الثلاثاء 2018/01/09

الرقص على الألحان الروسية في سوريا (ترجمة)


مركز الجسر للدراسات...


في 24 من كانون الأول / ديسمبر الماضي، وجه وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لقادة ائتلاف المعارضة السورية رسالة واضحة وصريحة مفادها أن الرياض ستوقف الدعم العسكري الذي تقدمه لهم جراء محاولاتهم الإطاحة ببشار الأسد.

مضيفا أنه حان الوقت لتوجيه جهودهم لإيجاد حل سياسي مع دمشق في مؤتمر السلام الذي سيجري هذا الشهر في سوتشي بروسيا حسب ما جاء على لسان مصدرين من المعارضة ومسؤولين دبلوماسيين ممن تحدثوا لـ"فورين بوليسي" عن اللقاء الذي جرى آنذاك. أضاف الجبير أن استعداد أعضاء ائتلاف المعارضة للقاء سوتشي من شأنه أن يحسن من موقفهم للوصول إلى اتفاق حول الانتقال السياسي. حاولت "فورين بوليسي" التواصل مع المسؤولين السعوديين الموجودين بنيويورك وواشنطن للتباحث معهم حول هذه التصريحات إلا أنهم رفضوا التعليق عليها.

تشكل دعوات الجبير تحولا آخر بالنسبة للقوى المعارضة المثقلة الكاهل، التي فقدت فيما قبل دعم الولايات المتحدة العسكري في حزيران/ يونيو العام الماضي. والأهم من ذلك، أن رسالة السعودية تؤكد نجاح الخطوة الدبلوماسية الروسية لتشكيل مستقبل سوريا في فترة ما بعد الحرب، والتي جاءت لتنافس العملية التي تشرف عليها الأمم المتحدة التي باءت بالفشل على مدى السنوات الخمس الماضية في جنيف.

تجد الأمم المتحدة اليوم نفسها مترددة بشأن حضور الخطة السلمية الروسية، حيث يسعى مبعوثها الرسمي، ستيفان دي ميستورا، وراء الكواليس إلى الحصول على مقعد على طاولة مباحثات سوتشي، ويحث كلا من السعودية والمعارضة السورية على حضورها.

إن تزايد النفوذ الدبلوماسي الروسي في المرحلة النهائية من الحرب السورية جاء نتيجة للموقف السلبي الذي تتبناه واشنطن. إذ ركزت إدارة ترامب أكثر على محاربة تنظيم الدولة والحد من النفوذ الإيراني عوض التركيز على التدخل في تشكيل المستقبل السياسي لبلد مزقته الحرب.

يقول أحد المسؤولين الدبلوماسيين في مجلس الأمن: " إن سوريا مثال حي على أن الدبلوماسية الأمريكية ليست في المقدمة “، مضيفا أنها " السبب وراء انتصار روسيا على الولايات المتحدة في سوريا".

يقول المبعوث الأمريكي السابق للتحالف المناهض لتنظيم الدولة، الجنرال السابق جون ألين، أنه "حتى إن أرادت الولايات المتحدة أن تلعب دورا كبيرا في سوريا في فترة ما بعد الحرب، فإن انسحابها من هناك أضعف من قدرتها على القيام بذلك".

وقد كان الجنرال ألين قال في تصريح له الشهر الماضي " لقد تم تحديد المسار السياسي من طرف الروس على مستويات عدة وللأسف لا تملك الولايات المتحدة الكثير من الخيارات أمامها الآن لتولي القيادة في هذه العملية أو حتى للمشاركة فيها".

بدأت آخر المحاولات الدبلوماسية الروسية قبل نحو عام من الآن، فأجرت الحكومة الروسية مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين والأتراك في كانون الثاني/ يناير سنة 2017 من أجل العمل على إيقاف إطلاق النار، وتم إقصاء دور الولايات المتحدة بشكل كبير عما كان يجري حينها.

تسعى موسكو الآن إلى إجراء مؤتمر في وقت لاحق من هذا الشهر في منتجع على البحر الأسود في سوتشي لتحديد الخطوط العريضة لمستقبل سوريا السياسي، يأمل الروس أن تضم هذه الخطوط الأسد.

تثير المحاولات الدبلوماسية الروسية قلق الحكومات الغربية وقادة المعارضة السورية، إذ يخشون من أن يعزز اللقاء المزمع عقده هذا الشهر من المكاسب العسكرية التي حققها الروس والنظام وترسّخ الحكم الاستبدادي للأسد وتدفع بجيل جديد من السوريين إلى الانتفاضة. كما إنهم يخشون أن تنسف هذه العملية أجزاء رئيسية من اتفاقات جنيف، كوجود حكومة انتقالية ومشروع سوريا ما بعد الأسد.

يرى العديد من النقاد أنه لا يمكن لروسيا أن تكون طرفا محايدا كونها طرفا في الصراع السوري.

وكان سفير فرنسا لدى للأمم المتحدة، فرانسوا ديلاتر، قد صرح الشهر الماضي " أنه لا وجود لبديل لعملية السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة بجنيف".

قامت أكثر من 130 مجموعة في المعارضة السورية، بإرسال رسالة لدي ميستورا في 3 من كانون الثاني/ يناير الحالي على إثر الجزع الذي أثاره استعداد دي ميستورا الواضح للانضمام إلى مباحثات سوتشي القادمة، ووصفت فيها المعارضة مباحثات سوتشي "بالابتعاد الخطير عن عملية جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة" وأشارت فيها إلى "الخطر الذي يهدد آمال سوريا بتحقيق السلام".

والمشكل أن عملية جنيف أصبحت أقل قدرة على الاستمرار، حيث إن الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد جعل دمشق أقل تقبلا لفكرة التخلي عن السلطة لصالح حكومة انتقالية، والتي تشكل العنصر الأساسي في الخطة التي قدمتها جنيف.

كما إن واشنطن لا تقوم بالجهود الكافية للإبقاء على قرارات جنيف حية، في وقت تركز فيه إدارة ترامب على اجتثاث تنظيم الدولة والتقليل من النفوذ الإيراني في المنطقة.

يشتكي حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين من كونها لم تستخدِم أياً من تكتيكاتها الدبلوماسية لدعم مباحثات جنيف وأنها لم تكلف أحدا في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية ليكون طرفا في تلك المباحثات.

ووفقا لما ذكره عضو بارز سابق في الأمن القومي الأمريكي تربطه علاقات جيدة بالبيت الأبيض، قال "يجب على أحد أن يتحرك بهذا الصدد إلا أن لا أحدا يحرك ساكنا". فاتخاذ قرار بناء على الرسالة التي وجهتها السعودية إلى المعارضة السورية، وكذا انقسامات الآراء داخل الأمم المتحدة تظهر أن أحدا بالفعل من يقوم بتسيير العملية: الرئيس فلاديمير بوتين . يظن مسؤولون في إدارة ترامب أن الولايات المتحدة تملك نفوذا كبيرا الآن في سوريا أكثر من مما كانت تمتلك في السنة الماضية، خصوصا مع سيطرة شركائها الأكراد على مساحات كبيرة من الأراضي وبقاء القوات الأمريكية على الأرض.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، قد أوضح أن الأمم المتحدة لن تشارك في مؤتمر سوتشي إلا إذا قامت الأمم المتحدة والسعودية والحلفاء الآخرون بالمشاركة في هذه المباحثات، وكان دي ميستورا قد أكد أنه على كل من الأمم المتحدة والمعارضة المشاركة في هذه المباحثات.

خلال الجولة الثامنة لمباحثات جنيف والتي جرت الشهر الماضي، قام دي ميستورا بالضغط على قادة المعارضة من أجل حضور المباحثات الروسية، في الوقت الذي طلب فيه غوتيرس منه التنحي جانبا بعد وصول رسالة المعارضة لدي ميستورا.

قال أحد دبلوماسيي الأمم المتحدة إن هناك "انقساما في الأمم المتحدة حول هذا الموضوع" مضيفا أن " دي ميستورا يريد الذهاب والمشاركة في هذه المباحثات ليتمكن من جعل وجهة نظر الأمم المتحدة جزءا من هذه الإجراءات التي سيتم اتخاذها" إلا أن زملاءه في نيويورك "يشعرون أن مشاركته في هذه المباحثات ستعطي الشرعية للأهداف الروسية".

ويضيف الدبلوماسي نفسه أن " الأمين العام للأمم المتحدة يعتقد أنه لا يمكن الوثوق بمباحثات سوتشي"، ومن المزمع أن يلتقي غوتيرس مع وفد للمعارضة السورية في مقر الأمم المتحدة الاثنين القادم.

يقول رضوان زيادة، أحد الناشطين الحقوقيين السوريين الموجودين بواشنطن " أن لدى دي ميستورا ميلا للروس أكثر من الولايات المتحدة " فعلى الأغلب " هو يحس أن الولايات المتحدة قد انسحبت من الملف السوري وأن الطريقة الوحيدة للقيام بعمله هي من خلال الاقتراب من الروس"

رفض المتحدث باسم دي ميستورا التعليق على الأسئلة حول دعم دي ميستورا لمباحثات سوتشي وأدلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة بسلسلة من التصريحات للفورين بوليسي مفادها أن أي لجنة دستورية قد تنشأ من مباحثات سوتشى سيتعين على الأمم المتحدة تأييدها بالتشاور مع مجلس الأمن.

على المستوى الرسمي، لا تزال الولايات المتحدة تعقد آمالها على مباحثات في جنيف مع وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون وكذا مستشار الأمن القومي ماكماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس للإطاحة بالأسد.

ووفقا لما قاله أحد المسؤولين في وزارة الخارجية للفورين بوليسي في الوقت الذي نركز فيه على جنيف والتقدم الجوهري الذي تحرزه تلك المباحثات، تبقى كل الوسائل الأخرى بمثابة إلهاء".

إلا أن هناك إشارات على حصول انقسامات بواشنطن أيضا مما يفتح المجال أمام دور أكثر فعالية لروسيا.

ووفقا لما ما جاء على لسان مصادر دبلوماسية، يفضل العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة؛ ومايكل راتني، المبعوث الخاص إلى سوريا؛ وديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، يفضلون نهجا محددا تجاه سوريا يرتكز على هزيمة تنظيم الدولة، ومواجهة الأنشطة الإيرانية، ومن ثم تقليل الأنشطة الأمريكية في سوريا، وعلى ما يبدو أن ماكغورك أكثر انفتاحا تجاه الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها موسكو بشكل خاص.

وكان قد صرح في لقاء صحفي له الشهر الماضي قائلا " لقد تحدثنا إلى الروس بخصوص ما الذي يسعون له بالتحديد وقد أخبرونا أن سوتشي تمثل اجتماعا للشخصيات السورية وأن ما سيتقرر في سوتشي سيغني مباحثات جنيف بشكل مباشر".

وأضاف " لن نؤيد ولن تكون هناك أية شرعية على الإطلاق لأية عملية موازية تماما لعملية جنيف".

إلا أن الولايات المتحدة قد تنحّت جانبا بخصوص الملف السوري، وعلى ما يبدو أن عملية دبلوماسية موازية جديدة آخذة في التبلور.

 

المصدر: فورين بوليسي

بقلم: كولوم لينش