الخميس 2018/06/14

خواطر رمضانيّة.. مقارنات مضلّلة

نظر الشاب إلى السيارة الألمانيّة المرسيدس بازدراء، وزمّ شفتيه، ثمّ التفت إلى صاحبه:

- لا تنبهر بهذه الصناعة، فنحن نصنع أفضل منها بما لا يوصف، هذه السيّارة مليئة بالعيوب، وسأسرد لك عيوبها..

وجعل يسرد قائمة النواقص التي يراها، ويعقّب باستمرار:

- لكن سيّارتنا خالية من هذه العيوب..

كانت دهشة صاحبه الأجنبيّ تزداد: يا للروعة، سيّارة كاملة الأوصاف، خالية من العيوب، هذا أمر رائع، هل لي أن أراها وهي تعمل؟ وإن أمكن أن أقودها على سبيل التجريب؟

هزّ الشاب كتفه: لا.. لم نصنعها بعد، هي فكرة، أنا مؤمن بها، سيّارتنا أفضل من سيّارتكم.

ارتسمت علامات الدهشة على وجه الشاب الأجنبيّ ولَم يفهم شيئاً! واضح جدّاً أنَّ صاحبنا لا يريد أن يتفوّق عليه أحدٌ، وهذا حقّه الطبيعي، ولكن ما هي الآليّة التي لجأ إليها؟. هل هي دراسة الميكانيكا، وتصميم تلك السيّارة الخارقة؟ وصناعتها كنموذج أوّليّ ليثبت نظريّته عمليّاً؟. لا.. هو خلق في ذهنه صورة للكمال، ثمّ حاكم الواقع لذلك النموذج المتخيل، الذي لا يعرف من تفاصيله سوى أنّه أفضل من القائم، بما لا يُقارن، ثم أفرغ شحنته النفسيّة بأن فاز الكمال المُتخيَّل على الناقص الواقعيّ.

هذه الطريقة التي نشأنا عليها، حتّى نعوّض نقص قدراتنا الحضاريّة، وضعفنا في الواقع، فنحن لا نقارن تفّاح الدنيا بتفّاح الدنيا، بتماثل المعطيات، ولكنّ التفّاحة الكاملة المتخيَّلَة في أذهاننا باعتبار تحقّقها في أذهاننا، يساوي وجودها في الواقع، فنكون دائماً فائزين.

يقول لك الشاب:

- نظامنا السياسيّ الإسلاميّ، والاقتصاديّ الإسلاميّ، والأخلاقيّ الإسلاميّ، ... الخ، لو تحقّق واقعاً لكنّا أفضل من كلّ الأمم... وهو قول صحيح، فعالم المثل أو القوالب الكاملة، الذي افترضه (أفلاطون)، لو تحقّق لكان أفضل النظم بدون شكّ، فكلّ ما نتخيّله، كمالاً الواقع قاصر عنه، لأنّ الكمال لا يُطمع في شيء بعده، إنّ سرّ دهشة من يسمع هذا النوع من المقارنات، أنّه لا يتخيّل أحداً يُقارن الواقع بالكمال، بل يعقل أنّ الواقع يُقارن بواقع مقابل، فهو حين يرى صاحبنا لا يُحسن صناعة درّاجة، لا يفهم كيف اقتنع أنّه متفوّق على المرسيدس؟ تسمع حواراتنا وخطباءنا، فترى أنّنا متفوّقون على العالم في كلّ شيء، وما عندنا هو أفضل من كلّ ما في العالم، وتلتفت حولك فلا تجد شيئاً...لا صناعة ولا زراعة ولا نظماً عادلة، ولا أمناً ولا تنمية، فيعود لك التساؤل الصعب:

-هل ما في الخيال يقارن بما هو في الواقع؟.

يقول لك إنسان طيّب آخر:

-أنا متّفق معك، لكنّ علّة هذا الوحيدة هي أنّنا لا نطبّق ديننا، فديننا فيه الكمالات، ولكنّنا لا نطبّقه للأسف. والسؤال: لماذا لا نطبّقه؟ على الأقلّ فيما هو شخصيّ من الأخلاق، مثل إتقان العمل والصنعة، وصدق القول والوعد والعهد والبرّ والرحمة بالخَلْق، والانصاف والمساواة، والنظام والنظافة، لأنّ ما هو أكبر يمكن التحجّج بالطغيان والاستعمار...ولن يجد صاحب القلب الطيّب مشكلة في أن يجيبك: لأننا ضعاف النفوس، و... لكن لو طبّقنا... سيكون الوضع مختلفاً.

تقول له: عدنا إلى (لو المتخيَّلَة) ... فهناك أمم كثيرة لا تملك هذه الدعاوى العريضة بالكمال، ومنسوب تطبيقها للقيم الشخصيّة أعلى بكثير منّا... وحلّها لمشاكل الطغيان أفضل منّا... وحلّها لظاهرة الاستعمار، أنجع من مقاربتنا، وحلولها التنمويّة أفضل، وهي باستمرار تدّعي القصور، وتنقد نفسها لتزداد رقيّاً، فلماذا لا نتعلّم منهم ونتتلمذ، حتّى نصبح أساتذة، حين يحين الأوان؟...

هنا يتغيّر الخطاب، ويصرخ فيك:

-نحن لنا أستاذيّة العالم، ولو طبّقنا ما عندنا لكنّا أفضل منهم... نحن أفضل منهم.

هذا في الغالب منطقنا العقليّ، فلا نحن أساتذة بحقّ، ونأبى أن نكون تلاميذ بحقّ.


الشيخ جاسم السلطان