الخميس 2016/04/14

في القيروان التونسية نساء يكافحن البطالة والفقر بـ “الفلفل الحار”

وسط فناء منزلها المظلل بشجرة التوت، جلست فاطمة شيلة (أربعينية) تعالج حبات الفلفل الأحمر المجفف تحت أشعة الشمس، بأصابع أخفتها القفازات الصفراء، فتزيل منه بذوره وتقلبه وتقص الشوائب، قبل وضعه في الإناء المنتصب أمامها. وبين الفينة والأخرى توجه نظراتها الى ابنها كأنها تراقبه.

لا تجهز فاطمة أكلة عائلية بل هي تنفذ واجبا مهنيا ضمن بادرة اقتصادية اجتماعية غير مسبوقة بتونس، لمجابهة تزايد نسب البطالة والفقر، بطلتها 164 امرأة من محافظة القيروان (وسط)، تتمثل في شركة تعاونية تعمل على تحويل الفلفل الأحمر الوافر، إلى معجون غذائي تقليدي يسمى "الهريسة الحارة" بمواصفات موروثة عن الأجداد.

من خلال هذا العمل لم تعد فاطمة تضطر لترك منزلها باتجاه الضيعات الفلاحية البعيدة من أجل أجر زهيد لقاء يوم شق من العمل، تحت أشعة الشمس بعيدا عن أطفالها.

وأصبحت فاطمة تجني من عملها الجديد 10 دنانير /5 دولارات في اليوم، وبين 100 و200 دينار (50 و100 دولار) بالشهر. ورغم كونه ظرفي فإنها أصبحت أكثر راحة وهي تجمع بين توفير دخل للعائلة ورعاية شؤون بيتها.

حوالي 50 امرأة يقمن بنفس العمل الذي تقوم به فاطمة في المشروع أما باقي النسوة فيشتغلن في تحويل الفلفل الأحمر الجاف الى "هريسة" معلبة (معجون غذائي) بشكل أنيق موجهة للاستهلاك المحلي وللتصدير.

تضم "التعاونية " النسائية فئات عمرية مختلفة بين العقد الثالث والعقد السادس، ومن مستويات تعليمية مختلفة منهم خريجات الجامعات ومنهن عاملات فلاحة ومنهن موظفات.

انخرطت النساء في الشركة التعاونية التي اختاروا لها اسم "التحدي" بشراء أسهم (بـ 10 دنانير /5 دولارات للسهم الواحد).

وتتفاوت قيمة المساهمة بين 50 دينارا/25 دولارا كأدنى تقدير وألف دينار/500 دولار، ويفترض ذلك توزيع الارباح على المنخرطات، ولكن الشركة في طور التأسيس ولم تحقق أرباحا بعد حسب المديرة المالية.

القاسم المشرك بين جميع النسوة أنهن من منطقة منزل المهيري (40 كلم غرب مدينة القيروان) التي تشتهر بانتاج الفلفل والثوم.

جميعهن اشتغلن أجيرات في الضيعات الفلاحية ثم أحالتهن الظروف الاقتصادية على البطالة والاهم بالنسبة لمشروعهن الجديد هو اتقانهن صناعة الهريسة التقليدية في منازلهن.

فضاء عمل النسوة لا يشبه اي مصنع ولا يختلف عن فضاء المنزل باستثناء بعض التجهيزات الصغيرة والملابس الواقية صحيّا). مع تلقيها طلبية لكمية من الهريسة تتجند بين 4 و6 نساء لبدء عملة صنع الهريسة.

يمر الفلفل المجفف بمراحل عديدة قبل الخروج في علب انيقة.

تبدأ العملية بتنظيف كمية الفلفل الجاف المعدة للرحي (فرم) بالماء في اواني متوسطة الحجم. مع اقتراب ماء القدر من الغليان توضع كمية الفلفل وتترك دقائق محددة ثم ترشح في إناء ثان. ثم يمر الفريق الى رحي الفلفل في آلة مخصصة في مرحلتين مع مزجها بحبات الثوم المنتقاة والتوابل وزيت الزيتون.

وقبل وضع الخليط الأحمر الشهي في علب زجاجية هناك عملية تعقيم العلب عبر وضعها في الماء المغلي، ثم بعد تجفيفها يتم وضع الكمية المحددة من الفلفل وتعاد الكرة بعد غلق العلبة وفي الأخير يتم وضع الملصقات الاشهارية ووضع الكميات المطلوب في علب كرتونية ثم توجه الى الحريف او السوق او المعرض.

"هدفنا حاليا إيجاد فرص عمل لعشرات النسوة أكثر من الربح المادي"، تقول اكرام الجملي، مديرة التسويق والمحاسبة بالشركة التعاونية "التحدي".

إكرام شابة تخرجت سنة 2012 اشتغلت في مجال الفلاحة ثم انقطعت لأن "العمل غير مستقر والمرتب ضعيف" كما تقول، في حين أن طموحها في تغيير وضعها الاجتماعي كان كبيرا وكذلك تغيير واقع منطقتها التي تشكو من غياب مؤسسات مشغلة.

في البداية، سنة 2013، لم يصدق الناس كيف يمكن ل164 مرأة النجاح في المشروع، ولكن بعد سنوات من الصبر والتطوع الممزوج بضغوطات المجتمع تحسنت الظروف"، تتابع إكرام.

"لقد أثرت النسوة في محيطهن بفضل الشركة وأصبحنا نتلقى طلبات انضمام وطلبات شغل، ولم يعد هناك من يسخر منا"، تختم اكرام كلامها بالحديث عن الحلم الذي يراودها وهو إدارة مشروع نسائي.

فاطمة السالمي كانت تعمل خياطة بمنزلها، التحقت بفريق المشروع. أن يكون عمرها (56 عاما) لم يمنعها من خوض المغامرة والمشاركة في أسهم الشركة من مدخرات المصروف اليومي والحلم بغد أفضل لها ولابنائها بعد تخرجهم من الجامعات.

واستطاع المشروع ذو النمط الاجتماعي أن يوفر أيام عمل للنساء وأن يشع على محيطه بقرية منزل المهيري في ظروف اقتصادية صعبة تعيشها البلاد منها تنامي نسب البطالة والفقر .

نجوى ضيفلاوي رئيسة شركة "التحدي" للهريسة، تقول للأناضول ان رأسمال الشركة (16 الف دينار/8 آلاف دولار) يعتبر قليلا بالنسبة لشركة صناعية تشتغل بها 164 امرأة. ورغم الصعوبات التي واجهتها النسوة، اسعفهن الحظ في تبنيهن وتاطيرهن من منظمة "بومبات" السويسرية التي وفرت لهم فضاء العمل والدعم اللوجستي والتكوين ووصفة تصنيع وتعليب منتوج "الهريسة" وتسويقها.

فاروق بن صالح، الخبير لدى منظمة التنمية الصناعية للأمم المتحدة يقول، متحدثا عن مساعدة المنظمة لهذا المشروع "تم تكوين النساء في شروط حفظ الصحة والتسويق عبر طرق تسويق متطورة. حيث اصبح للشركة علامة تجارية مسجلة وهوية تجارية بصرية".

وتابع بن صالح " وتم تمكين النساء من التعريف بمنتوجهن عن طريق موقع الواب ما ساعد على وصول طلبيات من ايطاليا تعتبرها النسوة فاتحة خير نحو الاسواق العالمية."

نجوى مديرة المشروع تطالب الحكومة والسلطات الجهوية بتمكينهن من مقسم صناعي أو فلاحي، لتوسيع المشروع خاصة وأن النسوة يفكرن في تطوير الشركة وإضافة مكونات أخرى مثل تعليب التوابل وصنع المخللات وتعليبها مع الاعتماد دوما على عنصر الجودة.

نجاح المشروع الاقتصادي الاجتماعي ل164 امرأة يمكن أن يصبح بمثابة قاطرة تدفع العاطلين من جهة الى التفكير في بعث مشاريع مماثلة في جهة يعتبر نشاطها الابرز هو الفلاحة بنسبة 29.7 بالمائة اغلبهم من النساء بنسبة 70 بالمائة وفق إحصائية قدمها للأناضول المدير الجهوي للتشغيل والتكوين بالقيروان الأمجد السبري.

من جهته محافظ القيروان شكري بن حسن قال للأناضول إن تجربة تعاونية "التحدي" تجربة مميزة ويمكن استشراف نجاحها وعبر عن استعداده لمساعدتهن، معتبرا أن أي مشروع يحدث بالجهة يعتبر مشروعا جهويا يتم تبنه من قبل الهياكل الجهوية المسؤولة قصد تعميم تجربته.

ووفق احصائيات رسمية تسجيل محافظة القيروان نسبة بطالة تقدر ب15.8 بالمائة ويقدر عدد طالبي الشغل ب27 الفًا و130 معظمهم لأصحاب الشهادات العليا، بينهم 11.735 ألف امرأة.