الخميس 2020/04/02

العمل الآن من المنزل منقذ للحياة لكنه خطر كبير في الوقت ذاته.. لماذا؟

بينما ينتشر فيروس كورونا، يزداد أيضاً إلغاء المؤتمرات والرحلات والرحلات الجوية وتعليق الدراسة وبرامج الدراسة بالخارج وغيرها من الفعاليات. وعلى إثر تلك الخطط المُلغاة، يُجاهد المديرون والكليات ومستضيفو المؤتمرات وضيوفها، للعثور على طرق لإنقاذ الوقت والموارد المصروفة على الأنشطة المُلغاة، أو أي نقود يمكن أن تُهدر بإخبار العاملين بالبقاء في المنزل.

وتعتمد الحلول المطروحة، على الرغم من عدم اكتمالها، على التكنولوجيا: العمل عن بعد من خلال قنوات Slack أو Google Hangout، واستخدام Zoom من أجل المؤتمرات الهاتفية وتسجيل مقاطع الفيديو للمحاضرات ورفعها على الإنترنت، ومشاركة وتخزين الملفات على Google Drive، وكل التطبيقات الأخرى التي تقدم حلولاً لتخطي المشكلات.

وهذه الحلول التكنولوجية السهلة الاستخدام مُنقذة في المواقف المشابهة، إذ تمنع توقف عدة عمليات كلياً. وإضافةً إلى إبقاء الناس آمنين وإتاحة العمالة، تحافظ اتفاقيات العمل عن بعد على الاستمرارية وتسمح للناس بالبقاء منشغلين في فعل شيء مألوف لهم خلال وقت الأزمات. وهذه التكنولوجيا نفسها هي شريان حياة لهؤلاء المُعرضين للخطر أو للخاضعين للحجر الصحي. فعندما يستخدم الناس التكنولوجيا بهذه الطريقة، تزيد ثقتنا فيها، وهذه الثقة “متغيرة” وتعتمد على الظروف بدرجة كبيرة، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث.

كلما زادت ثقتنا في التكنولوجيا، زاد استخدامنا لها. وكلما زاد استخدامنا لها، صعُب وقلت احتمالات أن نُقلل اعتمادنا عليها. (هل تستبدل الآن Google Maps بخريطة ورقية أو تُعيد إدخال الهاتف الأرضي في منزلك؟).

شجع فيروس كورونا المُستجد بالفعل تبنياً مُتسارعاً للتقنيات الوسيطة التي تستبدل التجارب والخبرات المباشرة. وسوف يكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، الحفاظ على هذا الاتجاه، الذي قد يُعجل في نهاية المطاف بتقادم العمالة البشرية.

مع تأقلم الشركات والموظفين على الظروف الجديدة، سيبدأون في ملاحظة المنافع الناتجة عنها. إذ تتقلص فواتير الكهرباء في المكاتب، وتقل استقالات الموظفين، ويصبح العمل أهدأ. ومتى يخمد تهديد فيروس كورونا، قد لا تعود الحياة والأعمال إلى ما كانت عليه من قبل. إذ بعد أن تكبدت الشركات عناء تطبيق الهياكل الأساسية للعمل عن بعد لأغلب أو جميع موظفيها، ربما قد تقرر أن الطريقة الحالية أفضل.

للوهلة الأولى، قد لا يبدو ذلك سيئاً تماماً؛ إذ إن العمل عن بعد يزيد الإنتاجية. فالموظفون يطلبون عدداً أقل من الإجازات المرضية ولا يضطرون إلى التنقل يومياً لمقر العمل. ويزيد الاتجاه نحو الاستغناء عن المكاتب التقليدية في أنحاء العالم. ووفقاً لدراسة أجرتها شركة International Workplace Group، يعمل 70% من الناس عن بعد مرة واحدة أسبوعياً على الأقل، مقابل 53% يعملون عن بعد نصف الوقت، و11% لا يذهبون إلى المكتب إطلاقاً. 

وفي حين يلائم العمل عن بعد بعض الناس، لا ينطبق ذلك على الجميع. فحصت دراسة أُجريت عام 2016، العاملين عن بعد بين العامين 1989 و2008، وخلُصت إلى أن العمل عن بعد له “تبعات سلبية واسعة”، منها أن يقضي الناس وقتاً في العمل كان من الممكن قضاؤه مع العائلة أو الأصدقاء، وذلك لأن الحدود بين حياتهم الشخصية والعمل تصير أقل إحكاماً، وهكذا ينتهي بهم الحال يعملون لساعات أطول.

يمكن أن يواجه الأشخاص الذين يعملون عن بعد صعوبة في الانفصال عن العمل وعن التكنولوجيا التي تتيحه، الأمر الذي يُسهم في عواقب وخيمة متمثلة في انحسار التواصل المباشر والشخصي في الحياة الواقعية. وبالنظر إلى هذا التطبيق المفاجئ واسع النطاق للعمل عن بعد، سيُلاحظ موظفون كُثر قريباً كيف أن العمل عن بعد يؤثر في حياتهم بطرقٍ لم يكونوا ليتنبأوا بها، خاصة في ظل الظروف الحالية.

تقول شيري توركلي، أستاذة الدراسات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في كتابها “Reclaiming Conversation: The Power of Talk in a Digital Age”، إنه عندما يعتمد الناس على التكنولوجيا للتوسط في تفاعلاتنا، فإننا “ننسى ضرورة المحادثات الواقعية الشخصية في علاقاتنا، وقدرتنا على الإبداع وإظهار التعاطف”، وهي تفاعلات جوهرية من أجل سعادة الإنسان.

وبصفتي أستاذة جامعية، يتضمن يومي تفاعلاتٍ مع الطلبة والزملاء. وأجد في العموم تلك المحادثات والعلاقات الناتجة عنها مشجعة ومجزية.

يعني الوضع في ظل فيروس كورونا أن عدداً لا يُحصى من المعلمين مثلي سيواجهون احتمال الوقوف للتدريس أمام الكاميرا بدلاً من الصفوف الدراسية. وأنا أفضل ذلك على إلغاء الصفوف، لكنني لا أتساءل ما إن كانت وظيفتي، مثل وظائف كثيرة أخرى، ستشهد تغيراً جذرياً ربما كان دائماً. 

أُدرس في برنامجٍ يصطحب الطلبة إلى لندن في صفٍ دراسي صيفي يقوم على التجربة. ولا يعلم أحد ما إن كنا سنقدر على الذهاب أو متى يمكن أن نتوقع الحصول على إجابة، وفي أثناء ذلك وفي ظل غياب معلومات إضافية، فنحن نعمل على تطوير خططٍ احترازية، ما يجعلني أقلق بشأن التداعيات قصيرة وطويلة المدى.

زادت شعبية البرامج التعليمية عبر الإنترنت التي لا تتطلب الحضور، خاصة بالنظر إلى التكاليف الصارخة للبرامج التقليدية، التي انخفض التسجيل فيها بنسبة 0.5%، أو 900 ألف طالب من العامين 2016 إلى 2017.

ونظراً إلى وفرة الكليات وزيادة العجز في الطلبة، تنبأ بعض الاقتصاديون بأن فقاعة التعليم العالي سوف تنفجر. وعلى ذلك، يمكن أن يكون للانتشار السريع للتعليم والتدريس عن بعد أثر متباين على هذا المجال.

يمكن أن تعتبره الإدارات حلاً، ليس فقط للمشكلات الملحة المتعلقة بفيروس كورونا، ولكن أيضاً للتحديات طويلة المدى المتعلقة بالحفاظ على عمل الجامعات.

أثناء أحد الاجتماعات المتعلقة بالخطط البديلة، قلتُ مازحة إن بإمكاننا أن نأتي للطلبة بسماعات الواقع الافتراضي ونقوم برحلتنا إلى لندن من خلالها، فرد أحد الزملاء: “ونثبتُ أننا لا نحتاج إلى السفر فعلياً؟”.

لا يسعني إلا أن أتساءل عن عدد أعضاء هيئة التدريس الذين قد يُسرحون من عملهم إذا قررت الجامعات أن التعليم عن بعد كافٍ، أو عدد الناس الذين سيُسرحون عندما يدرك رؤساؤهم أنهم غير مضطرين للمجيء يومياً، أو المجيء أصلاً. وفي نهاية المطاف، فخلاصة الأمر هي: هل يعتقد الناس أن الخبرات المباشرة الحية يمكن استبدالها بطريقة ملائمة، وليس فقط في وقت الجائحة؟.

بينما تتخذ الأمور مساراً مختلفاً، سيكون علينا السعي والمحاربة من أجل التواصل الشخصي والتفاعلات المباشرة. وسيتطلب الحفاظ على الخصائص التي تميزنا عن الآلات، مثل التعاطف والحاجة إلى التواصل العاطفي والجسدي مع الآخرين، مجهوداً.

سيُسرّع فيروس كورونا اندفاعنا الطائش إلى أحضان التكنولوجيا، التي هي طوق نجاتنا. ومما يدعو للسخرية، أن استجابتنا المعتمدة على التكنولوجيا يمكن أن تؤدي إلى التعجيل بتقادمنا نحن.