الأثنين 2018/06/11

خواطر رمضانية…التمكين بين وعيين

لنبدأ بما هو متعارف عليه في البحوث، فالتمكين من الشيء عند الفقهاء هو: الأقدار عليه. ومنها: تمكين المستأجر بالانتفاع بالعين المؤجّرة، أو تخويله السلطة للإقامة عليها واستغلالها، واستخدم كثيراً في الإدارة، بمعنى منح حقّ اتخاذ القرار لشغل موقع ما، دون الرجوع إلى من فوقه، أمّا في المعجم فنجد: مكّن له في الشيءِ: أي جعل له سلطاناً وقدرة عليه.

التمكين في الوعي الإسلاميّ اتخذ منحاً سياسيّا عميقاً، ففي ثنائيّة التنظيم والدولة الذي شغل الفكر الإسلاميّ من عشرينات القرن المنصرم، وحتّى اليوم، برزت فكرة التمكين بمعنى أنّها المرحلة الأخيرة من جهد التنظيم التي تتكلّل بالوصول إلى السلطة، وموقع اتخاذ القرار، وتطبيق الشريعة بطبيعة الحال، كما يتخيّلها أصحاب كلّ تنظيم، فالتمكين في هذا المستوى هو الوصول لمرحلة اتخاذ القرار الأعلى.

لكن بما أنَّ هذا التمكين يمرّ عبر طريقين؛ إمّا الطريق السلميّ، أو الطريق المسلّح، وغالب الحركات الإسلاميّة رأت الطريق السلميّ هو الأوجه، فبرزت فكرة السيطرة على مفاصل المجتمع، وأصبح الصراع محتدماً بينها، للسيطرة على كلّ ما يمكن السيطرة عليه عبر أدواتها التنظيميّة، وأصبحت المؤسّسات والوزارات والنقابات والجمعيّات، وحتّى المساجد ساحات نزاع، بقدر عدد التنظيمات، وانشغل الكلّ بالكلّ، وظهرت أسلحة التكفير والتبديع والتخوين، وأصبحت خُلُقاً عامّاً، بل وانتقل معهم إلى بلاد المهجر، فبرزت ذات الصراعات هناك وهكذا... فمن فكرة التمكين السياسيّ ولدت فكرة التمكّن من المجتمع.

وبدلاً من أن تعمل الجماعات على تمكين أفراد المجتمع، وتقوية أبنيته، وتعويد الناس على اختيار الأكفأ، وأن يتعلّموا الممارسة الشفّافة، علّمت أبناءها كيف يتقنون الغموض، والالتفاف والسيطرة.. ففقدت المؤسّسات الكفاءات لصالح أهل الثقة، وأصبح كلّ عمل مجتمعيّ مؤهلاً للانقسام والإخفاقِ بسبب هذا السلوك.

إنّ من تصويب العمل اليوم أن يتّجه الجميع لتمكين المجتمع وتعليمه أسس الاختيار الشفّاف، وأسس النزاهة والاعتماد على صلاح النظام، وحمايته من التزوير والغشّ والالتفاف، وبالتالي تعود للمجتمع قوّته، ويثق الأفراد باللوائح والنظم.

وأن تبدأ تلك الأخلاق السامية من وسط تلك المنظّمات، التي أصبحت تُمارس الالتفاف ذاته، حتّى في داخلها حتّى كثرت عمليّات التشكيك في انتخاباتها وقراراتها، وقادت للتفتّت والانقسام، وفقدان الأخلاق الإنسانيّة، ناهيك عن الأخلاق الإسلاميّة التي فيها مراعاة للخالق، فبدون هذا الإصلاح الجوهريّ فهذه الجماعات - من حيث لا تدري - هي خصم من قوّة الأمّة ووجودها.


الشيخ جاسم السلطان