد اطلاعها عليه "باهتمام بالغ"، فعبرت عن أسفها من أن "البيانات المماثلة تعمق التباين وتزيد الأزمات التي يعاني منها النازحون السوريون والمجتمعات اللبنانية المضيفة لهم، خصوصاً وأن لبنان لم يتخذ أية اجراءات او قرارات من شأنها التمييز بين النازح السوري والمواطن اللبناني".

واعتبرت الوزارة أن أزمة الغذاء التي يشهدها العالم يتضاعف تأثيرها في لبنان، بسبب المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعاني منها البلد، مشيرة إلى أن لبنان حذّر مراراً من أن هذا الواقع سيؤدي حتماً الى تنافس اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على الموارد الغذائية المحدودة، خصوصاً أن النازحين واللاجئين يشكلون ثلث عدد سكان لبنان وأن 80% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، ولا شك ان استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى ارتفاع في نسبة التوترات، لا بل نسبة الحوادث الأمنية تجاه كافة الفئات المهمشة.

وبعد تشديد الوزارة على أن عدم تجاوب المفوضية مع طلبات لبنان، لناحية مشاركة المعلومات والبيانات وتعزيز جهود التعافي المبكر في سوريا بما يسمح بعودة تدريجية وآمنة وكريمة للنازحين السوريين، يشكل السبب الأساسي وراء ما يحصل من مشاكل متزايدة، لفتت إلى ضرورة الحوار المباشر والهادئ والبنّاء.

وفي حديث مع موقع "الحرة" أكدت المتحدثة الإعلامية باسم مفوضية اللاجئين دلال حرب، على ترحيب المفوضية بكل تعاون وحوار بناء مع السلطات والحكومة اللبنانية، من أجل معالجة الوضع الإنساني الصعب الذي يمر فيه كل من اللبنانيين واللاجئين، مشددة "هدفنا الأساسي حماية الفئات الأكثر ضعفاً ومن بينها اللاجئين".

وبحسب تقرير الحماية، الذي تصدره المفوضية بشكل دوري، تم رصد "زيادة التهديدات بالإخلاء الجماعي لمخيمات اللاجئين، وفرض حظر تجول على تنقلاتهم خلال ساعات محددة في بعض البلدات، وفي بلدات أخرى ظهر أن الحد الأقصى لراتب عاملات المنازل السوريات أقل بكثير من الراتب الفعلي لسعر السوق، ومنعت بعض البلديات اللاجئين من العمل خارجها في حال عرض عليهم أجور مرتفعة، وذلك تحت تهديد اجبارهم على اخلاء منازلهم".

كما تعرض اللاجئون، بحسب التقرير "لمضايقات لفظية لا بل كذلك إلى تعنيف جسدي أثناء وقوفهم بالطوابير لشراء الخبز". وفي وقت سمحت لهم بعض الأفران بالحصول على ربطة واحدة، رفض البعض الآخر بيعهم ولو رغيف واحد، "وذلك مع انتشار شائعات  لا أساس لها من الصحة بأنهم يعيدون بيع الخبز".

ترجمة التحريض

ورصدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان، استمرار قيام العديد من البلديات في مختلف المناطق اللبنانية بأفعال تصنف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيما ضد اللاجئين السوريين، وقد دعت في بيان السلطات المحلية إلى التراجع عن أي قرارات من قبيل التهجير القسري أو حظر التجول للاجئين على خلفية عنصرية.

ولفتت الهيئة إلى أن "السلطات اللبنانية لم تتخذ تدابير جدية لحظر خطاب الكراهية العنصرية والتحريض على الكراهية العنصرية أو التمييز العنصري والمعاقبة عليهما خصوصاً ضد اللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء وعديمي الجنسية"، مذكرة بالزامية حظر "الإعادة القسرية، وعدم خرق التزامات لبنان بصفته طرفاً في اتفاقية مناهضة التعذيب، والقانون الدولي العرفي، ما يلزمه بعدم إعادة أو تسليم أفراد معرّضين لخطر التعذيب والاضطهاد إلى بلدانهم الاصلية".

وأحد القرارت التي اتهمت بالعنصرية صدر عن محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر، أشار من خلاله إلى" ضرورة إعطاء الأولوية للمواطن اللبناني في ظل الأزمة التي يعاني منها للحصول على ربطة الخبز المدعومة، والمزاحمة عليها من قبل النازح السوري، حيث أن هناك أشخاصاً يحصلون على عدة ربطات خبز، ومنهم من يعيد بيعها في السوق السوداء".

خضر نفى لموقع "الحرة" أن يكون قراره عنصريا ضد اللاجئين، قائلاً "لم أمنع بيع الخبز إلى السوريين، فهو حق لكل إنسان أياً تكن جنسيته، لكن عندما يشكّل النازحون 90 في المئة من الطوابير ويشتري معظمهم كميات كبيرة، عندها لا بد لي من حماية المواطن اللبناني بأمنه الغذائي وإعطائه أولوية الحصول على الخبز المدعوم من أمواله التي تبخرت من المصارف والتي دفعت لفترة على دعم المحروقات واليوم لدعم الطحين".

وأضاف "العدد الكبير للنازحين في محافظة بعلبك الهرمل والمميزات التي تعطى لهم في وقت هوى معظم اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر، يخلق احتقاناً وتشنجاً بين المجتمع المضيف وبينهم، من هنا لا بد من أخذ بعض الاجراءات لتنفيس الشارع كي نحول دون حصول إي احتكاك أو اشكال بين الطرفين".

ونوه خضر من خلال قراره كما يقول "على ضرورة  تأمين الخبز لكل صاحب حاجة على قدر المستطاع، مع اعطاء الأولوية للمواطنين" وفيما إن كان هناك اثباتات على أن السوريين يبعون الخبز في السوق السوداء أجاب "بالتأكيد".

ومن أشكال التمييز والعنصرية التي يواجهها اللاجئون السوريون إصدار تعاميم من بلديات في مناطق لبنانية مختلفة تقيد حركتهم، مانعة تجولهم لفترات محددة ولأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال التعاميم التي اتخذت في شهر مايو الماضي قبيل الانتخابات النيابية، والآن في مدينة النبطية بسبب إحياء مراسم عاشوراء، حيث صدر عن مجلس الأمني الفرعي كما يقول محافظ النبطية بالتكليف حسن فقيه لموقع "الحرة" "منع تجول الأجانب من المغرب وحتى الصباح، لتجنب أي احتكاك أو اشكال، لاسيما وأن القوى الأمنية متعبة وعديدها قليل".

وفي الوقت الذي أكد فيه الاتحاد الأوروبي على أن شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين والنازحين بمن فيهم النازحون داخلياً، أشار إلى أنه  قدّم منذ عام 2011 دعماً قيمته نحو ملياري يورو للبنان، منها أكثر من مليار يورو على وجه التحديد لمعالجة تأثير الأزمة السورية في لبنان ودعم اللاجئين من سوريا واللبنانيين المستضعفين.

وفي شهر يونيو الماضي راج خبر اقتحام عناصر من شرطة بلدية الدكوانة (قضاء المتن في محافظة جبل لبنان) منازل سوريين وتوقيف عدد منهم، حيث حجزوا هوياتهم واجبروهم على التوقيع على تعهد بالعودة الى بلادهم، وإذ نفى رئيس البلدية أنطوان شختورة ذلك في حديث لموقع "الحرة" شرح أن كل ما ما قامت به البلدية هو التدقيق بأوراق النازحين الثبوتية بعد اشكال مع أبناء المنطقة على خلفية أعمال مخلة بالآداب ومخالفة للحشمة، "لذلك تواصلت مع أرباب عملهم لأؤكد أنهم تحت سقف القانون كما حال اللبنانيين".

ويعرف عن بلدية الدكوانة تشددها ضد السوريين منذ لجوئهم إلى لبنان، حيث سبق أن  شنت حملة إقفال المحلات التي يشغلونها معلنة رفضها القاطع السماح للأجانب بإستئجار المحلات التجارية في أي سوق من أسواقها، "بالإضافة الى عدم السماح بإدارة المحلات ذات الصناعات الخفيفة التي تؤثر سلباً على التاجر اللبناني والصناعي من حيث المضاربة غير المشروعة ونوعية البضائع".

رفض التمييز والعنصرية

واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال ​هكتور حجار​، أن "الدولة اللبنانية لا تستفيد بشيء من الوجود السوري"، مؤكداً أن "لبنان يدعم النازحين السوريين بـ9 مليون دولار شهرياً ثمن الخبز فضلاً عن خدمة الكهرباء والمياه التي كانوا يحصلون عليها مجاناً".

وذكر في حديث تلفزيوني أن "السوريين دخلوا في كل القطاعات، واليد العاملة السورية موجودة في كل لبنان، وهي لم تعد يداً عاملة بل أصبحت مستثمرة"، لافتاً إلى أن "35 في المئة من المجتمع في لبنان يتألف من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين".

ومنذ أعوام يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان بحسب المرصد "الأورومتوسطي" إلى "ممارسات تمييزية وعنصرية، عدا عن القوانين التي تحد من قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية، ولا سيما الحق في الصحة والعمل، إضافة إلى تعرّضهم لعدد كبير من الاعتداءات التي تسبّبت بمقتل عدد منهم وإحراق بعض المخيمات، والتي تكون غالباً مدفوعة بخطابات كراهية وتحريض".

ودعا المرصد في بيان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى "رفض خطة ترحيلهم من لبنان وعدم التعاون معها في شكلها الحالي، والاستمرار في تقديم الدعم والخدمات لهم​، إلى جانب التواصل مع السلطات اللبنانية بشكل حثيث لبيان عواقب الترحيل القسري، مشدداً على أن لبنان ملزم، بموجب تعهداته في إطار اتفاق الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، عدم إجبار أي شخص يخشى أن يتعرض للتعذيب على العودة إلى بلاده".

وقبل أيام عبّر الاتحاد الأوروبي عن استمرار قلقه إزاء "الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة في لبنان وتأثيرها على جميع فئات السكان الضعيفة في لبنان" مشيراً إلى أن "أربعة من كل خمسة أشخاص يعيشون في فقر والكهرباء متوافرة فقط في بعض الأحيان، داعياً في بيان السلطات اللبنانية إلى تجنب الخطاب الخلافي والعمل بشكل بناء في شأن هذه القضية".

ورفضاً لعنف السلطة الموجه ضد اللاجئين والعمال الأجانب والنساء ومجتمع الميم عين، نظمت ناشطات نسويات مظاهرة يوم الأحد الماضي في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث رفعن الصوت للاضاءة على ما تعانيه شريحة واسعة من المجتمع.

وشرحت رهف دندش، (احدى منظمات المظاهرة) لموقع "الحرة" أن "الخطابات العنصرية ازدادت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، لا بل وصل الأمر إلى تحميل اللاجئين مسوؤلية كل ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، حيث تهدف السلطة اللبنانية إلى توجيه الغضب الشعبي تجاههم بدلاً منها، في وقت يدفع اللاجئون كما اللبنانيون ثمن الأزمات التي تعصف بالبلد".