الجمعة 2020/12/11

“إمبراطورية طباخ بوتين” تبحث في نفط سوريا عن ثمن إنقاذ الأسد

تمر الأيام المثقلة بالأزمات الاقتصادية على سوريا ببطء بعد عشر سنوات من الحرب، وعلى الطرف المقابل يتحرك الروس فيها بسرعة وعلى الخفاء من أجل استرداد أكبر كم من الفواتير لقاء التدخل العسكري والسياسي، الذي كان له الدور الأبرز في بقاء رأس النظام، بشار الأسد على كرسي الحكم.

 

لا تنحصر الفواتير في مجال اقتصادي دون الآخر، بل وعلى مدار السنوات الماضية عكفت موسكو على التوغل في كافة المفاصل الاقتصادية لسوريا، بموجب عقود واتفاقيات وقعتها مع حكومة الأسد، وكان أبرزها منذ عام تقريبا، بتوقيع ثلاثة عقود للتنقيب عن النفط في الشرق السوري مع شركتين روسيتين، واللتين بات لكل منهما فرعا في العاصمة السورية دمشق، حسب ما ذكرت مصادر سورية محلية، منذ أسبوع. 

 

استطلاع بغرض التنقيب: 

أيام قليلة فقط فصلت بين تأسيس الفرعين في دمشق وبين عمليات الاستطلاع الأولى من نوعها التي باشرت بها الشركتين في دير الزور شرقي البلاد، وحسب ما قالت مصادر إعلامية من المحافظة في تصريحات لموقع "الحرة" فإن وفدين من شركتي "ميروكي" و"فيلادا" الروسيتين وصلا أمس إلى المناطق النفطية في دير الزور، الخاضعة لسيطرة قوات نظام الأسد.

 

المصادر أضافت أن وصول الوفدين جاء في إطار عمليات الاستطلاع لمناطق النفط، وخاصة حقل التيم بالقرب من مدينة موحسن جنوب دير الزور، موضحة أن "عناصر من الشرطة العسكرية الروسية رافقتهما إلى دير الزور، بعد جولة لهما في منطقة تدمر شرقي حمص".

 

وأكدت المصادر أن "الجولة للشركتين الروسيتين هي الأولى لهما إلى محافظة دير الزور"، مرجحة بدء عملهما في الأيام المقبلة، في عمليات التنقيب عن النفط والغاز، والتي تعرف المنطقة الشرقية لسوريا بغناها بها. 

 

وتكتسب دير الزور، ثاني محافظات سورية من حيث المساحة أهمية استثنائية لأنها تضم أهم وأكبر الحقول النفطية ومحطات التجميع، والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة عام 2013، قبل أن يسيطر عليها تنظيم الدولة عام 2014، وصولا إلى تقاسم السيطرة عليها بين "قوات سوريا الديمقراطية" وقوات الأسد والميليشيات الإيرانية الداعمة لها. 

 

"إمبراطورية طباخ بوتين": 

يعود العقد الموقع بين حكومة النظام وشركتي "ميروكي" و"فيلادا" إلى أواخر ديسمبر 2019، وحينها وافق "مجلس الشعب" التابع للنظام على عقود ثلاثة مشاريع قوانين متضمنة تصديق عقود للتنقيب عن النفط مع الشركتين المذكورتين.

 

وحسب ما ذكرت وكالة أنباء النظام (سانا)، في ذلك الوقت، فإن مشاريع القوانين تشمل التنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في منطقتي البلوك رقم 7 والبلوك رقم 19 بالنسبة لشركة "ميروكي"، ومع شركة "فيلادا" المحدودة المسؤولية للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في منطقة البلوك رقم 23، الواقعة في ريف دمشق. 

 

و"البلوك رقم 7" هو حقل نفطي يقع في الجزيرة السورية، ويمتد على مساحة 9531 كيلومترا، أما البلوك رقم 23 فهو حقل غاز يقع شمال دمشق يمتد على مساحة 2159 كيلومترا مربعا. 

 

العقود الموقعة بين الروس والنظام والخاصة بالنفط والغاز تعتبر طويلة الأمد، حيث يستمر العمل خلالها لعشرات السنين، وهو ما انطبق في العقد الذي أبرمته موسكو في مجال الفوسفات، في عام 2018، وامتد حينها حسب ما ذكرت وسائل الإعلام الروسية والرسمية التابعة لنظام الأسد لـ 50 عاما. 

 

وإلى نقطة تعتبر غاية في الأهمية فالشركات الروسية وخاصة "ميروكي" و"فيلادا" اللتين بدأتا عمليات الاستطلاع في مناطق دير الزور النفطية فلا تعود ملكيتهما إلى الحكومة الروسية، بل إلى رجل الأعمال الروسي و"ملك قطاع المطاعم"، يفغيني بريغوجين، المعروف بـ"طباخ بوتين"، وفقا لما ذكرت وسائل إعلام روسية، يناير 2020. 

 

صحيفة "موسكو تايم" كانت قد نشرت، في 20 من يناير العام الجاري، تفاصيل "صفقات النفط والغاز السرية في سوريا" التي عُقدت بين يفغيني بريغوجين والنظام، وأشارت إلى أن هذه الصفقات تخدم مصالح مرتزقة "فاغنر"، التي أسسها بريغوجين.

 

وأضافت الصحيفة أن شركتي "فيلادا" و"ميركوري" هما اثنتان من "إمبراطورية بريغوجين" في سوريا، وأنه تم تأسيسهما للتهرب من العقوبات الأميركية والأوروبية. 

 

البداية من 2013: 

التوغل الروسي في قطاع النفط بسوريا وبالعودة إلى السنوات الماضية فقد بدأ في عام 2013، حين أبرمت شركة "سويوز نفتا غاز" الروسية أول اتفاق مع نظام الأسد للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية، وشمل العقد في ذلك الوقت، عمليات تنقيب في مساحة 2190 كلم مربع لمدة 25 عاما.

 

تبعتها شركة "ستروي ترانس غاز" عام 2017 بعقود التنقيب عن الغاز والنفط في شواطئ طرطوس وبانياس، بالإضافة إلى حقل قارة بريف حمص، فضلا عن حق استخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر.

 

ويستبعد مهندس في وزارة النفط في حكومة نظام الأسد في تصريحات لموقع "الحرة" أن تكون عمليات الاستطلاع التي أجرتها الشركات الروسية في المناطق النفطية بدير الزور مؤشرا على عمليات تنقيب قريبة في المرحلة المقبلة، معتبرا أن المنطقة ماتزال في طور عدم الاستقرار، على خلفية الهجمات التي ينفذها تنظيم الدولة بين الفترة والأخرى. 

 

ويضيف المهندس الذي طلب عدم ذكر اسمه أن محافظة دير الزور تحتوي أكثر من 40% من الثروة النفطية في سوريا، ويعتبر حقل التيم أبرز الحقول المنتجة للغاز الطبيعي، والذي يبعد عن مركز المدينة حوالي ستة كيلومترات، وكان محطة لنقل النفط الخام من الحقول الواقعة شرقي نهر الفرات إلى محطات الضخ الواقعة في مناطق سيطرة النظام غرب الفرات.