الأربعاء 2021/12/22

بعد الاشتباكات الأخيرة.. محاولة لفرض معادلة جديدة في السويداء

تعيش محافظة السويداء بين الفترة والأخرى أحداثا أمنية تتمثل في معظمها باشتباكات مسلحة، سواء تلك التي تدور بين المجموعات المحلية ضد بعضها البعض، أو كما حصل قبل يومين بين مسلحين من مدينة شهبا وآخرين من قوات الأمن التابعة للنظام.

 

وليلة الثلاثاء هاجمت مجموعات محلية مسلحة من ثلاثة محاور مبنى قيادة الشرطة في المدينة بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، مما أسفر عن مقتل عنصر من "فرع الأمن السياسي"، بينما جرح ضابط برتبة نقيب من "فرع أمن الدولة".

 

وجاء هذا الهجوم ردا على مقتل "شادي علبي" قائد إحدى المجموعات المنتشرة في مدينة شهبا على يد عناصر من قوات حفظ النظام، بعد قطعه للطريق الواصل إلى مدخل المدينة الشمالي، في ضغط منه للإفراج عن شاب اعتقل في العاصمة دمشق.

 

ورغم أن السويداء التي تقطنها الأغلبية الدرزية في جنوبي البلاد شهدت مواجهات مسلحة كثيرة، في الأشهر والأسابيع الماضية، فما يحدث الآن "مختلف"، بحسب مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.

 

ويوضح معروف حديثه بالقول إن "الاشتباكات قبل يومين دارت بين مجموعات محلية وقوات أمن النظام السوري، وبذلك كان الصدام مباشرا بين الطرفين استخدمت فيه الرشاشات الثقيلة".

 

ويضيف : "النظام يحاول فرض معادلة جديدة في السويداء من جهة وتغيير قواعد اللعبة من جهة أخرى، لكنه يصطدم برفض بعض الجهات الفاعلة في المنطقة".

 

ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام حتى اللحظة، فيما لم تتطرق وسائل الإعلام الرسمية إلى حادثة الاشتباك، والتي أسفرت عن مقتل عنصر الأمن وإصابة الضابط الآخر.

 

"تشكيلات منقسمة"

وتنقسم القوى العسكرية في السويداء ما بين فصائل وتشكيلات محلية، البعض منها ذات نفس "معارض خالص" والآخر حيادي، بينما القسم الثالث فله ولاءٌ قطعي لنظام الأسد، والأفرع الأمنية التابعة له.

 

جميع هذه التشكيلات تتداخل مناطق النفوذ فيما بينها، وفي السنوات الماضية كانت قد اصطدمت مع بعضها البعض أحيانا، بينما توحدت في بعض الأحيان على جبهة واحدة، بشكل أساسي ضد تهديدات تنظيم "داعش" من الشرق، ومؤخرا تهديدات "الفيلق الخامس" من جهة بصرى الشام بريف درعا.

 

ووفق الصحفي السوري ريان معروف، هناك مشهد واضح في الوقت الحالي يفيد بأن "النظام متوجه لتغيير حالة التعاطي السلس مع السويداء، والتي كانت مفروضة سابقا منذ عام 2014".

 

ويتابع: "منذ فترة ليست بطويلة لاحظنا أن طريقة التعاطي الأمنية تغيرت بالنسبة له. باتت قواته تتدخل مباشرة بإطلاق النار مع أي خلل أمني، وهو ما حصل مع مجموعات مدينة شهبا المحلية".

 

لكن المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري، تحدث عما وصفها بـ"العصابات الفاسدة" التي تقف وراء الأحداث الأمنية بين الفترة والأخرى.

 

ويقول الأصفري: "الأمن غير مستتب في السويداء حتى الآن. يوجد هناك عصابات مسلحة مدعومة من جهات خارجية، وأعتقد أن الأمور لن تتأزم أكثر من ذلك وسوف تحل. هناك تعاون بين وجهاء المدينة والدولة السورية".

 

"رمزية خاصة"

منذ بداية أحداث الثورة في سوريا حظيت محافظة السويداء برمزية خاصة ضمن الخارطة السورية، وبالأخص في الجنوب، كونها تخضع لسيطرة كلية للنظام السوري، وفي الوقت ذاته تخرج بين الحين والأخرى بمظاهرات مناهضة له.

 

وإلى جانب ذلك يرفض شبانها الخدمة الإلزامية في "الجيش السوري".

 

في مطلع نوفمبر الماضي وكتحرك لافت عقدت اللجنة الأمنية التابعة للنظام في المحافظة اجتماعا مع وجهاء، دون أن تدعي إليه مشايخ العقل أو الزعامات الاجتماعية.

 

ووصف الاجتماع آنذاك بأنها "مقدمة لتوجه النظام لحل بعض الملفات العالقة"، بينها مسألة المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وانتشار السلاح والتشكيلات المسلحة، بالإضافة إلى المطلوبين في قضايا أمنية والسيارات المسروقة أو تلك التي لا تحمل أوراقا قانونية.

 

وتزامن ما سبق مع تصريحات لمسؤولين روس أشاروا فيها إلى نيتهم طرح "تسوية تتعلق بالفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية في صفوف الجيش السوري"، وذلك على غرار ما شهدته محافظة درعا مؤخرا ومناطق في شرقي البلاد.

 

وبينما يقول المحلل السياسي علاء الأصفري إن "الدولة السورية تتعامل بشكل حكيم ومنطقي مع جميع الأحداث التي تعيشها المحافظة"، يستبعد الصحفي ريان معروف أن يصعّد النظام ويجر المحافظة إلى "حالة حرب".

 

ويقول معروف: "النظام لديه حدود للتصعيد ويسير ضمن سياقها، لكنه ألمح مؤخرا خلال اجتماعاته مع مشايخ العقل أنه يتجه لضبط الأمن والأمان"، في إشارة منه لتعاطٍ جديد.

 

ما دور مشايخ العقل؟

ولم يغب المشهد الحالي الذي تعيشه السويداء الآن وعاشته في السابق عن "مشيخة العقل"، والتي تعتبر الهيئة الروحية والزعامة الدينية المتوارثة، التي لها الكلمة الأكبر هناك.

 

وإلى جانب حكمت الهجري الذي تنحصر مكانته الدينية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة.

 

إضافة إلى الشيخ يوسف الجربوع وهو المسؤول عن دار الطائفة في مقام عين الزمان، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.

 

وكان هؤلاء قد أصدروا عدة بيانات في السابق عقب كل حادث أمني، حيث دعوا بشكل عام إلى فرض حالة التهدئة، بعيدا عن أي تصعيد.

 

لكن الاشتباكات التي حصلت قبل يومين كان لها موقف مغاير ببعض النقاط.

 

وأصدر الشيخ الهجري الممثل عن الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء الثلاثاء بيانا حذّر فيه المواطنين من الانجرار "وراء الآخرين"، لحل مشكلاتهم على حساب الناس وكرامتهم.

 

وجاء البيان مخاطبا الأهالي بأن هناك جهات أعادت زرع "الإرهاب من داخلكم، وحرمتكم لذة العيش بمقدرات وخيرات الوطن"، مؤكدا أن "القرارات الحكومية لم تكن في موقعها، ولم تناصر تضحيات أبناء السويداء، ولم تؤدِّ الواجب في حمايتهم وإعانتهم".

 

وتابع البيان أن الحكومة السورية عاملت مواطني السويداء بزيادة "الجبايات" والضرائب، والتحصيل بكل الأسباب وأدق التفاصيل، ورفع الأسعار فجأة بلا ضرورة، لأجل "إذلال الناس وتحطيمهم وتركهم في العراء دون حماية".

 

ووفق الصحفي ريان معروف المقيم في السويداء فإن "الرئاسة الروحية قصدت في بيانها النظام بشكل واضح جدا"، مشيرا: "هذا الموقف بدا التغير فيه منذ عام".

 

ويضيف معروف: "هناك تحميل واضح للنظام من جانب الرئاسة الروحية، بشأن المشاكل المجتمعية والحياتية والاقتصادية والمعيشية. البيان قوي ويلخص رؤية الرئاسة الروحية لعام 2021".

 

"التغيّر بدأ بمحافظ"

في غضون ذلك يرى الكاتب والمحلل السياسي، حافظ قرقوط أن ملف السويداء دخل في "منحى جديد"، وبدأ منذ تعيين المحافظ الجديد، نمير مخلوف قريب رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

 

وكان الأسد قد عيّن مخلوف بمرسوم رئاسي محافظا للسويداء قبل أسبوع.

 

ويقول قرقوط: "المحافظ أصبح لديه فريق أمني وجاء معه أيضا، لإدارة الملف بطريقة أمنية مباشرة. الأمر اتضح بالرسائل التي أوصلوها في الأيام الماضية".

 

ويضيف الكاتب السوري: "نحن أمام مرحلة جديدة للتعاطي مع السويداء بالقوى الأمنية الضاربة. هذا الأمر يأتي في ظل الحالة المنهكة اقتصاديا والإغلاق من كل الجهات".

 

وتحدث قرقوط على توسع في الانتشار الأمني والعسكري للمحافظة، مشيرا: "الحواجز الأمنية تتمدد يوما بعد يوما، وهناك تجمعات عسكرية باتت واضحة على العيان، بينها وللمفارقة على سطح المشفى الوطني".

 

وكانت قوات الأمن السورية دفعت بالمزيد من العناصر والآليات إلى مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعد الاشتباكات التي حصلت قبل يومين.

 

وأشارت شبكات محلية سورية تغطي أخبار السويداء إلى تردد أنباء عن اجتماع أعضاء اللجنة الأمنية على خلفية التطورات، وورود برقية استنفار لجميع الوحدات الأمنية والعسكرية وتعليمات بالتعامل الفوري مع أي هجوم على المراكز الأمنية.