الأربعاء 2021/04/28

غرناطة.. قيمة تاريخية وأذان يصدح في جامعها الكبير

ما تزال غرناطة، آخر مدينة إسلامية في إسبانيا تذكّر بالعصر الإسلامي في الأندلس (711 - 1492)، إذ تحافظ على قيمها الخاصة وأهميتها التاريخية وآذانها الذي يرفع في جامعها الكبير حتى يومنا الحاضر.

يعيش في مدينة غرناطة، أكثر من 36 ألف مسلم من أصل مليونين من مسلمي إسبانيا، وتعتبر واحدة من أجمل الأمثلة على العيش المشترك، حيث تحتضن سكانًا من أتباع ديانات مختلفة.

يتميز حي البيازين في غرناطة الذي يعود تاريخ بنائه للفترة الإسلامية في القرون الوسطى، كونه الأكثر جذبًا للسياح في المدينة، وكذلك بجامعه الكبير الذي بُني عام 2003.

ويقع الجامع مقابل "قصر الحمراء" المدرج على قائمة "يونسكو" للتراث العالمي والذي يزوره نحو 3.5 ملايين سائح كل عام قبل تفشي وباء كورونا، ويعتبر الجامع الوحيد في إسبانيا الذي يرفع فيه الأذان بصوت مرتفع من المئذنة.

وقال عمر ديل بوزو، رئيس الجمعية الإسلامية الإسبانية ومؤسسة جامع غرناطة الكبير، إن المسلمين يعيشون في المدينة كمكون مهم ضمن مكونات المجتمع ولا يتعرضون لأي تحيز أو أحكام مسبقة.

وأضاف لمراسل الأناضول: "لدينا علاقات جيدة جدا مع جيراننا، على سبيل المثال، يمكننا رفع الأذان بصوت مرتفع من المئذنة. نحن الجامع الوحيد في كل إسبانيا الذي يمكن فيه رفع الأذان بصوت مرتفع".

وتابع: "جميع الجيران من حولنا ينظرون إلينا بعين الاحترام، فيما يخرج العديد منهم إلى الشرفات للاستماع إلى صوت الآذان".

** عظمة الإسلام على هذه الأرض تلزمنا بفعل الخير

وقال ديل بوزو إنه محظوظ لكونه مدير الجامع الكبير، مضيفًا: "إن العيش والعمل في مكان كان فيه الإسلام في يوم من الأيام قيمة عظيمة يمنحنا طاقة كبيرة، إن عظمة الإسلام على هذه الأرض تلزمنا بطريقة ما، بفعل الخير".

وأوضح أنه ولد في قرطبة من أسرة مسلمة، لأب إنجليزي وأم إسبانية، وأن العيش في غرناطة كمسلم يخلق لديه مشاعر طيبة، مفعمة بالسعادة والسكينة.

وزاد: "نعلم أن الفترة الإسلامية المشرقة والمشرّفة في الأندلس تم تدميرها تمامًا للأسف، وتحولت المنطقة إلى مكان غير قابل للحياة من قبل المسلمين في ذلك الوقت، وأن الظروف أجبرتهم على تأدية عباداتهم في الخفاء حتى تم إلغاء الإسلام بشكل كامل".

واستدرك قائلًا: "حاليًا، هناك شخص واحد على الأقل في المدينة يعتنق الإسلام كل يوم جمعة تقريبًا، نحن نمر بمرحلة انفتاح مهمة، يعيش اليوم في غرناطة قرابة 3 آلاف مسلم إسباني، نشعر أن في المدينة ثمة شيء ما يحدث كما حدث قبل 500 عام".

ولفت ديل بوزو إلى أن المسلمين في غرناطة اضطروا للخضوع لبعض القيود بسبب تفشي جائحة كورونا، وتعليق العديد من أنشطة شهر رمضان المبارك وأبرزها موائد الإفطار الرمضانية.

وتابع موضحًا: "هذا العام نعمل - بصفتنا المعنيين بإدارة الجامع الكبير في غرناطة - على تحضير وجبات إفطار وتقديمها لجيران الجامع".

كما أشار إلى اهتمام الأتراك بغرناطة والجالية المسلمة التي تزداد عاما بعد عام، وقال: "أعتقد أن الأتراك مثل الإسبان، لديهم عقلية أوروبية تجعلنا نشعر بأنهم قريبون منا، نحن كالأتراك، لدينا نظرة إيجابية حول الحياة اليومية للإسلام".

** إذا كنت تركيًا فأنت من أفراد العائلة

بدورهما، أكّدت كل من "أليف كول ماهور سالي" و"يغمور ألانقوش"، وهما طالبتان تركيتان تدرسان في غرناطة، على ما ذهب إليه ديل بوزو، وقالتا إن مسلمي غرناطة يحبون تركيا والأتراك ويقولون "إذا كنت تركيًا فأنت من أفراد العائلة".

ولفتت الطالبتان إلى أن المجتمع المسلم في غرناطة رحب بهما كثيرًا، وأن عددًا كبيرًا من العائلات المسلمة في المدينة دعتهما إلى مآدب الإفطار، وساعدتهما في الكثير من الأمور اليومية.

وقالت أليف: "يهرعون إلينا في الحال عندما نكون بحاجة إلى شيء ما أو مساعدة، لا نشعر بالوحدة هنا كما شعرنا أن صدى جملة لا غالب إلا الله المنقوشة على جدران قصر الحمراء، يمكن الشعور به في مختلف أنحاء غرناطة".

بدورها، قالت يغمور، إن جميع المسلمين في غرناطة، بغض النظر عن أصولهم الإثنية، إسبانًا أو فرنسيين أو توانسة أو مغاربة، يقدمون مساعدات كبيرة للطلاب المسلمين والأتراك بشكل خاص.

كما أشارت يغمور إلى روعة الأجواء الرمضانية في حي البيازين المشهور بشوارعه الضيقة وشرفاته المزهرة وبيوته البيضاء وساحاته الصغيرة.

فيما قال صاحب محل "حلويات النجيلة الأندلسية"، سعيد سعود (مغربي)، إنه يعيش ويعمل في غرناطة منذ نحو 23 عامًا، مشيدًا بالأجواء الرمضانية التي يشتهر بها حي البيازين.

وأوضح سعود أنه أعد حلويات خاصة للإفطار بمناسبة شهر رمضان المبارك، وقال: "غرناطة لها تاريخ مهم وعريق جدًا، نحن نعيش هنا منذ سنوات طويلة وبانسجام مع جيراننا".

** مسلمو غرناطة يطلبون المساعدة لبناء مدرسة شرعية

من ناحية أخرى، قال ديل بوزو، إن الأولوية الحالية للمسلمين في غرناطة هي بناء مدرسة في منطقة قريبة من المدينة.

وأضاف أن جمعيته أعدت مشروعًا لبناء مدرسة قادرة على توفير دروس في القرآن الكريم، ودورات للمسلمين الجدد، وتوفير دورات في مجال الزراعة والنجارة وغيرها من الحرف وتنظيم الأنشطة الثقافية.