الأربعاء 2021/10/20

“اختراق أمني” أم “تصفية حسابات”.. تفجيرات دمشق تثير التساؤلات

بين الفترة والأخرى تهتز العاصمة السورية دمشق بتفجيرات "مريبة"، الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن الأطراف المسؤولة عن تنفيذها، لاسيما في ظل تضارب الروايات، ما بين تلك الخاصة بالنظام السوري، وأخرى تستعرضها شبكات محلية معارضة.

آخر التفجيرات وقع صباح الأربعاء. وذكرت وكالة أنباء النظام "سانا" أن 14 شخصاً قتلوا وجرح اثنان، جراء "تفجير إرهابي بعبوتين ناسفتين أثناء مرور حافلة مبيت عسكرية عند جسر الرئيس".

ونقلت الوكالة عن وزير داخلية النظام، اللواء محمد الرحمون قوله: "العمل الإرهابي جرى بعد دحر الإرهاب من غالبية الأراضي السورية، وإن من لجأ وخطط لهذا الأسلوب الجبان كان يرغب في أن يؤذي أكبر عدد ممكن من المواطنين".

وأضاف الرحمون: "ستتم ملاحقة الأيادي الآثمة وسيتم بترها أينما كانت"، دون أن يحدد جهة مسؤولة بعينها أو هوية القتلى، إن كانوا من المدنيين أو العسكريين.

وتعتبر منطقة "جسر الرئيس" من أبرز المناطق الحيوية في العاصمة السورية دمشق.

وتحت الجسر الذي يصل بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، تتجمع منذ سنوات طويلة حافلات لنقل الركاب إلى مختلف أحياء العاصمة، وأيضا إلى المناطق الريفية، مثل الغوطة الشرقية والغربية.

بعد شهرين

لا يعتبر تفجير "جسر الرئيس" الأول من نوعه، فقبل شهرين اهتزت منطقة مساكن "الحرس الجمهوري" قرب منطقة مشروع دمر في العاصمة بتفجير مماثل. وبينما قالت "سانا" حينها إنه ناتج عن "تماس كهربائي"، أصدرت جماعة "تنظيم حراس الدين" بيانا أعلنت فيه تبنيها للحادثة.

وجاء في بيان التنظيم أن سرية تابعة له فجرت حافلة تقل ضباطا لـ"الحرس الجمهوري" في العاصمة دمشق، ضمن سلسلة ما تسمى بـ"غزوة العسرة ثأرا لأهالي درعا".

وفي مارس الماضي ضرب تفجير منطقة الدحاديل في دمشق، ما أسفر عن مقتل مدني، وذكرت وسائل إعلام النظام حينها إن "عبوة ناسفة مزروعة بسيارة أحد المدنيين انفجرت وأسفر ذلك عن مقتل السائق".

وجاء ذلك بعد 8 تفجيرات أعلنت فقط منذ بداية 2021، واللافت أنها بنفس الأسلوب الذي يستند على زرع عبوات ناسفة في سيارات أو حافلات وتفجيرها عن بعد في أماكن متعددة.

ومن أبرز المناطق التي شهدت هكذا نوع من الحوادث: شارع خالد بن الوليد في دمشق ومنطقة خلف حديقة الجلاء في المزة، وكراجات الانطلاق في منطقة باب مصلى، وساحة المرجة وسط دمشق، ومحيط ملعب تشرين ونفق الأمويين.

بالإضافة إلى التفجير الذي استهدف سيارة بالقرب من شعبة "حزب البعث" في قطنا بريف دمشق، وآخر استهدف محيط مخفر بلدية جرمانا.

اختراق أمني

يقول المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، إن تفجير "جسر الرئيس فاجأ سكان العاصمة دمشق، واللافت أنه يتزامن مع انعقاد الجولة السادسة من اللجنة الدستورية السورية".

ويضيف يوسف لموقع "الحرة": "الاستهداف للمدنيين أكثر من العسكريين باعتبار الحافلة تتبع للإسكان العسكري الذي يقوم ببناء المساكن للأفراد والضباط".

ومن وجهة نظر المحلل السياسي، فإن "التفجيرات للترويع"، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة "تعتبر اختراقا أمنيا، وهو أمر يحدث في كل بلدان العالم".

في المقابل، يرى منير الحريري، وهو ضابط منشق عن "فرع الأمن السياسي"، أن التفجيرات التي تشهدها دمشق هي "من أفعال النظام ".

ويقول الحريري لموقع "الحرة": "المنطقة المستهدفة تعتبر مربعا أمنيا هاما تحت جسر الرئيس. بجانبه قصر الضيافة القديم الذي يعتبر ثكنة عسكرية للفرقة الرابعة حصرا".

ويتابع الضابط المنشق مستدركا: "من يتجرأ على وضع عبوة ناسفة في دمشق؟ هناك أشياء مريبة تحصل. وأتوقع أن النظام يريد عرقله مفاوضات اللجنة الدستورية بهكذا أحداث".

أجندات أمنية

وفي غضون ذلك نقلت شبكة "صوت العاصمة" المحلية، عن مصادر لم تسمها، قولها إن الحافلة التي استهدفها تفجير الأربعاء "تتبع للإنشاءات العسكرية"، وهو ما أكد عليه المحلل السياسي غسان يوسف.

وأضافت مصادر الشبكة: "الحافلة كانت تقل موظّفين وعسكريين، وانطلقت من المزة 86 فيما كانت وجهتها إلى منطقة عدرا. التفجير وقع قبيل مرورها من تحت جسر الرئيس بأمتار قليلة، حيث سمع دوي انفجار واندلعت النيران لتلتهم الحافلة بسرعة".

ويستبعد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نوار شعبان، أن تكون تفجيرات دمشق "عشوائية"، ويقول: "لو أنها عشوائية من أجل زعزعة الموقف الأمني لكان السيناريو الخاص بها غير ذلك".

ويضيف الباحث السوري لموقع "الحرة": "نرى دائما أن هناك استهدافا لتكتل عسكري معين. الاستهداف داخل المدينة يعني تم اختراق الخطوط الأساسية في المدينة. الشيء منظم ومخطط له".

ويرى شعبان أن الحوادث "بعيدة عن معارضة ونظام"، "بل هي ترتبط بأجندات أخرى داخلية أمنية"، مشيرا: "بالمحصلة أتوقع أن الهجوم ليس عشوائيا، بل هو منظم واخترق دفاعات أمنية داخلية. أرجح أنه تشكل من الداخل".

وهناك ترجيحات أخرى "حيث قد تكون هناك كيانات محسوبة على روسيا أو إيران بدأت بتوسيع رقعة الاستهداف. الرواية الرسمية تكون عبارة عن وجود خلايا إرهابية"، بحسب الباحث السوري.

رواية الإرهاب

منذ عام 2018 تمكن النظام من إفراغ محيط العاصمة دمشق من جميع قوات فصائل المعارضة، وذلك بموجب اتفاقيات مصالحة وتسوية رعتها روسيا بالمقام الأول.

وبعد ذلك بأشهر أعلن رفع جميع الحواجز الأمنية، سواء داخل دمشق أو في محيطها، أبرزها مؤخرا حاجز منطقة القطيفة الشهير، الذي يقع على أوتوستراد حمص-دمشق.

وأعطت تلك الإجراءات مؤشرات على "الانتصار، وبالتالي تأمين العاصمة دمشق بالكامل من أي خطر"، وهو ما أكد عليه مقربون من النظام السوري مرارا.

وبخصوص تفجير "جسر الرئيس" فحتى الآن تسود ضبابية بشأن تفاصيله والأهداف المرسومة له، لكن ما كان واضحا في الرواية الرسمية هو التأكيد على "محاربة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين".

وتلك الرواية يحاول النظام تصديرها منذ سنوات، بحسب معارضين وتأتي الآن في الوقت الذي يدور الحديث فيه عن "إعادة تأهيل الأسد"، بعد عشر سنوات من الحرب التي قادها ضد من نادى بإسقاطه.