الأربعاء 2022/04/06

“وباء جديد” في شمال سوريا.. قصص مأساوية والأسواق “للنظر لا للشراء”

 

"مشهدٌ حزينٌ جدا وقصة مأساوية عندما ترى أبا لا يستطيع شراء تحضيرات رمضان لأطفاله. السوق في إدلب شمالي سوريا مزدحم للغاية لكن ليس للشراء، إنما للنظر في تلك التجهيزات، من خضار ولحوم، ومواد تموينية".

 

بهذه العبارة يلخّص الناشط الإعلامي، أحمد الأطرش واقع الحياة اليومية التي يعيشها السكان في شمال غربي سوريا، بعد مرور أربعة أيام من شهر رمضان.

 

ويتحدث الأطرش لموقع "الحرة" عن "وجوه عابسة وعائلات تحولت إلى مسحوقة مع موجة الغلاء في الأسعار"، والتي وصفتها فرق إنسانية، خلال الأيام الماضية بأنها كـ"الوباء الجديد". 

 

وجاء في بيان لفريق "منسقو الاستجابة في شمال سوريا" الثلاثاء أن مناطق الشمال السوري شهدت مع بداية شهر رمضان ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد بنسب متفاوتة.

 

وأوضح البيان أن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 33.4 بالمئة، والحبوب بنسبة 29.2 بالمئة، فيما سجل ارتفاع كبير في أسعار اللحوم بأنواعها بنسبة 34 بالمئة، والزيوت النبانية بنسبة 62 بالمئة.

 

ويأتي ذلك مع "العجز الواضح في عمليات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المحلية، وخاصة مع مقارنة أول يومين من شهر رمضان بالعام الماضي وانخفاض بنسبة 34% عن العام السابق".

 

وبحسب الفريق الإنساني فإن "الآلاف من العائلات لم تعد قادرة على تأمين وجبة طعام واحدة يوميا".

 

"قصص مأساوية"

في مدينة حارم الواقعة في أقصى الريف الشمالي لإدلب يعمل مصطفى عبد الجواد منذ سنوات بأعمال الإنشاءات والتعمير، ويتلقى أجرة يومية تتراوح ما بين 25 إلى 30 ليرة تركية. ويقول لموقع "الحرة": "هذا الرقم يشتري لي اليوم كيلو بندورة (طماطم) وحبّتان من الباذنجان والكوسا. لكم أن تتخيلوا كيف يعيش البشر هنا!". 

 

ووصل سعر كيلو الطماطم في أسواق المحافظة، خلال الأيام الأربعة الماضية، إلى 23 ليرة تركية بعدما كانت تسعيرته السابقة 13 ليرة، فيما وصل سعر كيلو الباذنجان والكوسا إلى 22 ليرة مرتفعا بفارق عشر ليرات عن السابق أيضا. 

 

ويرى السكان في المنطقة هناك أن الأسعار تشابه إلى حد كبير مع تلك المعتمدة في تركيا، وهو ما تؤكده النشرات الصادرة في الولايات التركية، حيث تجاوز سعر الكيلو الواحد من الطماطم في إسطنبول الأربعاء حاجز 25 ليرة تركية، والخيار 20 ليرة.

 

ويضيف عبد الجواد: "في شمال سوريا نشتري وكأننا في تركيا، لكن هناك حد أدنى للدخل يتجاوز 4000 ليرة تركية أما في مناطقنا فلا دخل بالأصل!". 

 

وكان الناشط الإعلامي أحمد الأطرش قد أجرى جولات صحفية في أسواق إدلب، خلال الأيام الماضية من شهر رمضان، ويقول: "السكان يتكلمون مع أنفسهم. من وين منجيب نحنا؟ (نأتي بالأمول)".

 

ويشير الأطرش: "هناك جشع كبير أصاب التجار. أيام رمضان الأولى صعبة جدا، حيث أن أغلب العائلات السورية انحرمت من وجود الخضار واللحوم على سفرتها".

 

ولا تتجاوز الأجرة اليومية للعامل في محافظة إدلب 30.40 ليرة تركية، ويوضح الناشط الإعلامي: "هو بمقدور كيلو ونصف بندورة فقط".

 

ويتابع: "بهذه الحالة ستكون اللحوم والزيوت والمواد التموينية غائبة عن بيوت العمال".

 

لماذا كل هذا الغلاء؟

وبحسب تقرير للأمم المتحدة في نهاية العام الماضي فإن "91 في المئة من السكان العاملين في شمال غرب سوريا هم من أسر تعيش فقرا مدقعا، ما يؤشر إلى ضعف وضع الاقتصاد المحلي".

 

وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 12,8 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، متوقعة تفاقم الوضع سوءا خلال المرحلة المقبلة.

 

سليم المصري يملك شركة مواد غذائية في إدلب وتستورد بضائعها من تركيا أشار لموقع "الحرة" إلى أن الغلاء الحاصل يرتبط بأن غالبية المواد التي يحتاجها الشمال السوري "هي مستوردة"، وبالتالي الأمر يرتبط بأزمة الغذاء العالمية.

 

ويقول المصري: "إضافة إلى ذلك هناك سوء إدارة اقتصادية للمنطقة. لا يوجد من يضبط، بينما حدود التجار مفتوحة. هم يمتلكون في معظمهم شيكا على بياض". 

 

وقد انخفضت نسبة المبيعات، منذ مطلع أبريل الحالي، "إلى أكثر من النصف"، بحسب التاجر، ويتابع: "السكان يدخلون إلى المحال ينتظرون ويسألون ويغادرون دون أن يشتروا شيء". 

 

ومنذ منتصف يونيو الماضي، كانت السلطات المحلية في مناطق واسعة في شمال وشمال غرب سوريا، تحظى فيها أنقرة بنفوذ أو تواجد عسكري قد بدأت اعتماد الليرة التركية في التداول اليومي كبديل عن الليرة السورية، التي شهدت تدهورا غير مسبوق في قيمتها آنذاك.

 

لكن خلال الأشهر الماضية خسرت الليرة التركية أكثر من 50 بالمئة من قيمتها على وقع أزمة اقتصادية. ويتجاوز سعر الصرف حاليا عتبة 14.5 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان قرابة ثماني ليرات قبل الأزمة.

 

وهناك من يربط الغلاء الحاصل بهذه بخطة التحوّل لتداول الليرة التي تم اعتمادها بشكل مفاجئ وتدريجي، وهو ما ينفيه اقتصاديون ومسوؤلون.

 

ويقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري: "موجة الغلاء ليست في الشمال السوري فقط. هذه المنطقة مثلها مثل أي منطقة ستنعكس عليها الأزمات العالمية الحاصلة".

 

ويضيف المصري في حديث لموقع "الحرة": "هناك أزمة أوكرانية أيضا أسفرت عن ارتفاع الأسعار عالميا. لا علاقة للتحول لليرة التركية كما يتحدث عنه البعض".

 

بدوره يرى الناشط الإنساني، أحمد عنكير أن موجة الغلاء الحاصلة ترتبط بضعف الإنتاج في شمال سوريا على جميع المستويات الزراعية والصناعية، الأمر الذي يؤثر على الأسعار.

 

ويقول عنكير لموقع "الحرة": "أيضا. الغلاء في السوق التركية انعكس على الشمال السوري، بالإضافة إلى الغلاء العالمي".

 

وذلك ما يؤكد الباحث الاقتصادي السوري، خالد تركاوي، بقوله إن "ارتفاع الأسعار في مناطق المعارضة يعود بدرجة أساسية إلى ضعف الإنتاج في تلك المناطق".

 

ويوضح تركاوي لموقع "الحرة": "بمعنى كيف تتأثر بالأزمة العالمية؟. الجواب هو: عندما لا يكون لديك إنتاجٌ محلي. هناك تضخم كبير في المستوردات وارتفاع أسعار عالمي".

 

"تحذيرات سابقة"

وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك قد نقل في 31 من مارس الماضي عن "برنامج الأغذية العالمي" قلقه من أنه مع بداية شهر رمضان، تخلق التكلفة المرتفعة للمواد الغذائية الأساسية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد على الاستيراد تحديات أكبر لملايين الأسر التي تكافح بالفعل من أجل السيطرة على معدلات الجوع. 

 

وقال دوجاريك: "حذر برنامج الأغذية العالمي من أنه هذا العام سيجد الملايين صعوبة حتى في شراء أبسط المواد الغذائية للأسر بعد تسبب الأزمة في أوكرانيا في رفع الأسعار الغذائية - حتى أعلى من المستويات المقلقة التي كانت عليها في بداية العام".

 

ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، ارتفعت أسعار دقيق القمح والزيوت النباتية – وهما عنصران أساسيان في النظام الغذائي لمعظم العائلات – باستمرار في جميع أنحاء المنطقة. 

 

وارتفع سعر زيت الطهي بنسبة 36 في المائة في اليمن، و39 في المائة في سوريا. وارتفع سعر طحين القمح بنسبة 47 في المائة في لبنان، و15 في المائة في ليبيا، و14 في المائة في فلسطين. 

 

وتابع دوجاريك يقول: "مع ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية، ستتعرض موارد برنامج الأغذية العالمي الضئيلة (المطلوبة) لعملياتها في المنطقة، لاسيّما في اليمن وسوريا، لضغوط أكبر من ذي قبل".

 

وفي كلا البلدين، تركت الحرب والانكماش الاقتصادي المرتبط بها، أكثر من 29 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية، بينما يدعم "برنامج الأغذية العالمي" حوالي 19 مليون شخص في هذين البلدين.