الأربعاء 2017/05/17

التشبيح خارج إطار النظرية

من الأشياء التي يرصدها المرء في تاريخ الحضارة الإنسانية السعي الدائم لوضع إطار نظري، يجعل كل نتاج معرفي علماً، وقديمًا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- : "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه" حيث جعلت العرب الشعر علماً .

وكان هناك سعي محموم عند هذا الرعيل من العلماء لجعل كل حقل معرفي علماً، و إن كان في إطار التجريب، ولم يرتق إلى مستوى الحقيقة المطلقة، لذلك تعد الفلسفة علماً ، والتاريخ علماً ، والفيزياء ... وحتى الفنون الجميلة كالرسم و الموسيقا والمسرح والسينما و الرقص أصبحت تُدرَّس في الجامعات.

وبما أن المشتغلين بالمعرفة لديهم هَوَس بوضع أطر نظرية لكل ظاهرة بشرية أو كونية، فقد تجردت الأقلام لدراسة ظاهرة التشبيح الطارئة على المستوى الإعلامي، وأريق حولها مداد غزير، حيث غزت المفردة كل اللغات في سياق نشرات الأخبار عن الوضع الميداني في سوريا.

وقد تصدى لظاهرة التشبيح الكثير من الكتاب؛ ابتداء من المقالات الصحفية البسيطة، إلى مقالات تُشرِّح البعد النفسي والسياسي والاقتصادي لظاهرة التشبيح .

وتم الاتفاق على أن التشبيح هو: موقف ثقافي يصدر عن كل من يؤيد نظام الأسد في حملته الشرسة على شعبه، فوجدنا الشبيحة المرتزقة من الرعاع والدهماء، الذين جندهم النظام لقتل الناس وسرقة منازلهم ،و شبيحة رجال الدين من كل المذاهب والطوائف، والشبيحة الإعلاميين، والشبيحة السياسيين؛ من جميع الدرجات؛ ابتداء من المحللين السياسيين على مساحات الإعلام كافة إلى الوزراء والرؤساء من جميع الدول، حيث لم تنحصر هذه الظاهرة في سوريا وحسب، وإنما وجدنا لها أنصاراً في شرق الأرض وغربها .

وتنحصر مقولات الفكر التشبيحي في مرتكزات أساسية مفادها: أن كل من قام ضد نظام بشار الأسد هو عميل إسرائيلي، أنجلو ساكسوني، كوني، جرثومي ،مرتزق؛ هدفه ضرب محور المقاومة والممانعة الشريف، وبناء على موقفه الخياني فإنه يستحق القتل والسحل والحرق وأن يطرد من جمهورية الرحمة جمهورية آل الأسد .

وبعد هذا التوصيف للفكر التشبيحي،تم فرز الناس على ظهر البسيطة في فسطاطين: فسطاط الشبيحة العالمي،وفسطاط الثوار . 

وبعد أن استطالت الثورة، بدأت تظهر مقولات تشبيحية منطلقة من فسطاط الثوار؛ لتمارس عليهم أفكار فسطاط الشبيحة ،ويمكن للمرء أن يسجل الملاحظات التالية التي صدرت عن هؤلاء : 

1- الثوار أبطال إذا حققوا انتصاراً، وهم بلاء ومصيبة إذا خسروا معركة، أو انسحبوا من مكان تحت وطأة ضربات النظام أو نقص الذخيرة .

2- اختلط على هؤلاء القوم التفريق بين الجيش الحر الذي خرج للقتال من منطلق أخلاقي، وهو الدفاع عن المتظاهرين السلميين، وحماية الآمنيين من غزوات الشبيحة المتكررة للأحياء، وبين من حمل السلاح، واحترف السرقة والسلب والنهب؛ مدعياً أنه من الجيش الحر ، أو من فسطاط الثوار. 

3- حملة الشتائم التشبيحية التي كانت حكراً على الفريق الأول؛ أقصد فسطاط الشبيحة العالمي، حيث بدأ هؤلاء المحسوبون على فسطاط الثوار بحملة شتائم شرسة، لا أخلاقية، بحق الشعوب العربية في الدول و وصفهم بأنهم متخاذلون عن نصرة الشعب السوري ، على الرغم

من أن رجالاً من هذه البلدان هبوا لنصرة السوريين، وعبروا البحار والقفار؛ سواء كانوا مقاتلين أو أطباء ، أو إعلاميين ، وعند وصولهم إلى سوريا، بدأ هذا الفريق باتهامهم بأنهم من تنظيم القاعدة ، ويجب عليهم أن يرحلوا؛ لأن سوريا لا تحتاج رجالاً. 

4- حالة النكران لكل من قدم مالاً داعماً الثوار و اللاجئين داخل سوريا.

5- استهداف رجال الثورة أنفسهم،كالهجوم على التنسيقيات وكوادرها، إلى الهجوم على الجيش الحر،والمجالس العسكرية إلى الهجوم على المعارضين في الخارج،واتهامهم بالتسلق وسرقة الثورة، على الرغم من أن الثورة لم تنجز بعد استحقاقها النهائي .

كل هذه الأشياء تجعل فعل هؤلاء القوم تشبيحاً عابراً للنظرية التشبيحية التي استقر عليها الكتاب والباحثون حتى اللحظة ، ومتجاوزاً للأفكار التي تم الاتفاق عليها .

هذه الظاهرة الجديدة جديرة بالبحث، ووضع أسس نظرية لها، حتى نستطيع تقسيم العالم إلى فسطاطات ثلاث: فسطاط الثوار ، وفسطاط التشبيح العالمي ، وفسطاط التشبيح العابر للنظرية .