الأربعاء 2021/04/21

أعداد قتلى “داعش” في البادية السورية: شكوك بتضخيم روسي

يشكك كثيرون في الرواية الروسية عن مقتل عدد كبير غير مسبوق من فلول تنظيم "داعش" في البادية السورية بقصف جوي، ويضعونها في سياق محاولات موسكو توظيف الصراع مع التنظيم سياسياً، وتعزيز وجودها العسكري في هذه البادية التي تضم ثروات هائلة من البترول والفوسفات. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان لها، أول من أمس الإثنين، أنّ سلاح الجو الروسي قتل ما يقارب الـ 200 "مسلح إرهابي"، إثر استهداف معسكر تدريبي في محيط مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، شرق سوريا، وتدمير 24 سيارة رباعية الدفع محملة برشاشات من العيار الثقيل، إضافة إلى نحو 500 كيلوغرام من الذخائر والمكونات لإنتاج عبوات ناسفة يدوية الصنع.

 

وشككت مصادر في فصائل المعارضة السورية تتابع ما يجري في البادية السورية، برواية وزارة الدفاع الروسية، موضحة في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "خلايا داعش تعتمد على الهجمات المباغتة بين الحين والآخر ضد أرتال النظام العسكرية وشحناته النفطية ضمن البادية السورية. كما يعتمد التنظيم على مجموعات صغيرة خفيفة السلاح تتنقل بدراجات نارية". وأوضحت أنه "لا يمكن أن يتجمع هذا العدد الكبير من مسلحي داعش في مكان واحد" وفق الرواية الروسية. 

 

وكان تنظيم "داعش" قد تبنى، السبت الماضي، مقتل جنديين من القوات الروسية، وإصابة آخرين، إثر إفشال عملية إنزال جوي لمروحية روسية في بادية السخنة بريف حمص الشرقي، بحسب ما جاء في بيان نشرته وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم.

 

وشنّ الطيران الروسي خلال الأيام القليلة الفائتة، مئات الغارات الجوية على مواقع يُعتقد أنها تتبع لتنظيم "داعش" في البادية السورية مترامية الأطراف، وخاصة في منطقة أبو رجمين الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة تدمر بنحو 45 كيلومتراً. وتترافق الحملات الجوية الروسية مع أخرى برية تقوم بها قوات النظام، ومليشيات تتبع للجانب الروسي والإيراني، منها الفيلق الخامس اقتحام، ولواء القدس، لتمشيط البادية السورية والعثور على مخابئ مسلحي التنظيم والمقدر عددهم ببضعة آلاف يتحركون ضمن مساحة جغرافية لا تقل عن 60 ألف كيلومتر مربع.

وقال المحلل العسكري، العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الوقائع والمعطيات في البادية "تكشف كذب الرواية الروسية حول قتلى تنظيم داعش بضربات جوية خلال فترة زمنية قصيرة"، مضيفاً أنّ "الجانب الروسي ومنذ تدخله في سورية عام 2015، يعتمد سياسة التهويل والتزوير والمبالغة، وعدم المصداقية". وتابع بالقول: "تنظيم داعش منظم إلى حد بعيد، لذا لا يمكن أن يقوم بحشر المئات من عناصره في مكان واحد مكشوف للطيران الروسي كي يستهدفهم بكل هذه البساطة".

 

وأشار فرحات إلى أنّ "داعش ومنذ سقوط أبرز معاقله في شرقي سوريا في محافظتي الرقة ودير الزور وحتى اليوم، يعتمد على حرب العصابات والكمائن بقوام قليل من القوات، تتحرك في البادية ضمن مجموعات"، مضيفاً أن "المنطق العسكري يرفض الرواية الروسية بالمطلق". وأوضح أن "داعش، ومنذ سنوات عدة، لا يعتمد أسلوب المواجهة العسكرية المباشرة مع قوات النظام أو المليشيات الروسية والإيرانية، إذ لم يعد بإمكانه فتح جبهات قتال، وهو لا يريد التمسك بالأرض، بل يقاتل من أجل تكبيد أعدائه خسائر في الأرواح والمعدات، ولكي يثبت أنه لا يزال لاعباً في الصراع".

 

وأعرب فرحات عن اعتقاده بأنّ الرواية الروسية "تندرج في سياق التوظيف السياسي"، مضيفاً: "موسكو ترفع شعار محاربة الإرهاب، بينما يستهدف طيرانها المدنيين والمراكز الحيوية، ولم يستهدف التنظيمات الإرهابية بالفعل، بل فصائل المعارضة السورية المعتدلة". وأشار إلى أنّ الجانب الروسي "ارتكب جرائم حرب بحق المدنيين في سورية على مدى أكثر من خمس سنوات، وهذه الجرائم موثقة".

 

وتابع فرحات: "لم نشهد مواجهة عسكرية حقيقية بين الجانب الروسي وتنظيم داعش حتى اللحظة في كل المناطق السورية التي كان يوجد فيها التنظيم. واليوم يحاول الجانب الروسي تصدير صورة له للمجتمع الدولي مفادها بأنه يحارب الإرهاب المتمثل بداعش، مثله مثل النظام السوري، في حين أن المعطيات على الأرض لا تؤكد ذلك على الإطلاق".

 

وكان تنظيم "داعش" اتخذ من البادية السورية ملاجئ لعناصره، عقب هزائمه في مختلف المناطق السورية، وخاصة في شرقي سوريا الذي انتهى وجوده فيه في مطلع عام 2019، حيث خسر معقله الأخير في بلدة الباغوز ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية. ومن الواضح أن الجانب الروسي يولي أهمية كبيرة للبادية السورية التي تضم ثروات هائلة من البترول والفوسفات، وخاصة في محيط مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي. وكانت شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية وقعت في عام 2018 مع وزارة النفط التابعة لحكومة النظام، عقداً يتيح لهذه الشركة استثمار واستخراج خامات الفوسفات من مناجم الشرقية في محيط مدينة تدمر لمدة 50 عاماً. 

 

وكانت سوريا، قبل اندلاع الثورة، تندرج ضمن أكبر 5 دول مصدرة للفوسفات في العالم. وأبرز مناجمها الشرقية وخنيفيس، حيث بلغ إجمالي إنتاج المنجمين من الفوسفات قبل الحرب 3.5 ملايين طن سنوياً، كان يُصدر منها حوالي 3 ملايين طن، والباقي يوجه إلى مصنع الأسمدة في مدينة حمص، وسط سوريا.