الأحد 2018/06/17

واشنطن بوست: كيف لحرب منسية أن تساعدنا في الحل بسوريا؟

بقلم: إريكا هارليتز كرين

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ظلت الحرب العالمية الأولى محفورة في ذاكرتنا التاريخية كأول حرب شاملة. وقد ألهم هذا الحدث، الذي كان في الفترة الممتدة بين 1914 و1918، العديد من الكتاب والمخرجين الذين استغربوا كيف يمكن للإنسانية أن تسمح بحدوث مثل هذا الدمار والقتل؟ ومع ذلك، لم تكن الحرب العالمية الأولى هي الحرب الأولى، ولا أكثر الحروب دموية على مر التاريخ. قبل أربعمئة عام، حصد نزاع مسلح قبله العديد من الأرواح وأدى إلى دمار شامل في القارة الأوروبية، لكن لم يتذكره أحد.

يعد 23 مايو/ أيار الذكرى 400 لاندلاع حرب الـ30 عاماً، وهو صراع لا يمكن مقارنته إلا بالحرب العالمية الثانية بالنظر إلى حجم الخسائر في الأرواح والأضرار التي عرفتها أوروبا في تلك الفترة. أدى انتهاء هذه الحرب في تموز/ يوليو عام 1648 إلى تشكيل منطقة تضم كلاً من ألمانيا وبولندا وجمهورية تشيك، في الوقت الذي قُتِل فيه نحو 40 % من سكان أوروبا الوسطى.

لماذا يُنسى هذا الحدث؟

تُعدّ حرب الـ 30 عاماً نزاعاً معقّداً، إذ لم تنشَب لنفس الأسباب الحديثة والمألوفة التي شكلتها صراعات الخير والشر والمعارك بين الدول القومية التي تندلع من أجل السلطة أو الأرض أو النفوذ. رغم أن الحرب التي جرت إبّان حكم الإمبراطورية الرومانية تبدو بعيدة كل البعد عما يحدث اليوم، إلا أنها قد تكون المفتاح لفهم التحديات الحقيقية للحرب في أماكن مثل سوريا.

لفهم هذه الصراعات، من الضروري كسر المفاهيم التقليدية للحرب من خلال فهم الصراعات المعقدة كحرب الـ 30 عاماً.

اندلعت حرب الـ 30 عاماً في 1618 بعد حادث يعرف باسم "حادثة الإلقاء من النافذة"، حيث قام ممثلون بروتستانت من مملكة بوهيميا (جمهورية التشيك الغربية الحالية) برمي ثلاثة مسؤولين حكوميين يمثلون سلالة "هابسبورغ" الكاثوليكية من النافذة في براغ. على غرار أحداث سراييفو والتي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى بعد نحو 300 عام، كان لحادثة الإلقاء هذه أهمية إقليمية وتأثير مضاعف عبر الشبكات الدولية وقتها، ما أشعل فتيل الحرب في القارة الأوروبية بعد قرن من تقسيم الإصلاح البروتيستانتي للعالم المسيحي.

خلال ثلاثة عقود من أعمال العنف لم تكن الأسباب الرئيسية لهذا الصراع واضحة المعالم. والواقع، أن هذه الحرب كانت معقدة للغاية، ما دفع بالمؤرخين إلى التساؤل عما إذا كان يمكن اعتبارها حرباً مترابطة.

لفهم ذلك، تمّ تقسيم الحرب إلى أربع مراحل. كانت المرحلة الأولى، والمعروفة باسم المرحلة البوهيمية، نزاعاً مسلحاً إقليمياً يركّز على التوترات الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت في بوهيميا ومدينة براغ. المرحلة الثانية سميت بالمرحلة الدنماركية، لأن الملك الدنماركي المسيحي الرابع تدخَّل لحماية موقعه في وسط أوروبا.

في المرحلة الثالثة تطوّرت الحرب إلى صراع دولي عندما تدخلت السويد نيابة عن الكنيسة اللوثرية. وبالطبع، فقد أراد السويديون أيضاً حماية موقعهم في بحر البلطيق. ولتحقيق هذا الهدف، دخلوا في تحالف مع فرنسا، التي حولت المجهود الحربي السويدي إلى حرب بالوكالة الفرنسية ضد سلالة هابسبورغ.

بدأت المرحلة الرابعة والأخيرة من الحرب عندما تدخّلت فرنسا رسمياً في النزاع، وأعلنت الحرب على عدوِّها اللدود إسبانيا آنذاك. حينئذ فقط تحوّلت حرب الـ30 عاماً إلى حرب عالمية امتدت إلى العلاقات التجارية في مستعمرات المقاتلين.

باختصار، من الصعب تحديد الأطراف المتحاربة. فقد بدأت الحرب كصراع دستوري وديني بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا الشرقية، لتنتهي بمواجهة بين قوتين كاثوليكيتين فرنسا وإسبانيا في ذلك الوقت. إذ كانت التحالفات تتغير باستمرار لارتباطها بالسياسات ودعم عدوّ العدوّ أكثر من القتال من أجل قضية ما. ولا يمكن وصف أي من الطرفين بأنه جيد أو سيئ، فقد ارتكب كل من الكاثوليك والبروتستانت جرائم حرب ضد شعوبهم وأعدائهم على حد سواء.

بالإضافة إلى هذا الانحياز الفوضوي وعدم وجود جانب أخلاقي صريح، تبدو هذه الحرب بعيدة عما يحدث في الوقت الحالي لأنها وقعت داخل حدود الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والتي تعتبر كيانا جيو-سياسياً لم يعُدْ موجودا. إذ من الصعب محاولة فهم واستيعاب الإطار الفكري لأوروبا الوسطى في القرن السابع عشر بشكل عام، والإمبراطورية الرومانية المقدسة بشكل خاص. فقد استعصى على المؤرخين فهم مكونات الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فقال فولتير عنها "ليست المقدسة، ولا رومانية، ولا إمبراطورية".

انتهت حرب الـ 30 عاماً في تموز / يوليو 1648 بالتوقيع على معاهدة "وستفاليا". لكن نهاية الحرب كانت غير حاسمة كبدايتها. توقفت الأعمال العدائية بسبب نفاد موارد الفصائل المتحاربة، وليس لأن القضايا التي كانت تحارب من أجلها قد تم حلها. علاوة على ذلك، فإن معاهدة "وستفاليا" نفسَها لم تكن معاهدة سلام واحدة، بل تم توقيع معاهدة في مدينة أوسنابروك الألمانية، وواحدة في مدينة مونستر المجاورة. كما لم تُنهِ هذه المعاهدات القتال بشكل كامل، لقد أنهوا الحرب في "الإمبراطورية الرومانية المقدسة" فقط، بينما واصلت فرنسا وإسبانيا الحرب لمدة 11 عاماً أخرى.

إن الغموض الذي تخلل حرب الـ 30 عاماً مثال على الكيفية التي نبحث فيها عن الروايات المألوفة في الماضي وكذلك في عصرنا. عندما لا يمكن العثور على هذا السرد، ننتقل إلى أشياء يمكننا تحسينها ووضعُها في قالب يتناسب مع فهمنا للعالم.

ولهذا نحن في حاجة إلى فهم حرب الـ 30 عاماً.

يكشف الرفض العام للصراعات المعقدة عن عدم الرغبة في التفكير خارج روايات الحرب التي ظهرت أساساً خلال القرن العشرين. هذه الروايات تميل إلى تشويه نظرتنا للنزاعات المسلحة. إذ تتحدى كل من حرب الـ 30 عاما، والحرب في سوريا هذا التصنيف. كما إنه من الصعب ربط هذا التصنيف بالحرب الأهلية التي تدور في جمهورية كونغو الديمقراطية.

تغيّر الحرب التي تشنها حكومة ميانمار على شعب "روهينغيا" أفكارنا السابقة حول قوى الخير والشر في العالم. كما إن للبعد الجغرافي دوراً في جعل الأمر أكثر صعوبة لفهم ما يحدث ومعرفة أهميته.

يمكن من خلال فهم الأسباب الرئيسية لهذا العنف تجاوز الروايات الساذجة، وربما توسيع فهمنا للصراعات الحالية. وفي هذا السياق، تصبح حرب الـ 30 عاما مَنسية بسبب تعقيداتها.